بعدما أجبرت الحرب نصف سكان الخرطوم على النزوح داخلياً واللجوء إلى دول الجوار، بدأت موجة نزوح جديدة لما تبقى من مواطنين، بسبب انعدام الغذاء والصحة وتوقف الخدمات والأعمال واستمرار الحرب وتفشي ظاهرة السلب والنهب لمنازل المواطنين من قبل عصابات مسلحة متخصصة في سرقات بيوت المواطنين الذين أثروا البقاء في الخرطوم.
واختفت سلع أساسية وضرورية مع انعدام وسائل المواصلات والأسواق والمتاجر، وأصبحت الخرطوم مدينة أشباح غير صالحة للسكن.
ويعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والدواء وانعدام الكهرباء وعدم القدرة على التنقل بين الأحياء، ناهيك عن التواصل بين مدن العاصمة الثلاث.
في السياق، يشكو المواطن عبدالله الخضر لـ"العربي الجديد" من فرض رسوم على حركة المواطنين الذين ما زالوا في الخرطوم من قبل قوات الدعم السريع، للحصول على الخدمات الأساسية أو الذهاب إلى بعض الأسواق المحلية.
وذكر التاجر إسحاق محمدين لـ"العربي الجديد" أنه ظل يتعرض لمضايقات ودفع رسوم مغادرة وعودة للحصول على السلع الضرورية وعرضها للمواطنين في منطقته جنوب أم درمان، ما يفاقم غلاء الأسعار.
وتجد البضائع الداخلة إلى ولاية الخرطوم صعوبة بسبب عمليات التفتيش والرسوم التي تفرضها قوات الدعم السريع على التجار، خاصة تلك الواردة من ولايات النيل الأبيض والجزيرة ونهر النيل.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية كثيراً، حيث وصل جوال السكر زنة 50 كيلوغراماً إلى 55 ألف جنيه، والزيت 36 رطلاً إلى 40 ألف جنيه، مع اختفاء أصناف مثل العدس والأرز والدقيق والخضراوات عن الأسواق والمحال التجارية على قلتها بسبب تضييق المسلحين. (الدولار = 598.5 جنيهاً).
أعمال السلب والنهب وانتشار الفقر والبطالة وعدم الاطمئنان وزيادة وتيرة الصراع المسلح بين الجيش والدعم السريع مع عدم وجود رؤية واضحة للحل في ظل انقطاع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والإنترنت، كلها عوامل جعلت الخرطوم سجناً كبيراً يعيش فيه مواطنون بلا عمل ولا خدمات.
ويقول مواطنون وشهود عيان لـ"العربي الجديد"، بعد 6 أشهر من الحرب في الخرطوم وتداعياتها السلبية، إن الأوضاع الإنسانية تفاقمت في الآونة الأخيرة، ما جعل كثيرين يفكرون في النزوح القسري.
انعدام الدواء وانحدار خدمات المراكز الصحية
ويعاني المرضى من انعدام الدواء والمراكز الصحية، حيث تُفرض عليهم مبالغ مالية كبيرة للسماح لهم ب إلى بعض المستشفيات الواقعة شمال أم درمان التي تسيطر عليها قوات الجيش السوداني، في حين يجد آخرون صعوبة في التنقل بسبب توقف الحركة وانعدام السيارات التي تعرضت للنهب والسرقة من قبل المسلحين.
المواطن أحمد آدم بابكر يقول لـ"العربي الجديد": "أصبحت العاصمة غير صالحة للسكن رغم تمسكنا بمنازلنا منذ اندلاع الحرب، إلا أن كل الظروف الصحية والاقتصادية والاجتماعية أصبحت طاردة تماماً"، مضيفاً أن "كل مواطن يسكن الخرطوم أصبح يمتلك سلاحاً لحماية أسرته مع انتشار المخدرات والإدمان وانعدام الخدمات وزيادة البطالة والفقر".
من جهته، يرى عبدالله إسحاق، وهو مواطن نزح إلى ولاية النيل الأبيض، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الولايات لم تكن مستعدة لاستقبال الفارين من الحرب من ناحية الأعمال أو السكن، ولذلك هي الأخرى تأثرت بانعدام الخدمات الأساسية.
كما تأثرت الأحوال المعيشية بتزايد البطالة وارتفاع الأسعار والاكتظاظ السكاني والفقر، إلى أن أصبحت الولايات تعاني من العمالة الهامشية وانعدام السيولة وقلة الأعمال.
محمود بابكر، وهو موظف سابق، تحدث لـ"العربي الجديد" من ولاية الجزيرة قائلاً: "صحيح لم تستوعب ولاية الجزيرة عدداً كبيراً من نازحي الخرطوم نظراً لمحدودية السكن والأعمال، إلا أنها بدأت فتح مشاريع جديدة، منها مصانع وأسواق، وتوسيع الخدمات الأساسية، كالطرق والمياه، لتستوعب الأعداد المتصاعدة لقاطنيها".
بضائع مستوردة من دول الجوار بأسعار باهظة
وانتشرت في بعض الأسواق سلع مستوردة من دول الجوار، مثل إثيوبيا وجنوب السودان، لكنها تُباع بأسعار غالية بسبب ارتفاع تكلفة النقل والرسوم المفروضة من قبل المسلحين.
ويؤكد الاقتصادي محمد بشير لـ"العربي الجديد" أن الذي يحدث خلال هذه الحرب هو النظام المتبع والذي لا يراعي العدالة في توزيع الثروة، فلطالما تركزت في الخرطوم المصانع والشركات والمصالح والمطارات والمستشفيات والمدارس، ما جعل السودان مختصراً بالخرطوم التي عندما انهارت، فقد السودان كل موارده واقتصاده.