تهتم السلطات السعودية بقطاع الفوسفات التونسي، الذي يشهد تعثراً منذ ما يزيد عن عشر سنوات نتيجة الأزمات الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية في مناطق الإنتاج التي تسببت بخسائر لا تقل عن 9 مليارات دولار خلال تلك الفترة، الأمر الذي دعا خبراء إلى تأييد دخول استثمارات لتنشيط القطاع، بينما عارض آخرون ذلك كونه قد يكون بداية لتصفية حصص الدولة في قطاع حيوي مقابل حصول الحكومة على أموال لسداد ديونها وعجز موازنتها.
وأبدى وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر إبراهيم الخريف، هذا الاهتمام، على هامش الافتتاح الرسمي للدورة 11 للجنة التونسية السعودية المشتركة التي بدأت أعمالها في تونس، الثلاثاء الماضي، واستمرت يومين.
وأشار الخريف في تصريحات إعلامية على هامش الاجتماعات، إلى بحث الرياض عن فرص استثمارية وامتيازات تشغيلية في تونس، خاصة أنها تزخر بثروات معدنية مهمة كالحديد والنحاس والرصاص واحتياطي كبير من الفوسفات، لافتا إلى إمكانية استفادة تونس من منصة سعودية حول مستقبل المعادن تقام في المملكة خلال 2024.
ولا تزال السلطات التونسية تراهن على قطاع الفوسفات، رغم تعثر خطط تنمية الإنتاج والمبيعات خلال العام الحالي مع تسجيل تراجع بنسبة 26% نتيجة الاضطرابات الاجتماعية في منطقة الحوض المنجمي.
وأعلنت سلطات تونس عن خطة متفائلة لإنتاج الفوسفات برفع قدرة الإنتاج إلى 5 ملايين طن في العام المقبل رغم تأكيد خبراء اقتصاد على ضرورة ضخ استثمارات جديدة في خطوط الإنتاج لتحقيق الأهداف المرجوة.
ويرى الخبير في السياسات التنموية ووزير التشغيل السابق فوزي عبد الرحمان أن فتح قطاع الفوسفات الذي تسيطر عليه الدولة بشكل تام نحو شراكات استراتيجية أجنبية يمكن أن يمثل حلاً لتسريع تعافي القطاع، ولا سيما أن الدولة التونسية وشركة فوسفات قفصة الحكومية ليست لديهما القدرة على ضخ استثمارات في هذا القطاع الحيوي.
وقال عبد الرحمان لـ"العربي الجديد"، إن لدى تونس إمكانيات كبيرة للتوسع في استخراج الفوسفات الخام من المناجم غير المستغلة على غرار منجم صراورتان، شمال غرب البلاد، مؤكدا أن الشراكات الأجنبية قد تكون مهمة لاستغلال مناجم جديدة.
ويرهن المتحدث نجاح خطة فتح قطاع الفوسفات أمام شراكات أجنبية بوجود خطة محلية دقيقة حول الأهداف المنشودة من حيث الإنتاج ومدة تحقيق الاستراتيجيات.
وأضاف "لدى تونس خبرات وبراءات بحث مهمة مسجلة في قطاع إنتاج الفوسفات، وهو ما يفسر الاهتمام الخارجي بالدخول في شراكات في هذا القطاع، ولا سيما أن السعودية أصبحت بلداً منتجاً للفوسفات وتراهن على مواقع متقدمة عالمياً في هذا القطاع".
وحول إمكانية عرقلة النقابات للشراكات الأجنبية في قطاع الفوسفات وتمسكها بالهيمنة الحكومية على رأس المال، قال عبد الرحمان إن سلطة قيس سعيد حيّدت الأطراف الاجتماعية وأضعفت قدرتها على التدخل في أي قرارات سيادية يمكن أن تتخذها السلطة بشأن القطاعات الاستراتيجية.
وقطاع الفوسفات من بين القطاعات الاستراتيجية المغرية للمستثمرين الأجانب، حيث سبق أن تقدمت الصين عام 2019 بطلب رسمي لتوجيه استثمارات ضخمة في مخلفات مادة الفوسفات وتخليص منطقة الحوض المنجمي (جنوب غربي تونس)، من تلك المخلفات الملوثة للبيئة وتثمينها من خلال إعادة تدويرها وإعادتها إلى الدورة الاقتصادية بعد عقود من التخلص منها.
غير أن الشراكة الصينية تعرضت لاعتراضات نقابية، أشارت إلى أن مخلفات الفوسفات تعد من المخزونات الاستراتيجية للشركة التي يمكن اللجوء إليها عبر تدويرها في حال تراجع الإنتاج.
ويعتبر الخبير الاقتصادي مراد الحطاب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إفساح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية في قطاع الفوسفات يمكن أن يكون حلاً جيدا لإصلاح القطاع الذي يحتاج إلى إمكانيات كبيرة للتعافي.
لكن الخبير في قطاع الطاقة حامد الماطري قال إن الحديث عن شراكات اقتصادية في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي تمر بها تونس غير ملائمة، إذ قد تبدأ تونس مرحلة تصفية أصول حكومية تحت غطاء الشراكات الخارجية من أجل تسديد ديونها والحصول على الأموال.
وأكد الماطري لـ"العربي الجديد"، أن لتونس السبق في استخراج وتطوير صناعة الفوسفات، معتبرا أن الدخول في شراكات أجنبية هو تصفية للأصول ولا علاقة له بتطوير الاستكشاف أو التصنيع مع المستثمر الخارجي.
وتساعد صادرات الفوسفات على تحسين عجز الميزان التجاري المتفاقم، نظراً لأهمية الإيرادات التي تجنيها البلاد من هذه المادة الحيوية.
ويعتبر قطاع الفوسفات في تونس واحداً من القطاعات المهمة الداعمة لاقتصاد البلاد، إذ تمثّل عائداته 10% من إجمالي صادرات البلاد، إلى جانب توفيره نحو 30 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
ويشكّل الفوسفات مصدراً أساسياً للعملة الصعبة إلى جانب تحويلات المغتربين ومداخيل السياحة، لكن حصته تراجعت بشكل لافت خلال السنوات العشر الماضية.