السوق السوداء تترصد قمح التونسيين

29 مايو 2022
الحكومة تسعى إلى استلام كميات كبيرة من المزارعين (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

برزت في مناطق زراعة الحبوب التونسية ظواهر جديدة في التعامل مع المحاصيل لم يتعوّد عليها الفلاحون سابقا، حيث يتلقّى هؤلاء من التجار عروضا سخية لبيع إنتاجهم من الحبوب في السوق الموازية، وسط مخاوف من نشاط شبكات تهريب القمح وتداوله بشكل غير رسمي.
وسابقاً لم يعرض التجار على منتجي الحبوب شراء المحاصيل، حيث تنقل الحبوب المجمعة مباشرة من الحقول إلى مراكز التجميع التابعة لديوان الحبوب الحكومي أو مخازن الشركات التي تنشط في هذا القطاع بشكل رسمي.
غير أن أزمة الحبوب العالمية وارتفاع أسعارها، غيرت بشكل سريع طرق تداول القمح، بعد دخول التجار بشكل غير رسمي على الخط بغاية تجميع أكبر قدر ممكن من محصول الحبوب الذي قدّرته وزارة الزراعة بنحو 2 مليون طن.
وتعوّل السلطات هذا العام على جمع مليوني طن من الحبوب من أصل 3.4 ملايين طن تحتاجها تونس لتأمين قوت شعبها.
بينما يؤكد المزارع فتحي الطرفاوي أن الكميات المجمعة لن تتجاوز 1.3 مليون طن في أحسن الحالات، موضحاً أن دخول التجار بشكل غير رسمي في تداول القمح سيؤدي إلى نقص كبير في التخزين لدى مراكز التجميع الرسمية، ويخلق نقصا في التموين خلال الأشهر التي تلي مباشرة موسم الحصاد.

وأفاد الطرفاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأنه لم يشهد منذ بداية ممارسة مهنة الزراعة قبل 40 عاما تغيرا في طرق تداول القمح على غرار هذا العام، مشيرا إلى أن تجار الحبوب أو ما يعرف محليا بـ"القشارة" يعرضون على المزارعين سعرا يقدّر بـ150 دينارا للقنطار، مقابل 130 دينارا للسعر الحكومي.
وأضاف المتحدث أن الفرق الشاسع بين السعرين يغرى المنتجين الذين يعانون من ثقل الديون وارتفاع كلفة الإنتاج وضعف المردودية، مرجّحا أن تكون غاية التجار من شراء الحبوب خارج المسالك الرسمية تهريبه نحو أقطار مجاورة.
وقال: "التجار يعرضون على المزارعين مبالغ مغرية والدفع المسبق مقابل وعود ببيع المحاصيل لفائدتهم"، لافتا إلى أن تونس لم تعرف سابقا مثل هذه الظاهرة، حيث تعوّد الفلاحون على بيع محاصيلهم لديوان الحبوب الحكومي أو مركزيات التجميع التي تنشط بتراخيص رسمية.
واعتبر الطرفاوي أن تداول الحبوب خارج المسالك المهيكلة ودخول تجار السوق السوداء على الخط سيفاقم الأزمة المحلية ويتسبب في نقص الكميات المجمعة.
وشدد على ضرورة متابعة محصول القمح هذا العام بدءاً من مرحلة الحصاد حتى التوريد للصوامع ومنع نقل المحصول خارج المحافظات بدون تصاريح، لا سيما وأن التجار قد شرعوا في توفير المخازن والضيعات لتأمين المحاصيل التي اشتروها مسبقا من المنتجين.
وبيّن أن الأزمات تنعش عادة السوق السوداء وتحفّز المضاربة والاحتكار، غير أن اقتحام التجار لسوق الحبوب أمر مستحدث، مؤكدا أن تخضير الحقول يقتصر حسب الأعراف الفلاحية على الغراسات (الشتلات) والزياتين فقط ولا يشمل الحبوب.
والتخضير، أو الخضارة في العرف الزراعي التونسي، هو بيع الثمار وهي مازالت لم تُجن أو تُقطف، أي على رؤوس الشجر.
وفي بداية إبريل/نسيان الماضي، أعلنت حكومة تونس زيادة أسعار الحبوب المحلية لمحصول 2022 بنسبة 30 بالمائة، بهدف زيادة الإنتاج وتجميع كميات كبيرة من الحبوب لتقليص الموارد المخصصة للاستيراد، وتعزيز الأمن الغذائي للبلاد.
وتضررت تونس التي تعاني من أزمة مالية كبيرة بشدة من ارتفاع أسعار القمح العالمية جراء الحرب في أوكرانيا، حيث بلغت واردات الدولة من الحبوب العام الحالي نحو مليار دولار.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

يبلغ استهلاك تونس من الحبوب 3.4 ملايين طن، وفق بيانات رسمية لديوان الحبوب الحكومي، ويتم تعديل واردات الحبوب على ضوء معدلات الإنتاج سنويا.
ويقلل الخبير الاقتصادي أيمن الوسلاتي من تأثيرات إمكانية تهريب المحصول نحو أقطار مجاورة، غير أنه اعتبر أن دخول تجار السوق السوداء على خط تداول الحبوب يؤثر بشكل أو بآخر على الكميات المجمعة.
ويرجّح الوسلاتي أن يكون دخول التجار على الخط لشراء المحاصيل والمضاربة على الأسعار تم بدفع من مصانع المعجنات التي أصبحت تستورد الحبوب من السوق العالمية بكلفة عالية.
وقال الخبير الاقتصادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن شركات إنتاج المعجنات تؤمّن المادة الأولية باستيراد الحبوب من السوق العالمية بأسعار مرتفعة، وهو ما يزيد من كلفة الإنتاج ويحد من ربحيتها، لا سيما وأن المعجنات التونسية منتج مطلوب في سوق التصدير وينافس المنتج الإيطالي والتركي في السوق المتوسطية والأفريقية.
وتوقع أيمن الوسلاتي أن يدخل التجار في منافسة مع ديوان الحبوب الحكومي على شراء القمح في صورة رفع الدعم عن الخبز والمعجنات.
وتحد الخلافات السياسية التي تشق منظمة المزارعين من دورها في تأمين موسم الحصاد وتأهيل الفلاحين للحد من تفاقم ظواهر التهريب وتداول الحبوب خارج المسالك الرسمية، وذلك بعد محاولة انقلاب فاشلة قادها أعضاء من المكتب التنفيذي على القيادة لعزل رئيس اتحاد الفلاحين عبد المجيد الزار، المحسوب سياسيا على حركة النهضة.

المساهمون