ضمن قائمة أكثر 15 اقتصاداً استهلاكاً للفحم في العالم سنة 2020، تحتل الصين المرتبة الأولى في استهلاك هذه المادة الحيوية التي تشكل خطراً على المُناخ وسلامة الإنسان، وهي مسألة تتصدر عناوين مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب 26"، أو قمة المناخ لهذا العام المقرر عقدها في مدينة غلاسكو البريطانية خلال المدة من 31 أكتوبر/ تشرين الأول إلى 12 نوفمبر/ تشرين الثاني، وتبحث قضايا عدة، منها خفض الانبعاثات وتشجيع الطاقة النظيفة والتخلص من استخدام الفحم تدريجياً بحلول 2030.
وعلى الرغم من محاولات تحجيم استخدامه، لكن لا يزال الفحم أكبر مصدر لتوليد الكهرباء في العالم حتى الآن، إذ وفّر الفحم 38% من الحاجة العالمية للكهرباء في 2019، وفقاً لبيانات الوكالة الدولية للطاقة.
وزاد إنتاج الفحم على أساس سنوي منذ عام 2016، وتجاوزت احتياطيات الفحم العالمية التريليون طن، وتشير بيانات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن حجم الإنتاج العالمي للفحم تجاوز 7.9 مليارات طن في 2019، بمعدل نمو سنوي يبلغ 1.5%.
وتشير أحدث التقديرات إلى انخفاض حجم الإنتاج العالمي للفحم في 2020 بنسبة 6.5%، بسبب انخفاض الطلب عليه العام الماضي؛ بسبب جائحة كورونا، ومن المتوقع أن يتعافى قطاع الفحم في 2021.
أكبر المستهلكين
بحسب أحدث الأرقام استهلكت الصين العام الماضي 4140109.4 آلاف طن من الفحم، محتلة المركز الأول، بفارق كبير عن الهند التي استهلكت 932189.5 ألفاً، لتحل في المركز الثاني، ثم الولايات المتحدة ثالثة بـ650302.7 ألف، وروسيا رابعة بـ238444.7 طناً، وألمانيا خامسة بـ225249.8 ألفاً، وفقاً للموقع المتخصص "ستاتيستا" Statista.
أما المركز السادس في استهلاك الفحم عالمياً فكان من نصيب اليابان بكمية 197420.4 ألفاً، تليها كوريا الجنوبية سابعة بـ170395.4 ألفاً، وجنوب أفريقيا ثامنة بـ144614 ألفاً، وبولندا تاسعة بـ138907.3 آلاف طن، وتركيا عاشرة بـ126797.9 ألفاً.
وفي المراتب ما بعد العشر الأوائل، أتت إندونيسيا في المركز الـ11 باستهلاكها 119801.5 ألف طن، ثم أستراليا 12 بكمية 109955.9 ألفاً، تليها كازاخستان 92061.8 ألفاً، وفيتنام 70276.6 ألفاً، ثم كندا 61166.7 ألف طن.
ويفيد تقرير نشرته مبادرة "تعقب الكربون" Carbon Tracker بأن 5 دول آسيوية، هي الصين والهند واليابان وإندونيسيا وفيتنام، تنفذ 80% من مشاريع محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم في جميع أنحاء العالم.
ويساهم الفحم بنسبة كبيرة في انبعاثات الكربون في العالم، ما يجعله تهديداً كبيراً لجهود الحد من ارتفاع درجة الحرارة بنحو 1.5 درجة، وهو الهدف الذي حددته اتفاقيات باريس عام 2015. كما أن له أيضاً تأثيراً كبيراً على الصحة العامة.
الصين
وصل الإنتاج الإجمالي للفحم في الصين إلى 3.84 مليارات طن العام الماضي، علماً أن هذا البلد هو أكبر منتج للفحم عالمياً وأكثر دولة ملوّثة في الوقت عينه، إذ وصل الإنتاج اليومي من الفحم في الآونة الأخيرة إلى رقم قياسي هو 11.5 مليون طن، علماً أن الرئيس شي جين بينغ وعد بأن يخفف بلده من الانبعاثات الملوثة بحلول عام 2030.
ويوفر الفحم، وهو مصدر شديد التلويث، نحو 60% من إنتاج الكهرباء في الصين التي تخطط لزيادة حصة الوقود غير الأحفوري في استهلاكها من 16% حالياً إلى 20% في عام 2025.
وأخيراً، أعاد الرئيس الصيني التأكيد على التزامات بلاده البيئية، وهي تحقيق الحياد الكربوني "قبل عام 2060" وبلوغ الذروة في انبعاثات غازات الدفيئة "قبل عام 2030".
وارتفع مجمل استهلاك الكهرباء في الصين 16% في الأشهر الستة الأولى من هذا العام مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. لكن إنتاج الفحم هبط 5% على أساس سنوي في يونيو/ حزيران في ظل تشديد عمليات التفتيش لضمان السلامة بقطاع التعدين في أرجاء البلاد بعد حوادث متكررة في المناجم.
وتزيد الصين من وتيرة استخدام الفحم في إنتاج الكهرباء لتجاوز أزمة نقص الطاقة، التي أضرّت بعشرات آلاف المصانع خلال الأسابيع الماضية، وسط ارتفاع قياسي في أسعار الغاز والنفط عالمياً.
بحسب البيانات الحديثة فقد أنتجت الصين 53% من إجمالي الطاقة المولدة بالفحم في العالم عام 2020 بزيادة تسع نقاط مئوية عن إنتاجها قبل 5 سنوات.
وكشفت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين أنّ إمدادات الفحم إلى محطات الكهرباء الرئيسية في ثاني أكبر اقتصاد في العالم زادت بوتيرة سريعة منذ الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، ووصلت إلى 95.69 مليون طن في الرابع والعشرين من هذا الشهر.
وبحسب البيانات الحديثة فقد أنتجت الصين 53% من إجمالي الطاقة المولدة بالفحم في العالم عام 2020 بزيادة تسع نقاط مئوية عن إنتاجها قبل 5 سنوات.
وتوليد الصين للطاقة من الفحم ارتفع 1.7% أو 77 تيراوات/ساعة، وهو ما يكفي لرفع حصتها من إجمالي طاقة الفحم العالمية إلى 53% ارتفاعاً من 44% في 2015.
وقلّصت الصين استهلاكها من الفحم إلى 56.8% من مزيج استهلاك الطاقة في نهاية 2020. ونما استهلاك الفحم في أكبر مستخدم له وأكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 0.6% العام الماضي، مواصلاً الارتفاع للعام الرابع على التوالي.
الهند
من جانبها، تعهّدت الهند بمضاعفة قدرتها في مجال الطاقة المتجددة أربع مرات بحلول عام 2030، وفقاً لتقارير وكالة الطاقة الدولية.
وكان متوسط مخزون محطات الطاقة العاملة بالفحم في الهند يكفي 4 أيام في نهاية سبتمبر/ أيلول، وهو الأدنى منذ سنوات. ويولّد الفحم قرابة 70% من الكهرباء في الهند ويستخرج 3 أرباع الوقود الأحفوري محلياً.
كما أن أكثر من نصف محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم في الهند وعددها 135 والتي توفر نحو 70% من احتياجات البلاد من الكهرباء. ومن بين هذه المحطات، تواجه 108 محطات مخزونات منخفضة للغاية، إذ انخفض 28 منها.
وتعد الهند ثاني أكبر مستورد للفحم في العالم، على الرغم من أنها صاحبة رابع أكبر احتياطي للفحم في العالم.
وتواجه الهند أزمة غير مسبوقة في مجال الطاقة بسبب انخفاض مخزون الفحم بشكل خطير، في الوقت الذي يُستخدم فيه الفحم في أكثر من نصف محطات توليد الطاقة، والبالغ عددها 135 محطة في البلاد.
وفي بلد يعتمد على الفحم في توليد 70 في المائة من الكهرباء، يعد هذا سبباً رئيسياً للشعور بالقلق، لأنه ينذر بعرقلة الانتعاش الاقتصادي في الهند في مرحلة ما بعد الوباء.
الولايات المتحدة
في الولايات المتحدة، تتوقع إدارة معلومات الطاقة لتوليد الكهرباء من المحطات التي تعمل بالفحم في الولايات المتحدة أن يكون هذا العام أعلى مقارنة بعام 2020 بسبب ارتفاع حاد في أسعار الغاز الطبيعي واستقرار نسبي في أسعار الفحم.
كما تتوقع أن يرتفع توليد الكهرباء من المحطات التي تعمل بالفحم 22% في 2021 عن العام السابق، لتسجل أول زيادة سنوية منذ عام 2014.
غلاء الأسعار
وقد ارتفعت أسعار الفحم في أوروبا قبل مدة إلى أعلى مستوياتها منذ 9 سنوات في ظل نمو الطلب على الوقود مع تعافي الاقتصادات من تداعيات جائحة فيروس كورونا ونقص الإمدادات.
وارتفع سعر العقود الآجلة للفحم إلى أكثر من 100 دولار للطن لأول مرة منذ 2018 على خلفية ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا نتيجة تراجع المخزون قبل دخول فصل الشتاء.
ومع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي يصبح الفحم وقوداً اقتصادياً بصورة أكبر لتوليد الكهرباء.
ومن المتوقع ارتفاع كميات الكهرباء المولدة من الفحم خلال العام الحالي بنسبة 5% تقريباً ثم 3% خلال 2022 بعد تراجعها في العام الماضي بنسبة 4.6% بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية.
وارتفع سعر الفحم المستورد من أستراليا إلى أعلى مستوياته منذ 10 سنوات تقريباً في حين ارتفعت أسعار الفحم المستورد إلى كل من أوروبا والصين.
توجهات دولية
في 21 مايو/ أيار الماضي، وافقت مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى على وقف التمويل العالمي لمشروعات تستخدم الفحم وتتسبب في انبعاثات كربون ضارة، وذلك بنهاية العام الجاري والوقف التدريجي لمثل هذا الدعم لكل أنواع الوقود الأحفوري للوفاء بالأهداف المتفق عليها عالمياً لمكافحة التغير المناخي.
وفي 18 مايو/ أيار المنصرم، قالت "وكالة الطاقة الدولية" إن على المستثمرين عدم تمويل مشروعات النفط والغاز والفحم الجديدة إذا أراد العالم الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول منتصف القرن، في أقوى تحذير من الوكالة حتى الآن لكبح الوقود الأحفوري، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً لصانعي القرار في الدول الكبرى المؤثرة على خارطة النفوذ العالمي.
خطط الإنتاج تتعارض مع اتفاق باريس
في الوقت الذي تسعي فيه بعض الدول لزيادة إنتاجها من الفحم مع قفزات أسعار النفط والغاز الطبيعي أكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة في تقرير نشر يوم 20 أكتوبر أن خطط إنتاج الفحم والنفط والغاز تتعارض إلى حد كبير مع أهداف اتفاق باريس، على الرغم من التعهدات بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
ويهدف اتفاق المناخ الموقع في 2015 في باريس إلى إبقاء الاحترار أقل بكثير من درجتين مئويتين عما كان عليه في عصر ما قبل الصناعة، وإذا أمكن العمل على ألا يتجاوز +1,5 درجة مئوية. ومن أهم المبادرات التي تسهم في الحد من الانبعاثات هي التخلص من الاعتماد على الوقود الأحفوري المسبب للتلوث.
وقبل أسبوعين من مؤتمر الأطراف للمناخ (كوب 26)، أعرب برنامج الأمم المتحدة للبيئة في التقرير المعد بالتعاون مع معاهد أبحاث أخرى عن أسفه لأن خطط الحكومات للإنتاج في هذا القطاع ما زالت "بعيدة بشكل خطير" عن أهداف باريس. وقال التقرير إنه للحد من الاحترار وإبقائه دون 1,5 درجة مئوية "يجب أن يبدأ الإنتاج العالمي للوقود الأحفوري بالانخفاض فوراً وبشكل كبير". لكن الوضع ليس كذلك.