تمامًا كما يسعى فيسبوك مُستغلاً شعبيته الهائلة للتوسّع الدائم، بشمول خدمات جديدة، حتى إنه كان يسعى لتطوير عملة إلكترونية خاصة به للتعاملات التجارية والتحويلات المالية، بدأت تطبيقات عديدة مُستغلةً شعبيتها واتساع نطاق استخدامها لشمول خدمات مختلفة بما يزيد النشاط والتفاعل عليها؛ فيزيد عوائدها المُحتملة.
وهو الاتجاه الذي تزايد مع تشابك خدمات الإنترنت وتطبيقات المحمول مع ممارسات الحياة اليومية؛ حيث انفتح باب كامل جديد لتكامل الإلكتروني مع العيني والافتراضي مع المادي؛ بما تجسّد في التطبيقات الخدمية المعنية بتيسير أداء الخدمات اليومية وتوصيل السلع وتحويل الأموال وغيرها من مهام تمكّنت التكنولوجيات الحديثة من تنميطها وتحويلها لنمط الإنتاج الكبير مُنخفض التكلفة، عبر التشابك الإداري التقني للإمكانات الاتصالية اللحظية لشبكات الإنترنت والمحمول وقدرات التغطية الجغرافية لتقنيات "جي بي إس" المدعومة بالأقمار الصناعية من جهة، مع أنظمة إدارية حديثة مُهلة للتنفيذ الفوري "تحت الطلب"، لأداء المهام والخدمات وتخزين السلع وتوصيلها، بمجرد الطلب بصورة لحظية وشبه لحظية من جهة أخرى.
لهذا يمكن القول إن التطبيقات الفائقة هي تطوّر طبيعي ومنطقي جاء كتتويج للتكامل والاتساع في انتشار وعمل البنية التحتية الاتصالية الحديثة، ويرتبط نجاحها بالتواجد ضمن المراكز الحضرية الكبرى كثيفة السكان ومتقدمة البنية التحتية التي تخفض متوسط التكاليف مع ارتفاع العوائد المُحتملة بارتفاع الطلب المُتوقع.
فليس من المفاجئ أن كانت أكبر نجاحات ذلك النوع من التطبيقات في الصين وشرق آسيا وبعض دول أميركا اللاتينية، فكانت نماذجها الأشهر تطبيقات WeChat وAlipay الصينيين وPaytm الهندي وGoTo الإندونيسي وGrab السنغافوري وZalo الفيتنامي وKakao الكوري الجنوبي وRappi الكولومبي.
وهو تطوّر منطقي كذلك من الوجهة التقنية، حيث تطوّرت التطبيقات من التطبيقات الفردية المُتخصصة، إلى حقيبة التطبيقات متقاربة الوظائف، إلى التطبيقات الفائقة المُغلقة، فالتطبيقات الفائقة المفتوحة على التعاون مع التطبيقات المُتخصصة من خارجها، وكله بفضل تزايد الإمكانات البُرمجية من جهة، وبهدف السيطرة على أكبر حصّة ممكنة من وقت المُستخدم؛ ومن ثم استهلاكه الإلكتروني والمادي، من جهة أخرى.
وما يميّز التطبيقات الفائقة عن التطبيقات التقليدية، كما يمثّل سمتها الأساسية هو الشمول، فهي لا تغادر وظيفة كبيرة ولا صغيرة إلا وحاولت جمعها تحت عباءتها، بحيث لا يحتاج المستهلك لتطبيقات تنفيذية أخرى تقريبًا، مع محاولة تعزيز الترابط بين الوظائف والخدمات؛ لتوسيع نطاق العمل مع خفض التكاليف الكمّية والكيفية للتنفيذ، فأنت تشتري السلعة أو تطلب الخدمة من خلال التطبيق، وتسدّد التكاليف والرسوم العامة والخاصة من خلاله، وترسل تقييماتك وشكواك بخصوص الجميع عن طريقه وهكذا.
وهذا ما يوفّر وقتًا وجهدًا وتكاليف، سواءً على الشركات والجهات المعنية، أو على المستهلك والمواطن نفسه، من خلال تحقيق أقصى استغلال ممكن للموارد والقدرات التكنولوجية التي وفّرتها البنى التحتية الاتصالية فائقة الاتساع واللحظية الراهنة.
ونتيجة لهذه الطبيعة الشمولية بما تتطلّبه من كثافة حضرية لضمان الجدوى الاقتصادية، يُلاحظ تركّز نجاحات هذه التطبيقات في دول آسيا، مقابل استمرار غلبة النموذج التقليدي للتطبيق أُحادي التخصص في الدول الغربية، ما قد يرجع كذلك إلى غلبة التوجّه القومي على الشركات والحكومات الآسيوية كطرف لا يزال أضعف نسبيًا في معادلة القوى الاقتصادية؛ ما يجعلها تحاول التركيز على التوسّع الجغرافي المحلي بالسيطرة على أسواقها المحلية ومستهلكيها القوميين، خصوصًا مع ضعف قواهم الشرائية التي تجعل التخصص النوعي غير مُجزٍ اقتصاديًا، في مقابل تطبيقات الشركات الغربية المهيمنة عالميًا، والأقل اهتمامًا بالتالي بالميزة الجغرافية لصالح الميزة النوعية والتخصص الرأسي على المستوى العالمي، بدلاً من التوسّع الأفقي على المستوى المحلي، خصوصًا مع تمركزها في مجتمعات عالية الدخل يمكن لخدمة واحدة أن تحقّق الإنتاج والطلب الاقتصادي الكافي للاستمرار المُربح.
ومع ذلك، تسعى بعض التطبيقات الغربية الرائدة مثل ماسينجر التابع لفيسبوك، وأوبر وأمازون وغيرها، لشمول خدمات أخرى متجددة، بدءًا من خدمات المدفوعات الإلكترونية ووصولاً لحجوزات الطيران وطلبات الطعام اليومية ..إلخ، بشكل يقرّبها من نموج التطبيقات الفائقة، وإن كان ما يزال الطريق أمامها أطول نسبيًا؛ بالنظر خصوصًا لعدم الحماس العام للتجربة مع عدم الدعم الحكومي على خلفيات المخاوف من الاحتكار والقضاء على المنافسة.
وقد بلغ حجم الاقتصاد العالمي للتطبيقات عمومًا حوالي 55 مليار دولار عام 2020، وبصعود كبير بلغ بحسب بعض التقديرات 16% في المتوسط سنويًا خلال الفترة 2014-2020، وكعيّنة كمّية لنموها قفز عدد التطبيقات على متجر تطبيقات آبل من مجرد 500 تطبيق عام 2008 إلى حوالي 1.85 مليون تطبيق بحلول سبتمبر 2021، فيما وصل عددها على متجر تطبيقات أندرويد إلى ما يربو على المليونين ونصف مليون تطبيق في نفس التوقيت، وبحسب تقرير لشركة App Annie بلغ إنفاق المستهلكين على التطبيقات 143 مليار دولار عام 2020، مع تجاوز أحجام الاستخدام الشهرية لكبرى التطبيقات الفائقة حاجز المليار مُستخدم في الصين والهند وحدهما، ويبشّر هذا النمو الانفجاري خلال أقل من 15 عامًا، ورغم أنه لا يزال ما يقرب من نصف سكان العالم بعيدين عن خدمات الإنترنت، بنمو أكبر مُنتظر لاقتصاد التطبيقات عمومًا، والتطبيقات الفائقة خصوصًا.
وتوفّر التطبيقات الفائقة كثيرًا من المزايا الاقتصادية والاجتماعية بفضل قدراتها المتميّزة، فبخلاف ما توفّره من اختصار لوقت وجهد وتكاليف المعاملات، بما فيه المعاملات الرسمية، ومن توسيع لنطاق الخدمات حتى لحدود المناطق النائية بمجرد توفّر خدمة الإنترنت، وبما ينتج عن ذلك من توفير موارد ضخمة على الحكومات والأفراد، فإنها تفتح الباب لمزيد من النمو في الخدمات المُستحدثة بما تحتمله من فرص لا نهائية؛ فستكون أقرب لعامل حفّاز لفتح أسواق وإتاحة خدمات جديدة، وربما جديدة كليًا؛ بفضل ثلاث سمات رئيسية:
- أولاها امتلاكها لقاعدة مستهلكين كبيرة بالفعل؛ بما يخفض تكاليف ومخاطر إطلاق المنتجات الجديدة.
- وثانيتها امتلاكها قاعدة ومنصّة مُتطوّرة تقنيًا بالفعل؛ بشكل يسهّل إطلاق تطبيقات فرعية عديدة.
- وثالثتها امتلاكها قاعدة بيانات ضخمة جاهزة بالعملاء واهتماماتهم ونوعياتهم وقدراتهم المختلفة؛ بشكل ييسّر نجاح، ويخفض تكاليف، المهمة التسويقية الاستهدافية الأولى لأي مُنتج أو تطبيق، وهي مهمة "معرفة العميل".
وتشير الاتجاهات الحالية، مع المزايا التي توفّرها تلك التطبيقات، إلى أرجحية توسّع نشاطاتها وخدماتها، بالأخص لو حظيت بالدعم الحكومي، حيث يمكن أن توفّر على الحكومات كثيرًا من التأسيسات والبنى التحتية التقليدية التي غدا بعضها غير ضروري، بحيث أصبح من الممكن الاكتفاء بالاستعاضة عنها ببنية تحتية إلكترونية في المناطق النائية بالأخص، مع مراكز دعم لوجستية للمهام المادية يمكن أن تُترك لنشاطات القطاع الخاص؛ بما يخفض في مُجمله الأعباء على الموازنات العامة دونما تقصير أو تجاهل للحاجات العامة.
وستزيد هذه التطبيقات التشابك الإنتاجي الخدمي بشكل ينتج "منافع خارجية" externalities اقتصادية واجتماعية تعظّم الوفورات الفردية والجماعية وتخفض التكاليف غير الضرورية، كما ستخلق فرصًا جديدة على صعيد المُنتجات وفرص العمل، فضلاً عن خفض "تكاليف الصفقات" الإجرائية والأمنية والزمنية والمكانية، مساهمةً في تسارع حركة الموارد وتدفّق المنافع وأداء الخدمات.
ويحظى قطاع التكنولوجيا المالية بميزة خاصة في سياق تطور تلك التطبيقات؛ نظرًا لطبيعته المرنة التي يمكنها الانفصال بالكامل عن الوجود المادي، والاعتماد كليًا على شبكة الإنترنت والوجود الافتراضي؛ لما يوفّره ذلك التحوّل من سرعة ومرونة وأمن، وتتمركز مساهمة التطبيقات الفائقة فيها ليس فقط في تعميمها التعامل الإلكتروني في كافة المجالات، بل والأهم في توفيرها المرونة الكاملة للسيولة المالية؛ ومن ثم تعظيم حجمها الإجمالي بفعل تقليص الهدر الزمني والإجرائي غير الضروري في توظيفها ونقلها، من خلال التشابك والتزامن بين كافة نشاطات وتعاملات العميل، وربطها كافة أنواع العمليات المالية في سلسلة واحدة متكاملة، بدءًا من تحصيل المُستحقات ومرورًا بسداد الالتزامات المتعددة ووصولاً للخدمات الائتمانية بكافة أشكالها وأحجامها.
ومع كل هذا لا تخلو آفاق التطبيقات الفائقة من مخاوف جديرة بالالتفات، فمخاوف الهيمنة الاحتكارية واستغلالها ريعيًا لتحقيق أرباح غير عادلة وإغلاق السوق وكبح التجديد والتطوير والمنافسة، كلها مخاوف منطقية ومشروعة؛ خصوصًا مع غلبة اتجاه "احتكار القلّة" الصناعي التقليدي مبكرًا على سوق التطبيقات عمومًا، بسيطرة الشركات الضخمة عليه.
كما أظهرت الإحصاءات التي تشير، بحسب تقرير VisionMobile عن "اقتصاديات مطوّري التطبيقات"، إلى أن 1.6% فقط من المطوّرين هم من يحقّقون معظم إيرادات سوق التطبيقات، بما يشير إلى ما أسماه المطوّرون أنفسهم بـ"اختفاء الطبقة الوسطى من المطوّرين"؛ حيث لا يحقّق حوالي 2.9 مليون من المطوّرين على مستوى العالم ما يكفي للمعيشة من التطبيقات، ولا تصل إيرادات 88% من المطوّرين إلى 10 آلاف دولار سنويًا.
كذلك فإن الحكومات والبنوك المركزية ستتحفّظ على سيطرة تلك التطبيقات على حصة متزايدة من الحركة المالية والمصرفية بعيدًا عن الرقابة اللصيقة للمعاملات والتخطيط الحكومي للسياسة النقدية القومية، ما تدعمه الأخبار عن اتجاه الحكومة الصينية لتقييد التعاملات المالية من خلال تلك التطبيقات، وحصرها في حدود ونطاقات معينة أو نقلها لتطبيقات مستقلة تسهل مراقبتها.
كذا تبرز المخاوف التقليدية المتعلقة بالتشابك المتزايد بين التكنولوجيا وحيواتنا اليومية، وهي المخاوف بشأن الخصوصية الفردية التي ستنتهكها عشرات التطبيقات الفرعية المُجتمعة ضمن قاعدة بيانات تطبيق فائق واحد؛ بما يمثله اجتماعها وترابطها معًا ضمن مصدر واحد بقاعدة بيانات واحدة من كشف مُفرط لتحرّكات وتعاملات المستهلك، خصوصًا في حالات اختراق ذلك المصدر أو إساءة استخدامه من قبل الشركة المالكة للتطبيق نفسها، كما يجري اتهام شركة فيسبوك حاليًا، ومُجددًا!
ومع ذلك، تبدو التطبيقات الفائقة كاتجاه موضوعي للتطور التكاملي للإمكانات التكنولوجية بما يدفع باتجاه اندماج المادي بالافتراضي؛ برز بشكل خاص مع اكتمال البنى التحتية الضرورية له، فضلاً عن تقلّص حالة التشرذم التي كانت طبيعية في مرحلة ظهور الإنترنت، لكنها غدت مُكلّفة وبلا داع، كما ستمثل تلك التطبيقات ضرورةً بما تمتلكه من مزايا ووفورات كمّية وكيفية تشبه ما حقّقه التطور باتجاه الإنتاج الكبير في مرحلة الصناعة التقليدية.