السودان بين مخاطر التعويم وإملاءات الصندوق

26 فبراير 2021
ذكرى الثورة السودانية/(فرانس برس)
+ الخط -

يطبق السودان بالمسطرة تجارب دول أخرى أبرمت اتفاقات مع صندوق النقد الدولي، وكانت نتائجها كارثية، أو على الأقل نتائجها مؤلمة لمعظم المواطنين خاصة المنتمين للطبقات الفقيرة والمتوسطة. 

في تجربة السودان مع التعويم، لا تجديد ولا إبداع لدى الحكومة الانتقالية في الخرطوم رغم المآسي الناتجة عن مثل هذه الاتفاقات المجحفة بحق المواطن والاقتصاد والمالية العامة، وخطورة الخضوع لتعليمات الدائنين الدوليين على الاقتصاد الوطني، ورهن القرار المالي للدولة بالخارج.

البداية عادة تكون بقرار يحمل اسم براق هو تحرير سوق الصرف الأجنبي، والذي يعني تعويم العملة الوطنية وإضعافها بقوة مقابل الدولار، وقد تمت تلك الخطوة قبل أيام حيث تم بقرار حكومي مفاجئ خفض قيمة الجنيه السوداني بنسبة قياسية تصل إلى 582% .

يعقب تلك الخطوة دخول السودان في مفاوضات مباشرة للحصول على قروض خارجية من أبرز مؤسستين دوليتين، صندوق النقد والبنك الدولي، إضافة إلى قروض أخرى من مؤسسات عالمية وإقليمية أخرى، أو عبر طرح سندات دولية بأسعار فائدة وتكلفة عالية.

يعقب تعويم الجنيه زيادات قياسية في أسعار السلع والخدمات والضرائب والرسوم وخفض في الدعم

ساعتها وعقب ابرام الاتفاق يفرض صندوق النقد، المتحدث عادة باسم الدائنين الدوليين، شروطه وسياساته وتدخلاته وإملاءاته ويمارس ابتزازاته على الدول المدينة، يلزم بموجبها الحكومة السودانية بتطبيق برنامج تقشفي حاد بحق المواطن والإنفاق العام.

برنامج من أبرز ملامحه زيادة أسعار السلع بمعدلات قياسية بما فيها السلع الأساسية والتموينية ورغيف الخبز والدقيق، ورفع أسعار كل الخدمات بلا استثناء بما فيها مياه الشرب والصرف الصحي والكهرباء والغاز المنزلي والمواصلات العامة والاتصالات، وخفض الدعم الحكومي المقدم لسلع أساسية مثل البنزين والسولار والغاز ورفع أسعارها تمهيدا للتحرير الكامل، وبيع الوقود بالأسعار العالمية رغم ثبات الدخول وربما تآكلها الشديد بسبب ضعف قيمة العملة وزيادة معدل التضخم الذي تجاوز 304% في شهر يناير الماضي.

موقف
التحديثات الحية

يصاحب تلك الخطوات العنيفة بحق المواطن زيادة الضرائب والرسوم الحكومية القائمة بمعدلات قياسية بما فيها ضرائب الدخل، وفرض أنواع جديدة من الرسوم والضرائب لم يعرفها المواطن من قبل، وزيادة تكلفة الحصول على الخدمات الحكومية مثل الشهر العقاري والأحوال المدنية والمرور وغيرها.
كما يصاحب تلك الخطوات تسريع برنامج الخصخصة وبيع الشركات العامة والأراضي وبعض أصول الدولة، وربما يعقب تلك الخطوات تجميد رواتب العاملين في الدولة ووقف التعيينات الجديدة، وفرض رسوم على استهلاك الطاقة، وتعاملات البورصة، وأرباح وعوائد البنوك، وربما إلغاء مجانية التعليم والصحة والخدمات العامة وتقليص عدد موظفي الجهاز الإداري والشركات العامة.
ترتفع الأسعار ومعها معدلات التضخم المرتفعة أصلا مقابل تآكل القوى الشرائية للمواطن وضعف العملة ونسب الادخار، يغضب رجل الشارع فتسارع الحكومة بإلقاء الفتات له، والإعلان عن تقديم حوافز للأسر الفقيرة والعمالة الموسمية قد لا تستمر شهور، وتتوقف بعدها بزعم عدم وجود موارد مالية.

المواطن هو حطب قرارات التعويم وسياسات وإملاءات صندوق النقد الدولي القاسية

وبينما المواطن السوداني يلهث وراء قفزات الأسعار، تحصل الحكومة على مزيد من القروض الخارجية لتكوين احتياطي من احتياطي النقد الأجنبي أو الحفاظ على مستوى معين من ذلك الاحتياطي، وسد عجز الموازنة العامة وعجز الميزان التجاري وكلفة الواردات.

يحل موعد سداد قرض خارجي فتسارع الحكومة بالحصول على قرض جديد لسداد القرض الحال أجله، يرتفع عجز الموازنة العامة والدين الحكومي، فتسارع الحكومة بزيادة الأسعار وخفض الدعم وبيع ما تبقى من الأصول، والحصول على مزيد من الاقتراض الخارجي.

يدخل الاقتصاد السوداني في دوامة تكبل نموه وتكبح نشاطه، ومعها يصبح المواطن هو حطب قرارات تعويم العملة المحلية وسياسات وإملاءات صندوق النقد الدولي القاسية.

وهكذا تدخل البلاد في مآزق لن تخرج منه إلا بالاعتماد على الذات، والاستفادة من الموارد المتاحة وما أكثرها سواء زراعية أو حيوانية أو تعدينية أو بشرية أو مائية، وزيادة الإنتاج والصادرات، وتنشيط تحويلات المغتربين والاستثمارات الخارجية، ومكافحة الفساد والاحتكارات ونهب المال العام.

المساهمون