الضرائب المفاجئة تعيد أوروبا إلى أجواء الحرب العالمية

14 اغسطس 2023
الضرائب المفاجئة تستهدف دعم الموازنات الحكومية (Getty)
+ الخط -

تتجه الحكومات الأوروبية بشكل متزايد إلى فرض "ضرائب مفاجئة" على مختلف الأنشطة الإنتاجية والخدمية التي تحقق أرباحاً قياسية، في خطوة لدعم موازناتها، وتهدئة الضجر الشعبي من الأرباح الطائلة التي تحققها الشركات، خلال أسوأ أزمة تكلفة معيشية تواجهها ملايين الأسر منذ عقود.

جاءت الضريبة المفاجئة التي فرضتها الحكومة الإيطالية على البنوك في الثامن من أغسطس/آب الجاري بنسبة 40% أحدث مثال على هذا التوجه.

وبينما كانت الضرائب تستهدف شركات الطاقة التي حققت أرباحاً طائلة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا نهاية فبراير/ شباط من العام الماضي، تمتد الضرائب إلى قطاعات أخرى، وتنتشر في العديد من البلدان، حيث يسعى السياسيون المتضررون من ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة الإنفاق الحكومي، إلى سد العجز في الميزانية.

وقال غرانت وارديل جونسون، رئيس السياسة الضريبية العالمية في شركة "كيه بي أم جي" للمحاسبة العالمية التي تتخذ من هولندا مقراً رئيسياً لها: "هناك موجة أوروبية من الضرائب المفاجئة، وهذا بشكل واضح يأتي استجابة لنقص الإيرادات الحكومية".

وتُظهر بيانات "كيه بي أم جي"، وفق صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية أن أكثر من 30 ضريبة مفاجئة، جرى تطبيقها أو اقتراحها في جميع أنحاء أوروبا منذ بداية عام 2022، وتطاول قطاعات متعددة.

وأصبحت البنوك مستهدفة بشكل متزايد، حيث تفرض جمهورية التشيك وليتوانيا وإسبانيا وإيطاليا الآن رسوماً على القطاع، ويمكن أن تسير لاتفيا في الاتجاه نفسه.

وفي بلدان أخرى، أصبحت القطاعات التي تغطيها الضرائب المفاجئة أكثر انتشاراً. فقد فرضت المجر ضرائب على جميع المؤسسات المالية، بما في ذلك شركات التأمين، وكذلك المجموعات الصيدلانية. وفرضت البرتغال ضريبة بنسبة 33% على موزعي المواد الغذائية مع تحقيق أرباح مرتفعة في عامي 2022 و2023.

وذهبت كرواتيا إلى أبعد من ذلك، حيث اقترحت ضريبة من المحتمل أن تنطبق على جميع الشركات التي تبلغ عن إيرادات أعلى من 40 مليون يورو لعام 2022. وبلغاريا أيضاً تخطط لضريبة مكاسب غير متوقعة على مستوى الاقتصاد.

وانتقد بعض خبراء الضرائب الحكومات، بسبب لجوئها المتزايد إلى الضرائب غير المتوقعة، حيث قال أحد المستشارين لصحيفة فاينانشال تايمز إن الضرائب المتزايدة تعد بمثابة "اعتراف بفشل السياسة"، وتهدد بردع الاستثمار في المستقبل.

كذلك قالت كريستينا إيناتشي، الخبيرة في مؤسسة الضرائب، وهي مؤسسة بحثية أميركية، إن مثل هذه الإجراءات "ستعاقب الإنتاج المحلي".

وبينما كان من المقرر أن تستمر الضرائب التي تأتي تحت ما يعرف بـ"المساهمة التضامنية" على مستوى الاتحاد الأوروبي من شركات الطاقة حتى ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري فقط، فإن دولاً من بينها إسبانيا وسلوفاكيا والمجر وجمهورية التشيك تخطط لاستمرارها حتى عام 2024، وفي بعض الحالات عام 2025. وفي المملكة المتحدة تمتد هذه الضريبة إلى مارس/آذار 2028.

ورغم انتقاد القطاعات الإنتاجية والخدمية لفرض هذه الضرائب، يقول مدافعون عن العدالة الضريبية إن الحكومات محقة في فرض ضرائب على الشركات التي تحقق أرباحاً قياسية في وقت يتسبب فيه ارتفاع تكلفة الضروريات، مثل الطاقة والغذاء في معاناة الكثير من الناس مالياً.

وقال كريستيان هالوم، مسؤول سياسة العدالة الضريبية في منظمة أوكسفام إن "الضرائب غير المتوقعة جذابة، لأنها عادلة بشكل حدسي.. لدينا وضع يواجه فيه ملايين الأشخاص صعوبات، وتحقق العديد من الشركات أرباحاً قياسية.. إنه ببساطة ليس عدلاً".

كما جادل صندوق النقد الدولي لصالح فرض رسوم على الأرباح الزائدة، لتصبح سمة دائمة للنظام الضريبي. وأشار شفيق حبوس، نائب رئيس قسم إدارة الشؤون المالية في صندوق النقد الدولي إلى أهمية ألا تقتصر الضرائب على شركات أو قطاعات بعينها.

قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، لم تكن هذه الضرائب مستخدمة على نطاق واسع منذ عقود. وجرى إدخال الضرائب على الأرباح المرتفعة لأول مرة منذ أكثر من قرن في أوروبا خلال الحرب العالمية الأولى.

وفي عام 1915، فرضت الدنمارك ضريبة على مصدري المواد الغذائية الدنماركيين الذين استمروا في التجارة مع ألمانيا خلال الحرب.

كما اعتمدت 22 دولة على الأقل، بما في ذلك المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، شكلاً من أشكال الضرائب الإضافية على أرباح الشركات "الزائدة" أثناء النزاع.

كذلك شهدت الحرب العالمية الثانية فرض ضرائب غير متوقعة من قبل المملكة المتحدة وكندا والولايات المتحدة. وتشمل الأمثلة الأخرى الأكثر حداثة ضريبة غير متوقعة على النفط الخام فرضتها الحكومة الأميركية في عام 1980، ورسوم بنكية لمرة واحدة عام 1981 قدمتها حكومة مارغريت تاتشر البريطانية.

كما فرضت حكومة حزب العمال في المملكة المتحدة ضريبة غير متوقعة على المرافق في عام 1997، بحجة أن حكومة المحافظين السابقة باعت الشركات بثمن بخس.

المساهمون