الرابحون من هندسة الهجوم الإسرائيلي على إيران

27 أكتوبر 2024
الهجوم الإسرائيلي على إيران 26/10/2024 (صورة متداولة)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الهجوم الإسرائيلي استهدف منشآت عسكرية وإنتاج الوقود الصلب في إيران، متجنبًا القطاع النفطي، مما قلل من التداعيات الاقتصادية العالمية وحافظ على استقرار أسعار النفط.
- دول الخليج والولايات المتحدة استفادت من الهجوم، حيث ضمنت استمرار تدفق النفط عبر مضيق هرمز واستقرار أسعار النفط، مما كان مهمًا للولايات المتحدة سياسيًا.
- الهجوم فتح المجال لاحتمالات التهدئة السياسية في الشرق الأوسط، وساهم في استقرار التجارة الدولية بتجنب تهديدات للملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس.

تنفس العالم الصعداء، مساء يوم السبت الماضي، عندما تعرف على تفاصيل وحجم وهندسة الهجوم الإسرائيلي على إيران، ومعها أفلت سوق النفط العالمي وقطاع الطاقة الحيوي من مرحلة عصيبة كاد أن يدخلها، لو استُهدف الهجوم قطاع النفط الإيراني الحيوي والاستراتيجي. كما أفلت من موجة زيادات في الأسعار عادة ما تحدث في حال زيادة المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية.

فقد أدرك العالم في هذا اليوم أن الهجوم الإسرائيلي المهندس ركز على قواعد عسكرية وأنظمة رادار، واستهدف منشأة لإنتاج الوقود الصلب في إيران، وهاجم مصنعاً لإنتاج المسيّرات في "بارشين"، وهي قاعدة عسكرية تقع على بعد نحو 30 كيلومتراً شرق طهران.

ووفق الرواية الإيرانية فإن خسائر هجوم إسرائيل محدودة، وإعلان جيش الاحتلال استهداف 20 موقعاً بأكثر من مائة طائرة هو أمر مبالغ فيه، ويصب في خانة الحرب النفسية.

والملاحظ أن الهجوم الإسرائيلي على إيران كان بمثابة رد منضبط ومدار بعناية وغير منفلت، ويخلو من التهور والصلف الذي ظهر في الهجوم السابق، ويبدو أنه سبقه تنسيق على مستوى عال بين الولايات المتحدة وتل أبيب وأطراف أخرى.

الملاحظ أن الهجوم الإسرائيلي على إيران كان بمثابة رد منضبط ومهندس ومدار بعناية وغير منفلت، ويخلو من التهور والصلف الذي ظهر في الهجوم السابق

وبالتالي فإن تداعياته الاقتصادية سواء على دول المنطقة أو العالم لن تكون كبيرة ومؤلمة وموجعة أو بالخطورة التي توقعها البعض، خاصة مع ضمان عدم تحول المواجهة الحالية إلى حرب شاملة، وتوقعات كبيرة بتجنب طهران التصعيد والانزلاق إلى دوامة الردود المتبادلة.

وربما عدم الرد أصلاً على الهجوم الأخير الذي كشف عن قلق تل أبيب الشديد من توسيع رقعة الحرب في منطقة الشرق الأوسط، مع تورط جيشها في أوحال غزة وجنوب لبنان، والخسائر الكبيرة التي يتعرض لها كل يوم سواء على مستوى الجنود والعتاد، أو على مستوى كلفة الحرب الباهظة على الاقتصاد الإسرائيلي ومعيشة المواطن.

دول الخليج كانت في مقدمة الدول المستفيدة من هندسة الهجوم الإسرائيلي لإيران وعدم تهوره، فقد ضمنت عدم إقدام طهران على ارتكاب رد فعل عنيف في حال استهداف جيش الاحتلال البرنامج النووي والقطاع النفطي ومواقع استراتيجية للحرس الثوري.

كما ضمنت أيضاً استمرار فتح مضيق هرمز، العنق الرئيسي للنفط في العالم، والذي يمر من خلاله ما يقرب من ثلت تجارة النفط ونحو 90% من النفط السعودي والعراقي والإماراتي والكويتي نحو أسواق رئيسية مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وسنغافورة.

كما أن دول الخليج ضمنت أيضاً عدم استهداف منشآتها النفطية من قبل إيران، فضرب إسرائيل قطاع النفط الإيراني كان من الممكن أن يدفع طهران نحو توجيه ضربة قوية لموانئ التصدير والإنتاج والتكرير النفطي الخليجي، خاصة الواقعة في مياه الخليج، أو حتى استهداف مصافي النفط ومنشآت الإنتاج الواقعة داخل الأراضي الخليجية.

إيران استفادت كثيراً من الهجوم الإسرائيلي المنضبط، فقطاعها النفطي لم يتضرر بأذى سواء كان في صورة تهديد مباشر لموانئ التصدير أو محطات التكرير العملاقة أو منشآت إنتاج النفط والغاز

الولايات المتحدة كانت مستفيدة أيضاً من هندسة الهجوم الإسرائيلي، الذي ساعد في امتصاص مخاوف قطاع الطاقة العالمي، وعدم حدوث أي زيادة بسعر النفط، خاصة في وقت حرج للإدارة الأميركية، حيث إن الانتخابات الرئاسية على الأبواب، وأي زيادة في سعر مشتقات الوقود من بنزين وسولار وغاز ستزعج الناخب الأميركي الذي تضرر بشدة بسبب موجات التضخم العنيفة وغلاء المعيشة ورفع سعر الفائدة لأعلى معدل في أربعة عقود.

إيران أيضاً استفادت كثيراً من الهجوم الإسرائيلي المنضبط، فقطاعها النفطي لم يتضرر بأذى سواء كان في صورة تهديد مباشر لموانئ التصدير أو محطات التكرير العملاقة أو منشآت إنتاج النفط والغاز نفسها، وبالتالي حافظت الدولة الإيرانية على أبرز مورد للنقد الأجنبي، حيث تصدر نحو 3.6 ملايين برميل يومياً درّت على الدولة سيولة تقدر بأكثر من 35 مليار دولار في عام 2023. كما أن عدم توسيع دائرة الهجوم سيساعد طهران في تنفيذ خطتها الرامية لزيادة الإنتاج النفطي إلى أربعة ملايين برميل يومياً.

التجارة الدولية استفادت هي الأخرى من هندسة الهجوم الإسرائيلي، فضربة قوية لإيران كانت كفيلة بدفع الحوثي نحو تهديد الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس، وربما إغلاق باب المندب، وهو ما يشكل ضربة قوية للتجارة الدولية التي عانت بشدة في الفترة الماضية بسبب استهداف الجماعة اليمنية للسفن الإسرائيلية، وشاحنات الدول الداعمة للاحتلال في حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها ضد أهالي غزة منذ أكثر من عام.

هذا عن الأبعاد الاقتصادية. أما عن الأبعاد السياسية فقد تفتح 

هندسة الهجوم الإسرائيلي على إيران الباب أمام مفاوضات غير مباشرة بين طهران وتل أبيب لتهدئة الأجواء في منطقة الشرق الأوسط، وتهدئة جبهات لبنان واليمن والعراق وسورية.

المساهمون