الصين تُغرق الجزائر: غزو استثماري واسع وفواتير مضخمة

04 مارس 2023
خلال تنفيذ مشروع صيني في الجزائر (باسكال باروت/ Getty)
+ الخط -

 بدأ ولوج الصين للجزائر اقتصادياً مع وصول الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، حيث أطلق أكبر مشروع إسكان في تاريخ الجزائر، من خلال تشييد مليوني شقة، ممولة من طرف الدولة بنسبة 80 في المائة، وكان لشركة "CSCEC" الصينية العامة للهندسة المعمارية شرف قص "الشريط الأحمر"، بعد فوزها بالجزء الأكبر من مشاريع البناء المتواصلة من عام 2002 إلى يومنا هذا. وبعدها فازت الشركة بصفقة بناء "مسجد الجزائر الأعظم" بغلاف مالي فاق 3 مليارات دولار، وكذا جزء من الطريق السيار "شرق – غرب" بغلاف مالي لامس 17 مليار دولار، وبناء مقر وزارة الخارجية الجزائرية الجديد، ومركز المحاضرات الدولي، وغيرها من المشاريع الضخمة.

وبموازاة مشاريع البناء، استغلت الصين فتح بوتفليقة الأسواق الجزائرية أمام السلع الأجنبية، بعد تضاعف عائدات النفط آنذاك، لتقتحم الأسواق المحلية، عبر تدفق كبير للسلع وحتى الخدمات، ما فرض "الصين" عاملاً ثابتاً في معادلة الاقتصاد الجزائري مع مرور السنين.

انحراف البوصلة

يكشف الخبير المعماري والمسؤول السابق في وزارة السكن الجزائرية، محمود خياري أن "التوجه نحو الصين في مشاريع السكن، كان لأسباب عدة أولها التكلفة التي تعد منخفضة آنذاك عن العروض التي قدمتها مصر عبر "المقاولون العرب" وتركيا. أما السبب الثاني فهو سياسي، إذ إن بوتفليقة كانت له رؤية بالانفتاح أمام الصين، حيث قدم صفقات بالتراضي أي من دون إعلان عن مناقصات دولية، كان لـ CSCEC فرصة قيادة قاطرة الشركات الصينية نحو الجزائر، ونجحت في أخذ جزء من الطريق السيار "شرق – غرب" من شركة "دايو" اليابانية التي كانت استحوذت على الصفقة، وذلك بالتراضي، أي إن الصفقة تمنح مباشرة بعد موافقة مجلس الوزراء تحت قيادة رئيس البلاد.

وأضاف أن "اللافت أن الشركات الصينية كانت لينة في ما يتعلق بعمليات تلقي المستحقات، كما أن آجال الإنجاز كانت سريعة جداً وبجودة حسنة، إلا أن سرعة تغلغل الشركات الصينية بدأت تأخذ منحى آخر مع مرور السنوات، ما أزعج دولاً عدة آنذاك، والتي أبلغت الرئيس بوتفليقة امتعاضها من التفضيل والانحياز الجزائري الرسمي".

ومع بلوغ عهدة بوتفليقة الثالثة النهاية سنة 2013، انحرفت بوصلة الجزائر باتجاه الصين بشكل صريح، وتمكّنت من سحب البساط من تحت أقدام باريس كشريك تجاري أولٍ منذ 1962، حيث كانت صاحبة النفوذ اقتصادياً وتجارياً، لتحتل بكين الصدارة كأول شريك تجاري، وتبدأ حلقة جديدة من مسلسل التنافس على المنطقة.

وفي 2013، قرر بوتفليقة والرئيس الصيني السابق هو جينتاو إقامة شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين في المجالات الاقتصادية والعلمية، التكنولوجية والعسكرية، بالإضافة إلى مجال الفضاء.

ومنذ التوقيع على الشراكة، اتفق الطرفان على وضع مخططات اقتصادية خماسية، سمحت للصين بالدخول إلى السوق الجزائرية بزخم.

ما بين السياسة والاقتصاد

يرى الخبير الاقتصادي، جمال نور الدين، أن "التقارب ما بين الجزائر والصين فرضته الظروف، فالجزائر كانت قد خرجت من شبه حصار دبلوماسي واقتصادي فرض عليها ما بين سنوات 1992 و2000 بعد إلغاء الانتخابات البرلمانية وما عقبها من سنوات "الإرهاب المتطرف"، ومع قدوم بوتفليقة للحكم سنة 1999 انتعشت أسعار النفط، وارتفعت مداخيل البلاد، وبالتالي أطلقت الجزائر مشاريع اقتصادية كبرى، وكانت الصين أول من عرض خدماتها على الجزائر من دون شروط، عكس الشريك التجاري والاقتصادي التقليدي وهو فرنسا التي سحبت كل استثماراتها المباشرة خلال سنوات الأزمة".

ويضيف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد" أن "الصين عرفت كيف تغري الجزائر بالمزج بين السياسة والاقتصاد، فالصين لم تبد أي آراء تقلق الجزائر في بعض القضايا منها القضية الصحراوية وغيرها، كما نجد أن الصين أقدمت على خطوات عدة مهمة جعلت الجزائر تتمسك بالتعاون، منها إطلاق قمر صناعي جزائري من الصين بمساعدة خبراء صينيين".

الصين لا تقدم خدمات خيرية، وتبحث بالطبع عن بسط نفوذها، وقد وضعت دولاً عدة كأولوية، من بينها الجزائر وإثيوبيا وغيرها، وعليه يجب النظر إلى هذا التقارب بعين الواقعية

يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الجزائر عمر زهاني في اتصال مع "العربي الجديد" إن "الصين لا تقدم خدمات خيرية، وتبحث بالطبع عن بسط نفوذها، وقد وضعت دولاً عدة كأولوية، من بينها الجزائر وإثيوبيا وغيرها، وعليه يجب النظر إلى هذا التقارب بعين الواقعية".

ويضيف أن "الصين نجحت عام 2019 في إدخال الجزائر في مبادرة الحزام والطريق، حتى تكون بوابة الصين نحو أفريقيا، وعلى الجزائر أن تكون ذكية لاستغلال هذه المبادرة لولوج الأسواق الأفريقية اقتصادياً، وتكوين تكتل أفريقي صيني سياسي، كما يجب على الجزائر ألا تقع في شرك الصين التي تريد تحويل شركائها الى بيادق في حرب الأقطاب المشتعلة الآن بين القطب الغربي والقطب الروسي وحلفائه".

تضخيم الفواتير

وإذا كانت "الواجهة" الصينية مغرية ولامعة في أعين الجزائريين حكومة وشعباً، إلا أنها تخفي وراء الستار فساداً وشراء ذمم مسؤولين جزائريين، تحاول السلطات التخفيف منه، وعدم إعطائه زخماً إعلامياً وسياسياً، حماية للخيارات السياسية التي تنتهجها الجزائر منذ أكثر من عقدين، وتسعى لتسويقها على أنها حالات معزولة لا تترجم توجهاً صينياً رسمياً.

وحسب المعطيات التي حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر مطلعة، فقد تورطت شركات صينية في عمليات فساد من أجل الاستحواذ على مشاريع إضافية في الجزائر، على غرار استحواذ شركة "SETA" على صفقة إنجاز شبكة الإعلام الآلي لمطار الجزائر الدولي لمدة 10 سنوات سنة 2018، بعد تعديل دفتر الأعباء، بالرغم من فوز شركة "ULTRA ELECTRONIC" البريطانية بالصفقة في البداية، وهي القضية التي أطاحت بمدير شركة تسيير مطارات الجزائر، الطاهر علاش، بتهمة تلقي رشاوي وتبديد المال العام، ومنح صفقات عمومية خارج التنظيم القانوني المعمول به.

كما أفضت تحقيقات قضائية إلى سجن المستثمر ومدير إقامة الدولة "الساحل" (إقامة المسؤولين الجزائريين والرؤساء) السابق، عبد الحميد ملزي، في قضايا فساد وتجسس اقتصادي لصالح دولة أجنبية. كما كشفت المحاكمات المتعددة عن تلقي وزراء ومسؤولين جزائريين رشاوي من طرف شركات إنجاز صينية، من أجل الظفر بصفقات إنجاز "الطريق السيار شرق - غرب" الذي قفزت فاتورته من 8 مليارات إلى 11 ثم 17 مليار دولار.

ويكشف الخبير المالي والمستشار السابق لدى الحكومة، عبد النور سَعِدون، أن "الشركات الصينية استغلت الفساد الذي استفحل في زمن بوتفليقة، وعرفت الطريق القصير للظفر بصفقات "تكميلية"، إذ إن الصفقات الكبرى كانت تعقد مباشرة بين حكومتي البلدين، أما الصفقات "المتوسطة" أو "الصغيرة" كتوسعة بعض المنشآت، أو توسعة طرقات سيارة وسريعة، فتجرى على المستوى غير الرسمي، عبر التواصل مباشرة مع مسؤولين جزائريين".

المساهمون