تتجمع عدة عوامل لتدفع بسعر الذهب لأعلى من ألفي دولار للأوقية، بل إن قفزة المعدن النفيس إلى 3 آلاف دولار باتت أمراً غير مستبعد، كما يقول بنك "ساكسو بنك" الدنماركي، الذي يرى احتمال وصول أسعار الذهب إلى هذا المستوى لأول مرة على الإطلاق، ويقول في تقرير حديث إن هذا السيناريو أصبح أقرب للتحقق الآن.
من بين العوامل التي تدفع سعر الذهب لأعلى، زيادة المخاطر الجيوسياسية، واندفاع البنوك المركزية نحو حيازة المعدن الأصفر، وتراجع الرهان على العملات الرقمية في أن تصبح عملة استثمار آمنة أو بديلة للعملات التقليدية، وصدور توقعات متشائمة بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، واستمرار أزمة الإمدادات وموجة التضخم، وهو ما يعني بقاء سياسة التشدد النقدي ورفع الفائدة على العملات الرئيسية.
كما يشكل ضعف العملات العربية مقابل الدولار حافزا قويا للمدخرين وأصحاب الأموال نحو التدافع لشراء الذهب لتفادي الخسائر وسعر الفائدة السلبي بالبنوك وزيادة المخاطر المالية والاقتصادية.
رأينا تدافعا من البنوك المركزية نحو حيازة الذهب مع سعي العديد من دول العالم إلى تكوين احتياطات ضخمة من المعدن النفيس
بالنسبة للعامل الأول رأينا في الفترة الماضية تدافعا من البنوك المركزية نحو حيازة الذهب مع سعي العديد من دول العالم إلى تكوين احتياطات ضخمة من المعدن النفيس وسط تصاعد المخاطر الجيوسياسية والتضخم المرتفع، والأهم أنه وسيلة للتحوط للدول.
فأحدث البيانات الصادرة عن مجلس الذهب العالمي تشير إلى شراء صناديق الاستثمار الدولية 32 طن ذهب في شهر مارس/ آذار الماضي وبما يعادل 1.9 مليار دولار، كما رفعت 7 دول، هي روسيا والصين وتركيا وسنغافورة والمكسيك والهند وأوزبكستان، احتياطياتها من الذهب، وبلغت مشتريات البنوك المركزية 52 طن ذهب خلال شهر فبراير/ شباط الماضي، واستمرت موجة الشراء خلال شهر مارس الماضي.
وارتفعت حيازة روسيا من الذهب طوال العام الماضي وبواقع مليون أوقية ليرتفع الإجمالي إلى 74.9 مليون أوقية في نهاية فبراير 2023، مع اتجاه البنك المركزي الروسي لشراء مزيد من المعدن النفيس وسط العقوبات الغربية ضد موسكو وفي إطار خطة روسيا التخلي عن العملة الأميركية.
أيضا عززت الصين احتياطاتها من الذهب للشهر الخامس، واشترت في شهر مارس 18 طن ذهب، ليصل احتياطها إلى 2068 طناً، كما أشترت 102 طن في أربعة شهور.
تركيا بنت أكبر احتياطي من الذهب في تاريخها، وحافظت على مكانتها كأكبر مشتر للذهب على مستوى العالم خلال الفترة الماضية
وتركيا بنت أكبر احتياطي من الذهب في تاريخها، وحافظت على مكانتها كأكبر مشتر للذهب على مستوى العالم خلال الفترة الماضية، حيث اشترت في يناير/ كانون الثاني الماضي 23 طناً من الذهب، رفعت بها رصيدها منه إلى 565 طناً، وهو أعلى مستوى تصل إليه على الإطلاق، وفق بيانات مجلس الذهب العالمي.
بالنسبة للعامل الثاني المتعلق بالعملات المشفرة، فإن الضربات الموجعة التي تعرضت لها هزت ثقة المستثمرين والمراهنين بها خاصة بعد ما جرى لعملة بيتكوين الشهيرة التي تكافح للوصول إلى سعر 30 ألف دولار بعدما تجاوزت 69 ألف دولار في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني 2021. كما ضربت السرقات الضخمة لهذه العملات ثقة المستثمرين والبنوك المركزية.
بالنسبة للعوامل الأخرى، فإن أخطرها يتعلق بزيادة المخاطر حول العالم سواء المتعلقة بأزمات أوكرانيا وتايوان ومنطقة الشرق الأوسط، أو توقعات البنك الدولي وغيره من المؤسسات المالية الكبرى بحدوث تراجع في معدل النمو العالمي خلال 2023.
أو تتعلق تلك المخاطر بالمواجهة الاقتصادية والتجارية المحتملة بين الولايات المتحدة والصين، أو بأزمة المصارف العالمية واهتزاز ثقة المودعين، حيث زاد تهافت المستثمرين على الذهب بكميات كبيرة عقب انهيار بنك "سيليكون فالي" الأميركي يوم 12 مارس الماضي.
ولأن الأزمات الاقتصادية والمالية حول العالم مرشحة للتصاعد، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة، فإن سعر المعدن الأصفر مرشح للارتفاع، إذ عادة ما يظهر بريق الذهب في أوقات الفوضى والقلاقل والحروب.
ساعتها يتبع المستثمرون نهجاً متحفظاً في إدارة أموالهم ومحافظهم المالية تفادياً للتعرض للخسائر الفادحة التي قد تخرجهم من السوق وربما تدفعهم نحو الإفلاس.