السودان: مشقة معيشية أقوى من وعود الإصلاح

22 سبتمبر 2021
السودانيون يعانون من استمرار الغلاء وتردي الخدمات (فرانس برس)
+ الخط -

علّق السودانيون آمالاً واسعة على الوعود الحكومية والعديد من الفعاليات والقرارات الدولية والاستقرار السياسي والأمني، لتحسين الظروف المعيشية المتفاقمة.

إلا أن هذه الآمال تبدو بعيدة في ظل ارتباك المشهد الداخلي والتخبط الحكومي في إنجاز إجراءات الإصلاح الاقتصادي بما ينعكس بشكل إيجابي على معيشة المواطنين، التي أضحت تتفاقم صعوباتها يوما تلو الآخر، في ظل موجات غلاء لا تتوقف ومضاربات واسعة تجعل من الدولار صاحب القرار الأوحد في حركة الأسواق، ما يزيد من معاناة الفقراء.

ورغم السياسات التي وضعتها الحكومة الانتقالية لتخفيف الأعباء، إلا أن خبراء اقتصاد يؤكدون أنها دون طموح الكثيرين، مشيرين إلى أن الحكومة انتظرت عصا سحرية من الخارج لحل الأزمات دون إيجاد حلول واقعية، حيث لا يلمس السودانيون آثاراً لقرارات رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب وإنهاء رفع العقوبات الدولية والأميركية، ومؤتمرات المانحين وخطوات الإعفاء من بعض الديون وتقديم قروض دولية.

وقال الخبير الاقتصادي عثمان أبو المجد، لـ"العربي الجديد" إن الحكومة الانتقالية سعت بكل إمكانياتها وقدراتها للوصول إلى حلول للأزمة الاقتصادية لكنها في الحقيقة فشلت، لأن خططها لم تلب طموحات المواطن أو الدولة.

وأكد أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الدولة أضحت خطيرة جدا، وانعكست على معاش المواطن سواء كان في الحصول على السلع أو المواصلات والصحة والتعليم، فإجراءات رفع الدعم أضرت بالكثيرين بينما لا توجد بدائل فعلية لإعانتهم على مواجهة الغلاء والصعوبات المعيشية.

  تظهر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، ارتفاع معدل التضخم خلال يوليو/ تموز الماضي إلى 422.7%، مقارنة بـ412.7% في يونيو/ حزيران

واستبعد أبو المجد إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية في القريب العاجل، ما لم تعِد الحكومة خططها وبرامجها وتعتمد على نفسها خاصة في الإنتاج والاستثمارات الخارجية لتستطيع الحصول على تحريك الاقتصاد السوداني سواء كان في الاقتصاد الصناعي أو الزراعي أو الثروة الحيوانية.

وأضاف أن "هناك انفلاتاً أمنياً والوفاق السياسي غير متوفر، إلى جانب عدم الاستقرار داخل الحكومة والتخوين لدى الأحزاب السياسية، كما أن هناك بعض المشاكسات التي تحدث بإقصاء بعض الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني من المشاركة والمساهمة في إيجاد الحلول في هذه الأزمة".

وتابع أبو المجد، أن الأزمة الاقتصادية تجذرت في أعماق الاقتصاد السوداني، لكن من الضروري أن يكون هناك وفاق وطني شامل لا يستثني أحداً وتوفير الأمن والاستقرار، لأن المستثمر لا يمكن أن يقدم إلى بلاد لا تتوفر فيها أبسط مقومات الاستقرار الأمني، مشيرا إلى أن الطريق لإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية سيظل طويلا ما لم يكن هناك تغيير مباشر في ديناميكية المساهمة من الشعب السوداني كله لحل الأزمة.

وأقرت الحكومة الانتقالية العديد من الإجراءات التي وصفتها بالإصلاحية، منها تحرير سعر صرف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية في فبراير/ شباط الماضي في محاولة للحد من المضاربات في الدولار وارتفاع أسعار السلع لاعتماد البلد بشكل كبير على الاستيراد.

كما أجازت عدداً من القوانين من بينها قانون تشجيع الاستثمار، وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وإلغاء قانون مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي في محاولة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية وإنهاء العزلة الدولية.

لكن المحلل الاقتصادي السوداني محمد النور قال لـ"العربي الجديد"، إن العملة السودانية لا تزال تعاني من التدهور أمام العملات الأجنبية، مشيرا إلى ضرورة تبني الحكومة الانتقالية سياسات نقدية ومالية واقتصادية إبداعية تقدم حلولاً مبتكرة غير تقليدية وذات عائد سريع يُحسن من مستوى معيشة الناس.

الجنيه السوداني انهار أمام كل العملات الأجنبية بعشرات المرات حتى وصل إلى 500 جنيه مقابل الدولار الواحد، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ الدولة

ونفى النور أن يكون هناك حرج من مراجعة المذهب الاقتصادي الراهن القائم على أسس تبني سياسة التحرير الاقتصادي، موضحا أنه يمكن أن تكون هناك موازنة في تنفيذ اشتراطات صندوق النقد والبنك الدوليين، التي تستهدف الإصلاح الاقتصادي، ولكن بما يراعي مصلحة الناس، لأن هناك اختلافا في البيئات الاقتصادية، فعلى سبيل المثال نجد بعض الدول قد استفادت من قروض صندوق النقد من أجل إصلاح الاقتصاد الكلي وتحسين المعيشة مع أنها طبقت الحد الأدنى من شروط الصندوق التي تتماشى مع الظروف الاقتصادية الداخلية.

وأضاف: "ينبغي ألا تكون سياسة تعويم الجنيه والتحرير الاقتصادي وسياسة رفع الدعم لفائدة شرائح صغيرة وغنية من المجتمع التي تستطيع زيادة ثرواتها في ظل هذه السياسات التحريرية، كما أن الوضع الأمثل أن تكون هذه السياسات لصالح الشعب".

وأشار إلى استمرار ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازي مقارنة بالسوق الرسمي، رغم سياسة توحيد سعر الصرف، لافتا إلى أن البنك المركزي ينقصه الاحتياطي النقدي الكافي من العملة الأجنبية مثل الدولار لمواجهة الطلب المتزايد على النقد الأجنبي.

في المقابل، قال القيادي في حزب المؤتمر الوطني نور الدين أمبدي، إن "تأثير الأزمة الاقتصادية سيلقي بظلال سلبية على المواطن والوطن وليس على النظام الحاكم"، مضيفا أن "الحكومة الانتقالية تفتقد الخبرة وجاءت بأكبر كذبة في التاريخ وهي إحياء جسد الوطن الميت، حيث وعدت المواطن بالرفاهية ومجانية كل شيء".

وأضاف أمبدي أن "عمليات الانتقام التي تمارس ضد الحكومة السابقة لن تحل مشكلة الاقتصاد لذلك توقفت عجلة الإنتاج البطيئة بالأساس، بسبب تعنت الحكومة الحالية في اتخاذ إجراءات اقتصادية كأوامر من دول خارجية لا تهمها معاناة المواطن ولا تأخر الوطن ولا التناحر الذي يجري الآن بسبب الوضع الاقتصادي والإقصاء المتعمد لمكونات الشعب وسياسة فرّق تسد التي عمت البلاد أخيرا مع الاعتماد على شماعة وجود دولة عميقة تعيق دولاب العمل كمبرر لهذا الفشل".

 التضخم لم يكن يتجاوز 33% في ديسمبر/كانون الأول 2019، لكنه يسجل منذ ذلك الحين قفزات متتالية وغير مسبوقة

وتابع: "من الطبيعي في ظل هذا الوضع القاتم أن ينهار الاقتصاد إلى الدرك الأسفل وأن تعم الفوضى والانفلات الأمني ويختفي القانون والعدالة من ساحة الوطن ليأكل القوي الضعيف".

ولفت إلى توقف الإنتاج تماما في كل مناحي الدولة و"الاعتماد على الهبات التي أنكرها رئيس الحكومة (عبدالله حمدوك) في البداية ثم عاد إليها ليعتمدها مصدراً لتسيير حكومته"، مشيرا إلى أن الجنيه السوداني انهار أمام كل العملات الأجنبية بعشرات المرات حتى وصل إلى 500 جنيه مقابل الدولار الواحد، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ الدولة.

في المقابل، رأى الناشط عبدالله توفيق، أن "الأزمة الاقتصادية مفتعلة بنسبة مائة في المائة لإفشال حكومة الفترة الانتقالية"، معربا عن استيائه "لعدم وجود رؤية اقتصادية للحاضنة السياسية، كما أن عدم وجود مجلس تشريعي للتشريع والرقابة يعود إلى أنانية شركاء الحكم، ما ساهم بفاعلية في تفاقم الأزمات".

وتُظهر الأرقام الرسمية أن معدلات التضخم مرت بمنحنيات تصاعدية حادة منذ بداية العام الماضي رغم القرارات التي تصفها الحكومة بالإصلاحية.

وتبين النشرة الشهرية للجهاز المركزي للإحصاء أن معدل التضخم بلغ 422.7% خلال يوليو/ تموز الماضي، مقارنة بـ412.7% في يونيو/ حزيران. ووفق الجهاز المركزي للإحصاء، فإن التضخم المتصاعد يعود إلى ارتفاع أسعار الأغذية والمشروبات بنسبة 272.5%.

ولم يكن التضخم يتجاوز 33% في ديسمبر/كانون الأول 2019، لكنه يسجل منذ ذلك الحين قفزات متتالية وغير مسبوقة.

وفي الأثناء، يخيم التخبط على القرارات الحكومية، إذ ألغت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي نهاية أغسطس/ آب الماضي، على نحو مفاجئ إعفاءات منحتها في وقت سابق، لمدخلات الإنتاج وجميع سلع الواردات من الضرائب والرسوم الجمركية، حيث بدأت هيئة الجمارك في تحصيل ضريبة أرباح الأعمال والقيمة المضافة على جميع سلع الواردات بلا استثناء، في محاولة للحد من أزمة تراجع الإيرادات المالية، وهو ما اعتبر مستثمرون أنه يحمّلهم كلفاً إضافية إلى أعبائهم المالية.

المساهمون