استمع إلى الملخص
- التعاون الاقتصادي مع روسيا: دعمت الصين الاقتصاد الروسي خلال حرب أوكرانيا، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية 240 مليار دولار، مما أتاح لها فهم كيفية التحايل على العقوبات الغربية.
- التحديات الاقتصادية والاحتياطيات النقدية: تواجه الصين تحديات في حال فرض عقوبات شاملة، مما دفعها لتنويع احتياطياتها النقدية بعيدًا عن الدولار وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع روسيا.
يبدو أن الصين قد أعدت خططاً لمواجهة أي عقوبات أميركية محتملة، وسط تصاعد نذر الصراع مع تايوان، وكذلك التوقعات بنشوب حرب تجارية شرسة مع واشنطن، بسبب الرسوم الجمركية التي تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بفرضها مع أول يوم له في البيت الأبيض. وتظهر التحركات الصينية أنها درست بعناية العقوبات الغربية الواسعة ضد روسيا منذ غزوها أوكرانيا قبل أكثر من عامين، وأساليب موسكو للتهرب منها، لتستخلص خططاً لمواجهة أي فخاخ محتملة.
وقد دعمت الصين اقتصاد روسيا منذ بداية حرب أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، من خلال شراء النفط منها، وتزويدها بكل شيء من الأجهزة الإلكترونية الدقيقة إلى الغسالات. وفي الوقت نفسه، كانت بكين تحصل على منفعتها الاستراتيجية الخاصة، وهي دراسة حالة واقعية حول كيفية التحايل على العقوبات الغربية، إذ درست مجموعة من الوكالات التي أنشأتها الصين في الأشهر التي أعقبت الغزو الروسي، لبحث تأثير العقوبات، تلك المسألة وأعدت تقارير منتظمة لقيادة البلاد، وفقاً لشخصيات مطلعة على الأمر.
وقال هؤلاء، وفق تقرير لـ"وول ستريت جورنال" الأميركية، أمس الأحد، إن الهدف هو استخلاص الدروس حول كيفية تجنّب العقوبات والحد من مفعولها، خاصة في حالة دفع الصراع حول تايوان الولايات المتحدة وحلفاءها إلى فرض عقوبات مماثلة على الصين. وأضافوا أن المسؤولين الصينيين يزورون موسكو بشكل دوري، كجزء من الجهود للقاء البنك المركزي الروسي ووزارة المالية والوكالات الأخرى المشاركة في مكافحة العقوبات.
وتوعدت الصين، أمس الأحد، باتخاذ "إجراءات مضادة حازمة" تجاه مبيعات أسلحة أميركية لتايوان جرت الموافقة عليها في الأيام القليلة الماضية، وقالت إنها قدمت احتجاجاً لواشنطن بسبب سماحها للرئيس التايواني لاي تشينغ-ته بالتوقف في الأراضي الأميركية. وتنظر الصين إلى تايوان التي تتمتع بحكم ديمقراطي باعتبارها إقليماً تابعاً لها وتصف رئيس تايوان بأنه "انفصالي".
العصر الجديد من الحرب الاقتصادية
الجهود الصينية في هذا المجال، والتي لم يجر الإبلاغ عنها من قبل، هي رمز للعصر الجديد من الحرب الاقتصادية التي أطلقها غزو روسيا لأوكرانيا، حيث أصبحت الخطوط الفاصلة بين السياسة الاقتصادية والاستراتيجية الجيوسياسية غير واضحة بشكل متزايد. ومن المرجح أن يتضخم هذا الاتجاه فقط مع ولاية ترامب الرئاسية الثانية المقرر أن تبدأ في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، حيث يخطط لشن حرب رسوم جمركية باعتبارها أداة للتفاوض والإكراه.
كان اقتصاد روسيا مرناً بشكل مدهش طوال حرب أوكرانيا، وفق تقرير "وول ستريت جورنال"، لكنه أظهر علامات جديدة على التصدع تحت الضغط الغربي مؤخراً. وفي الأسبوع الماضي، انخفض الروبل الروسي إلى أدنى مستوى له منذ الأيام الأولى للصراع، بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات مصرفية جديدة.
وموسكو مدينة بالكثير من متانتها الاقتصادية لصادراتها النفطية، وتعاونها مع بكين، حيث يسعى زعماء البلدين إلى تحدي النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، إذ تُظهر التحركات مدى عمق هذا التعاون، وأن دعم بكين لم يكن بالكامل طريقاً في اتجاه واحد مع موسكو كمستفيد وإنما استفادت بكين أيضاً. و"بالنسبة للصينيين، روسيا هي حقاً صندوق اختبار لكيفية عمل العقوبات وكيفية إدارتها"، كما قال مدير مركز كارنيغي روسيا أوراسيا، الذي يركز على العلاقات الصينية الروسية، ألكسندر جابوييف. وأضاف: "إنهم يعرفون أنه إذا كانت هناك حالة طوارئ في تايوان، فإن مجموعة الأدوات التي سيجري تطبيقها ضدهم ستكون مماثلة".
وحذّر المقربون من صنع القرار في بكين من أن مجموعة الدراسة لا تعني أن البلاد تتأهب لغزو أوكرانيا. بل إنها تستعد لـ"السيناريو المتطرف" حال نشوب صراع مسلح وتداعياته الاقتصادية. ومن بين المجالات المثيرة للقلق بشكل خاص بالنسبة للصين احتياطياتها من النقد الأجنبي التي تزيد عن 3.3 تريليونات دولار، وهي الأكبر في العالم. وقد دفعت التحركات التي اتخذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها لتجميد الأصول الروسية في الخارج التي تتجاوز 300 مليار دولار في أعقاب غزو أوكرانيا، بكين إلى البحث بشكل أكثر نشاطاً عن طرق لتنويع مخزونها، بعيداً عن الأصول المقومة بالدولار، مثل سندات الخزانة الأميركية.
قلق صيني حيال الاحتياطيات النقدية الضخمة
في إشارة إلى الاهتمام المتزايد من أعلى المستويات بمخاطر العقوبات المرتبطة بالاحتياطيات، زار الرئيس الصيني شي جين بينغ إدارة الدولة الصينية للنقد الأجنبي في خريف عام 2023 في زيارة نادراً ما تحدث، حسبما قال المقربون من صنع القرار في بكين. وقالت الشخصيات المطلعة إن شي أثار خلال الزيارة مسألة كيفية حماية الاحتياطيات. وترفع المجموعة الصينية المشتركة بين الوكالات المعنية بالعقوبات الروسية، تقاريرها إلى نائب رئيس الوزراء الصيني المشرف على الشؤون الاقتصادية والمالية، هي ليفنغ، الذي لديه خط مباشر مع الرئيس الصيني، وهو المهندس الرئيسي لتحصين اقتصاد الصين من العقوبات الغربية.
وقال مصدر مطلع على تواصل الصين مع روسيا بشأن العقوبات: "بكين مهتمة للغاية بكل شيء تقريباً: من طرق التحايل عليها إلى جميع أنواع التأثيرات الإيجابية، مثل الحوافز لتطوير الإنتاج المحلي". ولقد ازدهرت العلاقات بين روسيا والصين منذ غزو أوكرانيا. فقد بلغت التجارة الثنائية مستوى قياسياً بلغ 240 مليار دولار العام الماضي، بفضل مبيعات النفط الروسية.
ووفقاً لمزود البيانات الروسي المعني برصد مبيعات المركبات "أوتوستات"، فإن حوالي 60% من السيارات المباعة حديثاً في روسيا هي سيارات صينية. ولكن العلاقة كانت غير متوازنة، ففي حين تمثل الصين حوالي ثلث التجارة الإجمالية لروسيا، فإن روسيا تشكل جزءاً صغيراً من تجارة الصين. ويتكون جزء كبير من صادرات روسيا من النفط والغاز الطبيعي. وهذا يعني أنه إذا انقلبت الأمور، فلن تتمكن موسكو من تقديم القدر نفسه من الدعم للاقتصاد الصيني. ولهذا السبب، وجّه الرئيس الصيني المسؤولين لتعزيز التجارة، وتعميق العلاقات الاقتصادية مع روسيا، لتحقيق "محرك داخلي" أكبر للعلاقة، وفقاً لأشخاص مقربين من صنع القرار في بكين.
وفي حين فرضت الولايات المتحدة بالفعل عقوبات على الصين، بما في ذلك قيود التصدير على أشباه الموصلات المتقدمة، والتدابير ضد شركة الاتصالات العملاقة هواوي، فإن الأزمة بشأن تايوان قد تؤدي إلى حرب اقتصادية من حجم مختلف. والعقوبات المالية الشاملة من قبل الغرب من شأنها أن تعطل النظام المالي للبلاد، وتعطل التجارة وتضع 3.7 تريليونات دولار من أصول واحتياطيات البنوك الصينية في الخارج في خطر، وفقاً لتقرير صدر العام الماضي عن المجلس الأطلسي البحثي، ومجموعة روديوم البحثية المستقلة.
وردت روسيا على العقوبات الغربية بإعادة توجيه تدفقات السلع الأساسية، وإقرار حوافز اقتصادية ضخمة، والتهرب من ضوابط التصدير عبر الدول المجاورة. ولقد أدت هذه التدابير إلى استقرار الاقتصاد الروسي، ومكّنت موسكو من مواصلة حربها، بينما يرى محللون أن العقوبات ستعوق آفاق النمو الروسي في الأمد البعيد.
خطط لمواجهة العقوبات والتكيّف معها
يقول المحللون إن أحد الدروس الرئيسية التي تعلمتها الصين من تجربة روسيا هو أهمية الاستعداد. فقبل الحرب، سعت روسيا إلى تنويع احتياطياتها الأجنبية، وإلغاء الدولار في اقتصادها، وبناء البنية التحتية المالية المحلية. ورغم أن نجاحها كان متفاوتاً، فإن هذه التحركات ساعدت في حماية الاقتصاد الروسي وكسب الوقت للتكيف. وهناك درس آخر للصين وهو قيمة التحالفات وحدودها. فقد عملت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاء آخرون في انسجام لاستبعاد البنوك الروسية الكبرى من شبكة "سويفت" المالية الدولية وفرض سقف لسعر النفط، في حين ردت روسيا بتعزيز العلاقات مع الصين وإيران وكوريا الشمالية.
وقالت زميلة السياسة البارزة في مجال الجغرافيا الاقتصادية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أجاثي ديماريس: "لقد تعلمت الصين أن الغرب قادر على تنظيم أموره بشأن العقوبات عندما يتعين عليه ذلك. وفي الوقت نفسه، وجدت روسيا حلفاءها".
في الوقت نفسه، أعاقت الخلافات في التحالف الغربي، وخاصة بشأن العقوبات النفطية بسبب مخاوف التضخم، استجابتهم الجماعية لتنفيذ العقوبات. ومع وجود الصين ببصمة أكبر بكثير في الاقتصاد العالمي، فمن المتوقع أن تكون التكاليف العالمية للعقوبات أعلى بكثير. ووفقاً لتقديرات المجلس الأطلسي ومجموعة روديوم، فإن ما لا يقل عن 3 تريليونات دولار من التجارة والتدفقات المالية الدولية، أي ما يعادل تقريباً الناتج المحلي الإجمالي السنوي لفرنسا، معرضة لخطر التعطل.
وقال مسؤول العقوبات السابق في وزارة الخارجية الأميركية ومؤلف كتاب "نقاط الاختناق: القوة الأميركية في عصر الحرب الاقتصادية"، إدوارد فيشمان، إن "أحد الدروس المستفادة من العقوبات المفروضة على روسيا هو أنه بمجرد أن تبدأ في فرضها على اقتصاد كبير، فهناك تداعيات اقتصادية وسياسية".
دور سلاسل التوريد في العقوبات والالتفاف عليها
لقد تعلمت الصين، وهي دولة مصنعة كبرى، من تجربة روسيا حول المآلات المحتملة المترتبة على الارتباط بسلاسل التوريد العالمية. ولسنوات، حاولت روسيا وفشلت في الغالب في جعل اقتصادها مكتفياً ذاتياً، لكن بالنسبة للصين الأمر مختلف، بل يمكنها أن تتسبب في أزمة لسلاسل التوريد العالمية. وعندما ضربت العقوبات روسيا، وجدت موسكو نفسها تعتمد بشكل كبير على الأجزاء الغربية التي لم تتمكن فجأة من الحصول عليها. وقد أدى ذلك إلى نقص وإغلاق مؤقت لصناعات بأكملها، مثل صناعة السيارات. وعندما أعادت شركات صناعة السيارات الروسية تشغيل نفسها لاحقاً، صنعت في البداية سيارات بدون وسائد هوائية وميزات أمان أخرى، لأنها لم تكن لديها الأجزاء التي تحتاجها.
ومع ذلك، فإن الطريقة التي وجدت بها روسيا طرقاً للالتفاف على مثل هذه القيود تقدم درساً آخر لبكين، على الرغم من أن الاقتصاد الصيني الأكبر حجماً يتطلب جهداً أكبر بكثير للتهرب. على سبيل المثال، لتجاوز سقف أسعار النفط، تستخدم موسكو شبكة من الناقلات التي لا تملكها الدول الغربية أو مؤمنة من قبل شركات غربية. ويقول المحللون إن أكثر من نصف النفط المنقول بحراً في روسيا يجري نقله الآن بواسطة ما يسمى بأسطول الظل، وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يتسابقون لاستهداف السفن بالعقوبات.
وفي الوقت نفسه، وجدت روسيا طريقاً عبر الجمهوريات السوفييتية السابقة للحصول على السلع الغربية المحظورة، بدءاً من السيارات الفاخرة، ووصولاً إلى السلع ذات الاستخدام المزدوج ذات التطبيقات العسكرية، مثل الرقائق الإلكترونية الدقيقة، فيما أصبح يعرف باسم "الدوار الأوراسي".