أمتار قليلة من باب البرلمان الجزائري وقبالة المسرح المركزي، وبالضبط في ساحة "بور سعيد" أو "السكوار"، كما يلقبها الجزائريون، يقف الشاب "مورسي" على قارعة الطريق حاملاً أوراقاً نقدية ويقطع طريق السيارات مردداً: "يورو، دولار، بوندا (جنيه إسترليني)"، فهو ينشط في السوق الموازية للعملة الصعبة منذ سنة 2016، بعدما ظل يعاني من شبح البطالة من دون عمل منذ سنة 2011، سنة تخرجه من جامعة الحقوق بشهادة الكفاءة المهنية في المحاماة.
ويضيف لـ"العربي الجديد": "طوال سنوات وأنا أبحث عن عمل أستقر فيه ولم أجد، إلى أن اقترح عليّ جاري أن أساعده في بيع وشراء العملة الصعبة في السكوار، فقبلت، ثم شيئاً فشيئاً ادخرت مبلغاً معتبراً وصرت أشتغل لحسابي الخاص، وأصبح لدي زبائن من مستوردين وموظفين في الدولة".
و"مورسي" الذي طوى ربيعه الثاني والثلاثين هذا العام ليس حالة معزولة، بل واحد من بين عشرات آلاف الشباب الجزائريين العاطلين من العمل والذين دفعهم ضعف التوظيف إلى التوجّه نحو السوق الموازية للعمل وتأمين قوتهم وحتى مستقبلهم، في بلدٍ يشكل الشباب أكثر من 65% من تركيبته السكانية.
شاب آخر يُدعى محمود شرفاوي وجد في "تجارة الشنطة" ملاذاً من البطالة التي عانى منها قرابة 4 سنوات، حيث تحوّل من شاب تقاذفته جدران حيّه سنوات إلى شاب "طائر" يزور تركيا أسبوعياً لشراء الملابس وإعادة بيعها عبر "فيسبوك" وعلى طاولة ما يُعرف في الجزائر بـ"سوق الدلالة"، وهي أسواق مسائية غير رسمية.
ويروي محمود تجربته مع السوق الموازية قائلا لـ"العربي الجديد": "سنة 2017، تخرجت من المعهد الجزائري للفلاحة، وبعد تخرجي، توجهت كباقي الشباب لأسجل نفسي في مكتب الشغل على أمل أن أجد عملاً أبدأ به حياتي المهنية، إلا أنني صُدمت بالواقع المُر، فلا عروض عمل وتلك المتوافرة تُمنح بطرق ملتوية بـ"المعريفة" (المحسوبية والواسطة)".
وأضاف"بقيت اشتغل 3 سنوات في أعمال حرة وأخرى مؤقتة، دهّاناً، وأحياناً نادلاً في المطاعم، قبل أن يقترح علي ابن عمّي أن أرافقه إلى تركيا لأساعده في جلب الملابس وإعادة بيعها هنا".
وتشير التقديرات المتداولة إلى أن حجم السوق الموازية في الجزائر يُقدّر، بحسب الخبراء، بحوالي 40 مليار دولار، وهو الرقم الذي ترفض الحكومة الاعتراف به، إذ تحصر حجمها بأقل من 27 مليار دولار في أحسن الأحوال.
في هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي والموظف السابق في وزارة العمل الجزائرية رضوان عجايلية أن "السياسة التشغيلية في الجزائر هي التي دفعت بالشباب نحو العمل في السوق الموازية، فحسب دراسة أعدتها وزارة العمل قبل 10 سنوات، ينجح 3 طلاب من أصل 10 متخرجين جامعيين في إيجاد عمل، ما يعني أن الخلل يكمن في غياب الانسجام بين ما تقدمه الجامعة الجزائرية من اختصاصات عموماً وطبيعة مراكز التكوين المهني وما تحتاج إليه سوق العمل فعلاً".
وهو يرى في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "إقبال الشباب على السوق الموازية سينتعش أكثر في الأشهر القادمة، على ضوء انكماش الاقتصاد وتراجع نسبة نموّه".