الصناديق الخاصة وأموال المودعين

01 يونيو 2017
أموال المودعين تتخطى تريليوني جنيه (Getty)
+ الخط -
هل ستمتد يد الحكومة المصرية لأموال المودعين في البنوك بحيث يتم استقطاع جزء منها لصالح الخزانة العامة، أو قد يصل الأمر بالحكومة إلى حد فرض ضرائب على الإيداعات المصرفية بالبنوك، أو على الأقل تقتطع جزءاً من أسعار الفائدة الممنوحة لأصحاب المدخرات لصالح الدولة؟

الاجابة القاطعة لا، فالحكومة لن تستقطع جزءاً من أموال المودعين بالبنوك، ولن تقترب من هذه الودائع التي يوفر لها البنك المركزي الحماية والرعاية الكاملة، وما تردد في هذا الشأن أخيراً، هو، إما نوع من عدم الفهم للقرار الحكومي الأخير المتعلق بخصم نسبة من ودائع الصناديق والحسابات الخاصة في البنوك والبالغ عددها 7306 حسابات رصيدها 107 مليارات جنيه (6 مليارات دولار تقريباً)، أو أن ما تردد يأتي في إطار المناكفة السياسية داخل المجتمع، أو هو نوع من خلط الأوراق من قبل بعضهم حتى ولو أدى ذلك لإثارة القلق بين المودعين والمتعاملين مع البنوك.

لا استبعد من جهتي مواصلة السلطة القائمة على ارتكاب جرائم القتل والتصفية الجسدية للشباب واعتقال المعارضين السياسيين ومصادرة الحريات وخنق مؤسسات المجتمع المدني والتحفظ على الأموال، فكل ذلك حدث أمام أعيننا طوال السنوات الأربع الماضية وبات واقعاً ومسلسلاً مستمراً لا يستطيع أحد إنكاره.

لكن في المقابل لن تستطع هذه السلطة الاقتراب من القطاع المصرفي، الرئة التي تزوده بمليارات الجنيهات أسبوعياً، ولن تستطيع كذلك الإقدام على خطوة تقضي بفرض ضرائب على أموال المودعين التي تزيد عن تريليوني جنيه، أو استقطاع حصة من أسعار الفائدة الممنوحة على الودائع حتى وإن كان راغباً في ذلك خاصة مع تفاقم مشكلة عجز الموازنة العامة التي قد تقترب قيمتها من 500 مليار جنيه في العام المالي الجديد 2017- 2018، وزيادة الدين العام سواء المحلي أو الخارجي.

وهناك عشرات الأسباب التي تمنع الحكومة أو السلطة القائمة في البلاد حتى من مجرد التفكير في خطوة تقضي بمد يدها على أموال المودعين، وهذه الأسباب لا تتعلق مطلقاً بأمور أخلاقية وسياسية بحتة، ولكن لأسباب اقتصادية منها مثلاً، أن خطوة كتلك قد تثير الذعر في القطاع المصرفي وبين المودعين، علماً بأن هذا القطاع هو المصدر الأول حالياً لتغطية عجز الموازنة العامة للدولة ومنح الحكومة السيولة النقدية الكافية لتغطية نفقاتها وسداد التزاماتها، كما أن
أموال البنوك تسدد رواتب العاملين في الجهاز الإداري بالدولة والبالغة نحو 18 مليار جنيه شهرياً.

وبالطبع فإنه في حال حدوث مثل هذه الاستقطاعات من الودائع، كما جرى للصناديق والحسابات الخاصة، فإن بعض المودعين قد يندفعون نحو سحب أموالهم من البنوك، وقد يفضل بعض المودعين وضع مدخراتهم "تحت البلاطة" وفي البيوت، وبالتالي يتم حرمان المجتمع منها، وربما يفضل آخرون تحويلها لبنوك خارجية لا تفرض مثل هذه الإجراءات، وهذا كله يشكل خطراً ليس فقط على النظام المصرفي ولكن على الاقتصاد والدولة بشكل عام.

ومن بين الأسباب الاقتصادية كذلك، أن البنك المركزي المصري ضامن لأموال المودعين كاملة، وبالتالي فهو يتحمل مسؤوليته الأدبية والقانونية الكاملة لحمايتها والحيلولة دون اعتداء أي طرف عليها، كما يتحمل أي مغامرة قد تقدم عليها الحكومة، وللأمانة يجب الإشارة هنا إلى تجربة البنك المركزي المصري المتميزة في حماية أموال المودعين، فرغم إفلاس نحو 10 بنوك مصرية خلال الثلاثين عاماً الماضية إلا أنه لا يوجد مودع واحد فقد ولو جزءاً يسيراً من أمواله، أو حتى خسر أسعار الفائدة الممنوحة عليها.

خذ على سبيل المثال بنوك: مصر اكستريور والنيل والدقهلية التجاري والأهرام والمصري المتحد والاعتماد والتجارة الدولي "مصر" والمصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية وغيرها، فهذه بنوك أفلست كلها على مدى السنوات الماضية وأغلقت أبوابها وكلفت البنك المركزي مليارات الجنيهات لتغطية الديون المتعثرة بها، ومع ذلك تمت المحافظة على أموال المودعين ولم يتم المساس بها.

مشروع القانون الذي أقرته الحكومة قبل أيام ويقضي بتحصيل نسبة من الأرصدة البنكية للصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص وتحويلها إلى الخزانة العامة للدولة لا علاقة له مطلقاً بأموال المودعين سواء كانوا أفراداً أو شركات وشخصيات طبيعية، فهذه محفوظة حسب الدستور.

مشكلة الحكومة تتمثل في أن قطاعاً كبيراً من المصريين بات لا يثق بقراراتها الاقتصادية والمالية خاصة مع الفشل المتلاحق لها، وبالتالي فإن هناك ريبة وشكاً حول تلك القرارات حتى وإن كان بعضها صحيحاً ويراعي المصلحة العامة للدولة.

المساهمون