يشهد اليمن المثخن بالأزمات، أكبر وأطول أزمة وقود منذ يونيو/حزيران 2020. وتسيطر السوق السوداء على القطاع في معظم المناطق اليمنية، خصوصاً العاصمة صنعاء، مع وصول سعر الصفيحة الواحدة من البنزين سعة 20 لتراً إلى نحو 18 ألف ريال.
ويشكو مواطنون في العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً عدن من تبعات أزمة الوقود الخامسة منذ منتصف العام الماضي. وترافق الشح مع أزمات في المياه ومضاعفة أسعار السلع والمواد الغذائية وانخفاض المعروض من المنتجات الزراعية وتقليص ساعات الكهرباء.
يقول المواطن عبد الرزاق عشال، والذي يعمل سائق تاكسي أجرة في مدينة عدن لـ"العربي الجديد"، إنه اضطر إلى التوقف عن العمل بسبب عدم قدرته على الحصول على بنزين لتعبئة سيارته التي تمثل مصدر دخله الوحيد، بعد إغلاق مفاجئ لمحطات المحروقات.
بينما يؤكد قائد الوسني، مالك مشغل خياطة في عدن، استمرار خسائرهم ومعاناتهم كقطاعات أعمال مهنية نتيجة أزمات الوقود، الأمر الذي دفعه إلى تقليص الأجر اليومي لعماله في المشغل الذين يزيد عددهم على خمسة، من 2500 إلى 2000 ريال.
الوسني اضطر قبل ثلاثة أعوام إلى ترك صنعاء بسبب أزمات الوقود والتوجه إلى عدن، إذ تعتمد المشاغل والأعمال المهنية والحرفية على المولدات الكهربائية العاملة على البنزين. وتتركز أزمة الوقود التي تضرب مدينة عدن ومختلف محافظات جنوب اليمن في قطاع الكهرباء، وسط تحذيرات من خروج وشيك لمحطات التغذية في عدن عن العمل، وهي التي تمد بعض المحافظات المجاورة مثل لحج وأبين بالكهرباء، بسبب نفاد وقود الديزل. فيما تسعى محافظة شبوة لاستيراد احتياجاتها من الوقود وتحقيق اكتفاء ذاتي من المشتقات النفطية، بعد تدشين العمل بميناء "قناء" في المحافظة.
ونفذ البنك المركزي اليمني في محافظة عدن، عملية مصارفة لاستيراد المشتقات النفطية لشركة النفط اليمنية وبسعر صرف تفضيلي، في ظل تأكيدات المسؤولين في البنك استمراره في تغطية احتياجات الاستيراد للمشتقات النفطية.
وحسب مسؤول مصرفي في البنك، فإن الآلية المعتمدة تستهدف تنظيم الطلب على العملات الأجنبية في سوق النقد والحد من عشوائية الاستيراد واستغلالها للمضاربة بأسعار الصرف. كما أن هذه الآلية توجّه موارد النقد الأجنبي المتاحة لتغطية الاحتياجات ذات الأولوية للبلاد عبر استراتيجية منظمة وملائمة، وبما يضمن الاستقرار العام للأسعار.
ونبهت وزارة الصناعة والتجارة في عدن من جهتها، في تعميم للقطاع التجاري، إلى عدم رفع أسعار الدقيق التي تشهد ارتفاعاً متصاعداً نتيجة أزمة الوقود. واعتبرت الوزارة هذه الزيادات غير مبررة بموجب القوانين التجارية السائدة والاتفاقيات الملزمة للمستوردين والمنتجين بعدم تحريك الأسعار إلا بعد الرجوع إلى الوزارة.
لذا، وفق تعميم وزارة الصناعة والتجارة، يجب إعادة الأسعار إلى ما كانت عليه قبل الرفع السابق الذي حدث منذ نحو عشرة أيام، حيث زاد كيس الدقيق زنة 50 كيلوغراماً من نحو 15 ألف ريال إلى أكثر من 20 ألف ريال.
ولم يواجه اليمنيون في معظم المناطق والمحافظات الخاضعة لسلطات متعددة، أزمة تسببت في استنزافهم ونهب مداخيلهم وجيوبهم وفي مضاعفة معاناتهم مثل أزمة الوقود التي وصلت أسعارها إلى مستويات قياسية لأول مرة منذ بداية الحرب، وذلك بعد قرار تعويم المشتقات النفطية الذي اتخذه الحوثيون عقب استيلائهم على العاصمة اليمنية في مايو/أيار 2015.
ويفيد تاجر المواد الغذائية في صنعاء محمد الصالحي، بأن أزمة الوقود طال أمدها وتوسعت فاتورة تكاليفها وخسائرها عليهم كتجار مستوردين. حيث زادت تكاليف ما يدفعونه لنقل سلعهم من منافذ الاستيراد وعمليات التوزيع بنسبة 300 في المائة منذ منتصف العام الماضي.
ويقول لـ"العربي الجديد"، إن سبب زيادة الكلفة اعتماد شاحنات النقل التي يتعاملون معها على السوق السوداء لتوفير الوقود، بحيث يرتفع سعر الصفيحة ثلاثة أضعاف عن سعر البنزين الرسمي والذي لا يزيد على 6 آلاف ريال.
وتشهد صنعاء ومناطق نفوذ الحوثيين هيمنة مطلقة للسوق السوداء منذ نحو أسبوعين، مع تقلص فترات التوزيع والتعبئة للمحطات العاملة بالسعر الرسمي المحدد من قبل شركة النفط من خمسة إلى سبعة أيام، فيما تراجعت حصة الحصول على البنزين من 60 لتراً إلى 30 لتراً للمركبة الواحدة.
وتنتشر السوق السوداء في صنعاء على شكل تجمعات متناثرة في الأسواق العامة وعلى أرصفة الشوارع لبيع البنزين الذي تتم تعبئته في مخلفات علب وزجاجات المياه بمختلف أحجامها وبيعه للسيارات والمركبات المارة بصورة تثير استغراب الجميع لتوفر الوقود في الأسواق المخالفة وغير المشروعة والتي تبيعه بأضعاف سعره الرسمي. بينما يكاد يكون الوقود منعدماً في محطات التعبئة التجارية التي توقف الكثير منها عن العمل.
ومن المرجح، وفق مصادر "العربي الجديد"، تصاعد أزمة الوقود في مناطق شمال اليمن الخاضعة لسيطرة الحوثيين، لتشمل قطاعات هامة مثل المياه والصرف الصحي والصحة والمنشآت الطبية، في ظل توجه منظمات دولية مثل اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية التوقف إلى تأمين المشتقات النفطية لهذه القطاعات والمنشآت بعد قرار الإدارة الأميركية السابقة تصنيف الحوثيين في قائمة الإرهاب. يأتي ذلك رغم إصدار وزارة الخزانة الأميركية أربعة تراخيص عامة إلحاقا بقرار التصنيف، تضمنت استثناء الأنشطة الرسمية لبعض المنظمات الدولية وعمل منظمات الإغاثة لدعم المشاريع الإنسانية لتلبية الاحتياجات الأساسية في اليمن.
إضافة إلى المعاملات المتعلقة بتصدير السلع والأدوية والأجهزة الطبية واستبدال الأجزاء والمكونات وتحديثات البرامج، وفتح نافذه للمساعدة في تسهيل التدفق المستمر للمساعدات الإنسانية... في حين تم الإبقاء على الأنشطة التجارية للقطاع الخاص تحت طائلة العقوبات، على الرغم من اعتماد اليمن على الاستيراد لتلبية احتياجاته من المواد الغذائية والأدوية والوقود.