مع دخول العلاقات الروسية الغربية أسوأ مراحلها على خلفية الحرب في أوكرانيا، تتزايد مخاوف قطاع الأعمال من أن تصبح روسيا وجهة غير آمنة للاستثمارات، وسط تهديدات متكررة بتأميم أصول الشركات الأجنبية المنسحبة والضغوط على كبار رجال الأعمال غير المؤيدين لغزو البلد المجاور.
ورصد "العربي الجديد" خلال جولة بأحد المراكز التجارية الكبرى في وسط موسكو أن العديد من العلامات التجارية العالمية أغلقت متاجرها أمام الرواد، ولكن مع الإبقاء على لافتاتها ومن دون تسليم المساحات التجارية لمستأجرين جدد.
ومنذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، أعلنت عدة شركات عالمية عن تعليق أعمالها في السوق الروسية، ومن بينها شركات "إكيا" و"ماكدونالدز" و"كوكا كولا" و"إتش آند إم" و"بوس" و"تومي هيلفيغر" و"مرسيدس" و"بي إم دبليو" وغيرها.
لكن مع اقتراب الحرب في أوكرانيا من نهاية شهرها الثالث بلا أفق لوقف أعمال القتال، بدأت بعضها بحسم أمرها لصالح الانسحاب النهائي من السوق الروسية، وفي مقدمتها شبكة "ماكدونالدز" للمأكولات السريعة، التي أعلنت يوم الاثنين عن بيع أصولها في روسيا مع مواصلة العمل في البلاد تحت علامة جديدة. واعتبرت "ماكدونالدز" أن الاستمرار في روسيا غير مجد ويتعارض مع قيم الشركة.
وتعتزم "ماكدونالدز" بيع المطاعم لمشتر محلي، ما سيؤدي إلى "التخلي عن استخدام الاسم والشعار والعلامات وقائمة ماكدونالدز".
أما أصول شركة "رينو" الفرنسية المصنعة للسيارات، فانتقلت إلى ملكية الدولة الروسية في إطار صفقة بقيمة رمزية "مقابل روبل واحد" مع الحفاظ على الحق لـ"رينو" في إعادة شراء حصتها في شركة "أفتوفاز" الروسية لمدة ست سنوات.
وفي بداية مايو/ أيار الجاري، أعلن رجل الأعمال الروسي أوليغ تينكوف، المعارض للحرب في أوكرانيا، عن اضطراره لبيع حصته في مصرف "تينكوف" مقابل 3 في المائة فقط من قيمتها الحقيقية لرجل الأعمال فلاديمير بوتانين، الذي سبق له بدوره أن اشترى أيضاً "روس بنك" من مجموعة "سوسيتيه جنرال" الفرنسية المنسحبة من السوق الروسية أيضا.
ومع ذلك، أجمع خبيران اقتصاديان مستقلان روسيان تحدثت إليهما "العربي الجديد" على حق روسيا في تجميد أصول الشركات الأجنبية تطبيقا لمبدأ المعاملة بالمثل من جانب، ولكن مع مراعاة أن هذه الشركات باتت هي نفسها رهينة للوضع الحالي من جانب آخر.
وتعليقاً على هذا الوضع، يقول الخبير الاقتصادي ألكسندر زوتين، الذي عمل سابقا نائباً لرئيس قسم التحليل في وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، لـ"العربي الجديد": "في ما يتعلق بمصادرة أملاك الشركات الغربية، يتعين على روسيا التعامل بالمثل من جانب، ولكن مع مراعاة أن الشركات صاحبة الاستثمارات المباشرة في روسيا، أو بعضها على الأقل، أصبحت هي نفسها رهينة للوضع. ومع ذلك، فإن الحوادث من قبيل الاستيلاء الفعلي على الشركات الروسية في الغرب مثل (غازبروم جيرمانيا) يجب ألا تمر مرور الكرام".
وكانت وزارة الاقتصاد الألمانية قد أعلنت في مطلع إبريل/ نيسان الماضي، عن وضع شركة "غازبروم جيرمانيا" تحت وصاية الوكالة الاتحادية للشبكات.
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي ليونيد خازانوف، لـ"العربي الجديد": "إذا كانت تتم مصادرة أصول رجال الأعمال الروس، فلماذا لا يمكننا معاملة رجال الأعمال الأوروبيين والأميركيين بالمثل؟".
ويقول "على سبيل المثال، تملك شركة (أكرونيك) الأميركية مصنع سامارا للميتالورجيا الذي ينتح مكونات الألمونيوم لمختلف القطاعات الصناعية، بما فيها صناعة الطائرات. هذا من باب العبث أن تدار شركة هامة بالنسبة إلى روسيا من الولايات المتحدة التي تنتهج سياسات غير ودية تجاه بلادنا".
من جانب آخر، اعتبر نائب رئيس مركز الدراسات السياسية في موسكو أليكسي ماكاركين أن إجراءات المعاملة بالمثل غير مناسبة في الوضع الراهن، قائلاً في حديث لصحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" الروسية: "إذا تحدثنا عن الأصول الروسية في الغرب، فهي بشكل أساسي أموال تم جنيها في روسيا وإيداعها في الغرب للحد من المخاطر. وتبين أن الوضع مغاير تماماًً، ولكن من كان يتصور ذلك؟".
وحول اختلاف الأصول الغربية في روسيا عن تلك الروسية في الغرب، أضاف ماكاركين: "لم يبحث المستثمرون الأجانب في روسيا عن ملاذ هرباً من المخاطر في دولهم، بل طوروا الأسواق والمجالات الواعدة من الاقتصاد الروسي، دون نسيان، بالطبع، تحقيق أرباح لأنفسهم".
وكان رئيس مجلس الدوما (النواب) الروسي فياتشيسلاف فولودين قد دعا في مطلع مايو/ أيار الجاري، إلى معاملة الدول التي تصادر الأصول الروسية بالمثل، واستثمار عوائد بيعها لتنمية البلاد، وهو ما زاد من تساؤلات قطاع الأعمال حول واقعية ترجمة التصريحات السياسية شديدة اللهجة إلى عمليات تأميم ومصادرة واسعة النطاق على أرض الواقع.