الذهب يلتقط أنفاسه مؤقتاً.. لكن ما أسباب صعوده القياسي؟

05 ابريل 2024
متداولون يعملون في ردهة بورصة نيويورك، 02 إبريل 2024 (مايكل إم سانتياغو/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الذهب يشهد ارتفاعات قياسية للأسبوع الثالث متأثراً بتراجع الدولار، توقعات بخفض الفائدة الأمريكية، والطلب القوي من البنوك المركزية والصناديق الاستثمارية، رغم تسجيل تراجع طفيف في المعاملات الفورية والعقود الآجلة.
- العوامل الجيوسياسية والاقتصادية مثل التوترات في الشرق الأوسط، الوضع في أوكرانيا، والمخاطر الاقتصادية في الصين، بالإضافة إلى زيادة حيازة البنوك المركزية للذهب، تعزز من مكانته كملاذ آمن.
- التوقعات المستقبلية لأسعار الذهب محاطة بالغموض، مع تحذيرات من احتمالية تصحيح الأسعار، لكن يظل الذهب استثماراً جذاباً في ظل التوقعات بانخفاض أسعار الفائدة ودوره كملاذ آمن.

تبقى الأسئلة محيطة بالأسباب الحقيقية لارتفاع أسعار الذهب قياسياً، رغم أن المعدن الثمين التقط أنفاسه اليوم الجمعة، بعد موجة من الارتفاعات دامت خمس جلسات قادت المعدن الأصفر إلى تسجيل مكاسب للأسبوع الثالث على التوالي.

وفيما تترقب السوق بيانات الوظائف غير الزراعية في الولايات المتحدة التي يمكن أن تقدم المزيد من المؤشرات على المسار الذي سيتبعه مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) بشأن السياسة النقدية، تراجع سعر أونصة الذهب في المعاملات الفورية اليوم الجمعة، 0.5% إلى 2278.5 دولاراً بحلول الساعة 03:28 بتوقيت غرينتش، بعدما سجل مستوى قياسياً مرتفعاً عند 2305.04 دولارات أمس الخميس، وفقاً لبيانات وكالة "رويترز". كما هبطت العقود الأميركية الآجلة اليوم، 0.5% إلى 2296.9 دولاراً.

وفي هذا السياق، نقلت "رويترز" عن المحلل لدى "إيه سي واي للأوراق المالية" لوكا سانتوس قوله إن "الذهب سيستمر في الارتفاع مع تراجعات طبيعية"، مشيراً إلى أن انخفاض الدولار في ظل توقعات المستثمرين بأن يخفض مجلس الاحتياطي الاتحادي الفائدة هذا العام وعدم اليقين الاقتصادي وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط عوامل شكلت قوة دافعة للأسواق وعلى رأسها الذهب.

ويتجه المعدن النفيس لتسجيل مكاسب للأسبوع الثالث، مدعوماً أيضاً بعمليات شراء قوية من جانب البنوك المركزية وطلب من الصناديق المواكبة لاتجاهات السوق، فيما يتحول التركيز الآن إلى بيانات الوظائف غير الزراعية في الولايات المتحدة لشهر مارس/آذار المقرر صدورها في الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش، والتي قد تعطي المزيد من المؤشرات بشأن التوقيت الذي سيبدأ فيه البنك المركزي الأميركي بخفض الفائدة.

ويقول رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي جيروم باول، إن البنك لديه الوقت لإجراء المزيد من المداولات بشأن أول خفض للفائدة، نظراً لقوة الاقتصاد وقراءات التضخم التي صدرت في الآونة الأخيرة وجاءت مرتفعة.

لكن آراء الخبراء تتباين حيال أسباب الارتفاع القياسي المتواصل لسعر الذهب، لدرجة أن كبير المحللين في مجموعة "سوليت" لتجارة الذهب ماركوس بلاشتزوك، اعتبر في حديث مع خدمة "إيه أردي" الألمانية الإخبارية، اليوم الجمعة، أن الخلفية لا تزال غامضة وتغير النمطية في الأسعار غير واضح، مستشهداً، من بين أمور أخرى، بالمشتريات المادية القوية من جانب الصين كتفسير محتمل لانحسار العرض في الأسواق، الأمر الذي يجعل الذهب أكثر تكلفة.

وفي السياق، بيّنت أحدث البيانات الصادرة عن "مجلس الذهب العالمي" أن البنوك المركزية واصلت زيادة حيازتها من الذهب للشهر التاسع على التوالي، وحيث سجلت مشتريات مرتفعة بشكل غير عادي من الذهب في كل من الصين والهند وكازاخستان حتى أن الطلب وصل بالفعل إلى 1037 طناً، وهي ثاني أعلى قيمة له. وكل ذلك من أجل حماية تلك الدول نفسها من عقوبات محتملة، حيث يمكن استخدام المعدن النفيس والتصرّف به، وبالتالي تعزيز عملاتها الوطنية.

يُضاف إلى ذلك، وفقاً للخبراء، احتمال انخفاض أسعار الفائدة على أنه أعلى محرك لارتفاع الذهب، وحيث التوقعات بأول انخفاض لأسعار الفائدة من جانب البنكين المركزيين الأميركي والأوروبي في يونيو/حزيران المقبل.

وتُعتبر أسعار الفائدة المنخفضة بشكل عام إيجابية بالنسبة للمعادن الثمينة التي لا تدفع فائدة، وهذا يجعلها أكثر جاذبية مقارنة بأشكال الاستثمار الأخرى كالسندات مثلاً. ويراهن المستثمرون على أن سعر الذهب سيستفيد من التحول في أسعار الفائدة هذه المرة أيضاً. إلى ذلك، فإن تصريحات محافظي البنوك المركزية بأن التغيير في السياسة النقدية وشيك تساهم في ارتفاع قيمة المعدن الأصفر. يراهن المستثمرون على أن سعر الذهب سيستفيد من التحول في أسعار الفائدة هذه المرة أيضاً.

من جهة ثانية، يبرز عامل مهم يعكسه تدهور الوضع الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط والتي كان من أحدثها الغارة الجوية الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في سورية، وهذا ما أدى إلى زيادة الطلب على الاستثمارات التي تُعتبر آمنة مثل الذهب، فضلاً عن الوضع المتأزم أساساً في أوكرانيا، كما المخاطر الاقتصادية في الصين التي تعمل على زيادة الطلب على ما يسمى "الملاذات الآمنة".

واتخذت أسعار المعادن الثمينة الأخرى مساراً صعودياً أيضاً في الآونة الأخيرة، قبل أن تتراجع قليلاً اليوم الجمعة. حيث انخفض سعر أوقية الفضة في المعاملات الفورية 1.7% إلى 26.49 دولاراً بعدما ارتفعت في الجلسة السابقة لأعلى مستوى منذ يونيو 2021. كما هبط البلاتين 0.4% إلى 921.66 دولاراً، ويتجه المعدنان لتسجيل مكاسب أسبوعية. ونزل البلاديوم بنسبة 1.9% إلى 1002.03 دولار.

ومن الخبراء أيضاً، محلل المواد الخام في "كوميرس بنك" ثيو لاين نغوين الذي نسبت إليه الشبكة قوله إن التفسيرين السابقين أي الوضع في الشرق الأوسط وتصريحات محافظي المركزي غير كافيين وغير مقنعين حقاً، مشيراً إلى أنه عادة ما تعد توقعات أسعار الفائدة الأميركية المحرك الأكثر أهمية للذهب.

أما كبير محللي السوق في "سي أم سي ماركتس" يوخن شتانتسل فبرر الارتفاع بتوقعات المستثمرين بأن الزخم السائد في الأسواق يدفع أسعار الذهب صعوداً. فقد تخطى الذهب وعلى مر السنوات الثلاث الماضية لفترة قصيرة فقط حاجز 2000 دولار، لكن منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي لم يتراجع إلا نادراً. وبنهاية فبراير/شباط 2024، تجاوزت مكاسب المعدن الأصفر 12%. علماً أن سعر الأونصة بلغت 1810 دولارات في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وعن التوقعات المستقبلية، يخلص معظم الخبراء، ومنهم نغوين، إلى أن أحداً لا يستطيع التنبؤ بما سيحدث بعد هذه الارتفاعات غير المسبوقة للذهب، ولهذا يجب على المستثمرين من القطاع الخاص على وجه الخصوص توخي الحذر من احتمال أن يكون التصحيح قادماً إلى السوق على المدى القصير، بما يعني أن الإمكانيات التصاعدية للذهب ربما تكون محدودة بعد ذروة الشراء الحالية التي تليها عادة عمليات بيع لجني الأرباح، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة نهاية الارتفاعات اللاحقة بالمطلق.

المساهمون