السودان: عجز الموازنة عبء يدفع ثمنه المواطنون

24 مارس 2022
الصعود الحاد لأسعار المحروقات يساهم في مفاقمة الأزمة المعيشية في البلاد (فرانس برس)
+ الخط -

تبنت الحكومة الانتقالية السودانية خيارات صعبة في تمويل الموازنة العامة للدولة، الأمر الذي أرهق المواطن السوداني في ظل معاناة معيشية حقيقية عقب الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وتمزيقه للوثيقة الدستورية وعودته عن الاتفاق مع المدنيين، ما جعل أمر البلاد في قبضة الجيش وتوقف الدعم الدولي، وفقاً لاتفاق سابق باستمراره في حال توطيد دعائم الديمقراطية والحكم المدني.

ولم تكتف الحكومة برفع الدعم عن السلع الأساسية، بل عاودت مجدداً إرهاق المواطن عبر مدخل الرسوم والضرائب لسد عجز الموازنة العامة للدولة للعام 2022، فتم زيادة النسب الضريبية والرسوم الحكومية ورسوم الخدمات كخيار أسهل لتعظيم الإيرادات. 

وقبيل إجازة موازنة العام الجاري، استبق وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم الأمر بتأكيد أن البلاد تمر بمنعطف خطير بعدما توقف الدعم الدولي نتيجة انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما يجعل الموازنة تواجه 19 تحدياً في إنفاذها.

وقال إنّ تمويل الموازنة وفق تعهدات المجتمع الدولي بات "غير متاح" كانعكاس لما ترتب بعد أحداث 25 أكتوبر/تشرين الأول، كما لم يصل مبلغ 650 مليون دولار، كانت مجدولة لدعم موازنة 2022.

وللحد من هذه الانعكاسات السالبة لجأت لخيار رفع الرسوم، فتم رفع الدعم عن دقيق الخبز، وتحرير أسعار الكهرباء برفع التعرفة نحو 5 أضعاف، كما تمت زيادات ضريبية تتراوح بين 50% إلى 100%، في ضرائب أرباح الأعمال على الشركات والتجار وضريبة القطاع الصناعي، وتركة ثقيلة تمثلت في الصرف على استحقاقات سلام جوبا. 

وفي ظل هذه الاجواء، يستمر معدل البطالة في الارتفاع وتزداد حدة الفقر مع ارتفاع كبير في المستوى العام للأسعار وتدني القدرة الشرائية للمواطنين ونقص كبير في الخدمات وانعدام للأمن الغذائي مع قصور كبير في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية.

يقول اقتصاديون أنه إذا كثرت الجباية أشرفت الدولة على النهاية وأنّ الضرائب والفوائد العالية توقف عجلة التنمية المستدامة وتزيد الدول الفقيرة فقراً وتعجل بانهيار الدول، فالحلول الاقتصادية لا تأتي من جيوب الفقراء "فسيدنا يوسف عالج سنوات القحط بحسن إدارة الموارد لا بفرض الضرائب".

وتشير أرقام الإيرادات العامة في موازنة 2022 إلى أنها زادت 34% عن موازنة العام الماضي المعدلة بمقدار 851 مليار جنيه، وزادت المصروفات العامة 38% عن موازنة العام الماضي نفسه المعدلة بمقدار 911 مليار جنيه بما حقق فائضاً بمقدار 8 مليارات جنيه بدون موازنة التنمية بالمقارنة مع موازنة العام الماضي المعدلة التي افترضت تقديراتها تحقيق فائض مقداره 67 مليار جنيه، لكن تحقق فعلياً 14.5 ملياراً تقريباً فقط.

وتم تمويل العجز الكلي بالاستدانة من النظام المصرفي بما أدى إلى بيئة اتسمت بسيادة لمعدل تضخم جامح بلغ في المتوسط 359% نتيجة للسياسات المالية النقدية التحريرية التضخمية المتلاحقة، ما أدى إلى انحراف كبير للمتحقق بالموازنة مع ما تم تقديره انعكس علاج ذلك الانحراف في تواصل تفاقم معدلات تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وسبق أن حذرت اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير من بناء موازنات تعتمد على الخارج بنسب لا تتجاوز 8% على الأكثر من الإيرادات العامة الكلية (اتحادي ولائي)، فتاريخ الموازنات العامة في السودان حتى في ظل الحصار المالي لما قبل رفعه بأن التمويل الخارجي لن يكون بحجم الوعود الممنوحة ولا توفيرها في مواقيت الاحتياج الشديد لها حتى لا يفرض على وزارة المالية وبنك السودان اللجوء إلى طباعة النقود، بالتالي تحولت موازنات السودان إلى مجرد خيالات مما فاقم التدهور.

ويقول الاقتصادي بشير محمد توفيق، لـ"العربي الجديد"، إنّ موازنة 2022 ليست مختلفة عن سابقاتها رغم إعلان انحيازها إلى جانب استراتيجية الاعتماد على الذات في حشد الموارد الذاتية التي نادت بها اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير والتحالف الاقتصادي.

وأشار إلى أنّ بيانات الموازنة المنشورة تقول إنّ التمويل الخارجي سيكون صفراً وإن المسؤولين لن يلجؤوا للاستدانة من النظام المصرفي (بما يشمل طباعة النقود) وهو ما يعني، في ظل اعتماد التمويل على 18% من الاقتصاد القومي المتاح لموارد الموازنة العامة، أنّها تستعين في دعم الإيرادات من جيب المواطن مباشرة بسياسات مالية تضخمية لفرض مزيد من الإجراءات القاسية.

وقال إنّ هذه السياسة الضريبية، خاصة غير المباشرة التنازلية، لها حدود في دعم تحقيق غرض تمويل المصروفات العامة بالكامل، والتي زادت إلى 3.689 مليارات بالمقارنة عن العام الماضي، حيث تستند السياسة المالية الضريبية على قاعدة ضريبية يشكّل الفقراء فيها 80% من السكان واضحة الحدود للغاية خاصة إذا اعتمدت الضرائب غير المباشرة، كما أن الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود والكهرباء والخبز بمعدلات تتجاوز 400% تشير إلى الطبيعة التضخمية لهذه السياسات المالية لاقتصاد الأجور المنخفضة.

وأضاف أن هذا يعني انكماش القدرة الشرائية بما يضعف الإيرادات خاصة غير المباشرة والمباشرة مع ضعف معدلات الضرائب على الأغنياء وعدم السيطرة على عائدات الصادر غير المهرب، لكنه يرى أن الموازنة سوف تلجأ إلى معالجات القصور في الإيرادات العامة إلى طباعة النقود في ظل الضغوط للترتيبات الأمنية والتزامات السلام المالية والاضطرابات السياسية السائدة حالياً.

لكن المحلل الاقتصادي هيثم محمد فتحي يقول إنّ رفع الدعم وزيادة الرسوم وأسعار الخدمات والجبايات في ظل ظروف الفقر والتدني الشديد للقدرة الشرائية للمواطنين وانعدام الأمن الغذائي لنسبة عالية جداً من الأسر السودانية، يمكن أن ينتج عنه تداعيات خطيرة اجتماعية واقتصادية كلفتها تفوق كلفة الدعم.

كما أنّ الضرائب والجمارك رغم ارتفاعها لا تمثل سوى 16% من الإيرادات خاصة أنّ قيمة الجنيه تتهاوى والتضخم مرتفع، بجانب أنّ الناتج المحلي ينكمش بمعدل 2%، بالإضافة إلى نسبة المواطنين خلف خط الفقر تزيد عن 70%، والبطالة مرتفعة.

ويؤكد أنّ الأسر عاجزة عن الاستثمار رغم امتلاكها الأصول، مشيراً إلى أن الوضع الاقتصادي من دون عودة الدعم والمساعدات الدولية سيكون صعباً للغاية بل قد يشهد انهياراً كاملاً خاصة التوترات المتواصلة في ظل الاحتجاجات والتظاهرات، وأشار إلى رفع الدعم عن السلع الرئيسية والضرائب ورسوم الجبايات سيؤدي لمزيد من ارتفاع مستويات الأسعار في ظل عجز الموازنة المزمن.

وأبدى خشيته من أن يلحق بذلك انفجار أمني وصراع خاصة في ظل وجود أرضية للتوتر الأمني بين الحكومة  الحالية والمواطنين.

ووصف خبراء اقتصاد تضارب السياسات وقرارات الرسوم الحكومية وزيادة أسعار السلع الأساسية، بأنها "عشوائية"، وانتقدوا غياب خطة إسعافية للمالية، لدعم إيرادات الخزينة العامة.

وقال الاقتصادي إبراهيم الزين لـ"العربي الجديد" إنّ الزيادات ليست موضوعية  خاصة في ظل رفع الدعم عن الوقود والدقيق والكهرباء وغاز الطبخ، التي أثرت سلباً، على زيادة أسعار الخبز والمأكولات وخدمات الفنادق وكل السلع والخدمات التي لها علاقة بالغاز ربما تحدث كساد في الأسواق.

ويرى أنّ "وزير المالية ليس لديه خطة إسعافيه اقتصادية لتغذية الموازنة العامة للدولة، ويفكر فقط في جيب المواطن المغلوب على أمره، رغم علمه بضعف الأجور والمرتبات. وهو يريد أن يزيد الفصل الأول باليمين ويأخذه بالشمال، فصارت وزارة للجبايات".

أستاذ الاقتصاد بجامعة السودان محمد الناير قال إنّ زيادات في أسعار الكهرباء والمحروقات والرسوم، تؤثر سلباً على كل القطاعات الإنتاجية والاقتصادية، وتنعكس على الإنتاج بصورة كبيرة أيضاً، وأشار إلى أنّ الحكومة تتجه نحو هذه القرارات باعتبارها من الحلول السهلة، التي تعطي الخزينة العامة إيرادات سريعة.

وطالب اقتصاديون بضرورة زيادة الإيرادات الضريبية من خلال توسيع المظلة الضريبية، وتشجيع الإنتاج لدعم الإيرادات العامة. وكان مشروع موازنة 2022، قدر إجمالي الإيرادات العامة بحوالي 3.3 تريليونات جنيه بمعدل زيادة قدرها 34% عن موازنة العام السابق 2021 المعدلة بدون منح، التي بلغت 2.4 تريليون جنيه، وحددت الإيرادات الضريبية بحوالي 1.9 تريليون جنيه.

المساهمون