قالت مصادر مصرية مطلعة، إن "عدداً من رجال الأعمال والبرلمانيين البارزين تلقوا تعليمات من دائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي يديرها رئيس المخابرات العامة، اللواء عباس كامل، بشأن إعلان سداد رسوم التصالح في مخالفات البناء عن الآلاف من الأسر، على غرار تبرعاتهم الإلزامية لصندوق (تحيا مصر) الخاضع لإشراف رئيس الجمهورية، بهدف التخفيف من حدة الاحتقان في الشارع".
وأضافت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "الغرض من هذه التحركات، التي وصفها عدد منهم بأنها "ابتزاز"، هو محاولة احتواء غضب المواطنين، الذين خرجوا في مظاهرات تطالب برحيل السيسي بعدد من المحافظات والمناطق الريفية مؤخراً، وتهدئة الرأي العام جراء المبالغة في رسوم التصالح من جانب أجهزة الدولة، والتي مثلت سبباً رئيسياً في تصاعد الاحتجاجات الشعبية، إلى جانب استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، والتعليمية في البلاد".
وتابعت أن "دائرة السيسي تسعى لاحتواء حركة الجماهير من خلال قرار الحكومة استئناف أعمال البناء والتشطيب لمن سبق لهم الحصول على رخصة بناء، لحين إصدار اشتراطات البناء الجديدة، وإعلان الجيش ووزارة الإسكان شراء إنتاج مركز أطفيح في الجيزة من الطوب، باعتبار أن انتفاضة المواطنين بدأت من قرى المركز، نتيجة فقد الأهالي لمصدر دخلهم الرئيسي منذ قرار وقف تراخيص البناء في مايو/ أيار الماضي".
وأفادت المصادر بأن "تخفيض الحكومة قيم التصالح في مخالفات البناء في كافة المحافظات، لم يلق قبولاً لدى قطاع عريض من المواطنين، كونهم يعانون في الأصل من أوضاع معيشية صعبة، ما دفع دائرة السيسي إلى الضغط على رجال الأعمال من أجل سداد الرسوم عن الأسر الفقيرة، ومحدودة الدخل، مقابل الحصول على امتيازات حكومية تخص مشروعاتهم، من أجل إنهاء غضب واحتجاج المواطنين في العديد من المناطق المعدمة كقرى جنوب الجيزة".
في هذا السياق، أعلنت "مجموعة طلعت مصطفى القابضة للتطوير العقاري"، والمملوكة لرجل الأعمال البارز هشام طلعت مصطفى، عن تبرعها بسداد قيمة التصالح في مخالفات البناء لعدد خمسة آلاف أسرة، بدعوى "الانطلاق من دورها المجتمعي، والتنموي، والخيري، وإيماناً منها بالمسؤولية المجتمعية والوطنية لرجال الأعمال (المحبين للوطن)، في سبيل رفع جزء من الأعباء الاقتصادية عن كاهل المواطنين".
وقالت المجموعة في بيان، الثلاثاء، إن "هذه المبادرة تأتي في إطار من المشاركة المجتمعية، والروح الوطنية، من أجل تعزيز الحماية الاجتماعية، والتخفيف من وطأة تنفيذ إجراءات التصالح في مخالفات البناء عن كاهل محدودي الدخل في مختلف محافظات الجمهورية".
وسبق طلعت مصطفى إعلان حزب "مستقبل وطن" المدعوم من نظام السيسي، تحمله قيم رسوم التصالح في مخالفات البناء لعدد 27 ألف حالة على مستوى الجمهورية، بما يعادل ألف مخالفة لكل محافظة، وادعاء الحزب أن "القرار جاء انطلاقاً من مسؤوليته الوطنية تجاه المصريين من محدودي الدخل".
ودعا الحزب كافة المؤسسات الاقتصادية، و"رجال الأعمال الوطنيين"، إلى "تفعيل دورهم المجتمعي في هذا الشأن"، و"تحمل مسؤوليتهم الوطنية نحو دعم المواطن المصري". وهو ما جدد التساؤلات المشروعة حول مصدر تمويل الحزب، لا سيما أن تكلفة رسوم التصالح التي سيتحملها قد تتجاوز 270 مليون جنيه، باعتبار أن متوسط قيمة التصالح في المخالفة الواحدة يبلغ 10 آلاف جنيه.
وتأتي تبرعات "مستقبل وطن"، وهي في الأساس ممولة من رجال أعمال وبرلمانيين منتمين للحزب، رغم أنه صاحب قرار تمرير قانون التصالح في بعض مخالفات البناء، بوصفه يمتلك الأغلبية المطلقة داخل مجلس النواب، وهو القانون الذي تسبب في حالة غير مسبوقة من الاحتقان الشعبي، لفرضه رسوما ضخمة على المواطنين البسطاء مقابل "التصالح" مع أجهزة الدولة، بحجة أن "منازلهم مخالفة لقانون البناء".
وكانت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، وهي منظمة مجتمع مدني مصرية، قد وثقت 382 حالة اعتقال على خلفية الموجة الثانية من تظاهرات 20 سبتمبر/ أيلول الجاري، مقسمين إلى 249 حالة وثقتها المفوضية بشكل مباشر، منهم 205 حالات عبر تلقي بلاغات القبض، و44 حالة تم حضور التحقيقات معهم، وتقديم الدعم القانوني لهم، و133 حالة من خلال الاعتماد على تقارير المنظمات الحقوقية الأخرى، والتي وثقت حالات الاعتقال بدورها.