الدولار يؤرق العراقيين: دعوات لدعم الدينار بعد صعود النفط

13 مارس 2021
خلال احتجاج ضد خفض سعر الدينار (مرتضى السوداني/ الأناضول)
+ الخط -

تسجل أسعار النفط ارتفاعات قياسية رافعة البرميل إلى أكثر من 69 دولاراً. الإيرادات العامة في العراق المرتكزة على الموارد الطاقوية، آخذة في الصعود. ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر، تم خفض سعر صرف الدينار. مبرر هذا القرار كان حينها مواجهة العجز المالي المتعلق بالموازنة التشغيلية في البلاد والبالغة نحو 5 مليارات دولار شهرياً. إذ تقول السلطات المالية إن تخفيض قيمة الدينار أدى إلى تراجع الكلفة الشهرية إلى أقل من 4 مليارات دولار.

خفض الدينار هذا تسبب بتزايد الأزمة المعيشية في البلد النفطي، الأسعار ارتفعت، والقدرة الشرائية تراجعت، فيما لا تزال تداعيات فيروس كورونا تهبط بالوظائف والمداخيل، ليصبح الدولار سلعة جديدة تؤرق العراقيين وتزيد من همومهم اليومية.

حراك جديد بدأ داخل البرلمان العراقي يواكب الشارع، ويستهدف إعادة تعديل سعر صرف الدينار العراقي. وكان البنك المركزي العراقي ثبت سعر بيع الدولار للبنوك وشركات الصرافة عند 1450 ديناراً، بدلاً من 1182 ديناراً للدولار الواحد، بهدف تعويض تراجع الإيرادات العامة في البلاد وسد فجوة التضخم في ميزانية 2021 بعد انهيار أسعار النفط العالمية خلال الفترة الماضية.

نواب في البرلمان يؤكدون عدم وجود مبرر لبقاء سعر الصرف منخفضا مع عودة انتعاش أسعار النفط. خبراء يعتبرون أن القرار لا يمكن العدول عنه بسهولة وأنه سيخلق إرباكاً كبيراً في السوق قد يكون أكبر من الذي سببه تخفيض قيمة الدينار أول مرة في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي.

البعض يعتبر الحراك النيابي شعبوياً، البعض الآخر يدعم مطالبات النواب، باعتبارها ضغطاً قد يعدل السياسات الحكومية السائدة. والكل يسأل: ماذا بعد صعود النفط؟ وماذا لو استمر في مسار الارتفاع هذا، هل سيتم تعديل سعر صرف الدولار في البلاد حينها؟

يقول النائب صباح العكيلي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن سعر صرف الدولار لم يتغير نتيجة العرض والطلب وإنما بقرار من الحكومة العراقية والبنك المركزي لتقليص العجز الكبير في الموازنة العامة. لذلك الحكومة العراقية والبنك المركزي وبعد ارتفاع أسعار النفط ملزمان بتعديل سعر صرف الدولار وإعادة رفع سعر الدينار، أو تقديم الدعم الى الطبقات الفقيرة التي تأثرت بشكل كبير جداً نتيجة لارتفاع الدولار".

ويضيف أن "بقاء سعر صرف الدولار على وضعه الحالي في ظل تدهور الوضع المعيشي لمعظم العائلات العراقية سيوّلد ضغوطاً سياسية وشعبية كبيرة على الحكومة العراقية ووزارة لمالية". ويشير العكيلي إلى أن "الوضع الاقتصادي للعراق تحسن نوعاً ما، وأن نسبة العجز في الموازنة العامة انخفضت إلى النصف بسبب عودة ارتفاع أسعار النفط، ولا داعي لبقاء سعر صرف الدولار على ما هو عليه، لما فيه من تأثير كبير على الطبقة الفقيرة".

لكن عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي احمد حمه رشيد يستبعد إمكانية إعادة سعر صرف الدولار في الوقت الحالي، إلى ما كان عليه نهاية العام الماضي.

ويقول رشيد في حديث مع "العربي الجديد" إن البنك المركزي يعتبر سلطة مستقلة، ولا يمكن التدخل في سياسته النقدية، لذلك فإنه من غير الممكن تغيير سعر الصرف مرة أخرى في الوقت الحالي بعد أن تم تثبيته على 1450 ديناراً لكل دولار".

ويبيّن إن" قرار تثبيت سعر صرف الدولار على 1450 ديناراً وفر للدولة 23 تريليون دينار وسد فجوة التضخم في ميزانية 2021، لا سيما أن نسبة العجز في الموازنة لهذا العام تتجاوز 70 تريليون دينار عراقي".

وحول الدعوات التي أطلقها بعض النواب لتعديل سعر صرف الدولار، يضيف رشيد أن" هذه الدعوات تُعد جهلاً بسياسة سعر الصرف وعمل السلطة النقدية"، مشيراً إلى أنه" لا نية لدى الحكومة العراقية ولا البنك المركزي بإعادة أو تخفيض سعر صرف الدولار في الوقت الحالي".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

من ناحيته، يقول عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي جمال جوكر في تصريح صحافي إن البرلمان العراقي يشهد حراكاً سياسياً لإعادة سعر صرف الدينار العراقي إلى ما كان عليه سابقا أمام الدولار، لافتاً إلى أن " قادة الحراك داخل قبة البرلمان جمعوا عددا من التواقيع من أجل تقديمها كمقترح إلى اللجنة المالية".

ويضيف أنه "لا اللجنة المالية ولا البرلمان من صلاحياتهما تعديل أو إعادة سعر الصرف على ما كان عليه سابقا وهذا من صلاحيات البنك المركزي فقط باعتباره سلطة مستقلة"، مشيرا إلى أن الحكومة من الصعب أن تذهب في الوقت الحالي إلى إعادة أو تعديل سعر صرف الدولار، كونه يحتاج إلى إعادة صياغة مشروع موازنة 2021 من جديد".

وكان النائب الأول لرئيس البرلمان حسن الكعبي قد دعا إلى ما وصفه بـ"وقفة نيابية لإرجاع سعر صرف الدولار إلى السعر السابق"، وقال الكعبي في بيان رسمي إن "خفض سعر صرف الدينار أثر بشكل سلبي على حياة المواطنين وللاستقرار الاقتصادي للبلد بشكل عام ولا بد من وقفه جادة وعاجلة لجميع أعضاء البرلمان لإرجاع سعر الصرف إلى ما كان عليه في السابق".

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، إن "الدعوات التي أطلقها عدد من النواب من اجل إعادة سعر صرف الدولار لن تغير من الأمر شيئا"، مبيناً أن "هذه الدعوات التي أطلقتها كتل ونواب في البرلمان العراقي لا تتعدى كونها دعاية انتخابية لإرضاء جماهيرها".

ويضيف أن "البرلمان لا يمتلك الصلاحية للتدخل في شؤون السياسة النقدية، وأن تغيير سعر صرف الدينار إلى 1450 لكل دولار لم يكن بإرادة البنك المركزي، وإنما نتيجة للضغوط التي مارستها الحكومة العراقية"، معتبراً ذلك "تدخلاً سافرا في السياسة النقدية".

ويشير المشهداني إلى أن "كل الدعوات النيابية لتغيير سعر صرف الدولار ليست لها أي جدوى، وأي تلاعب بسعر الصرف في ظل الوقت الحالي والإدارة الحالية، سيحدث إرباكا كبيراً في السوق العراقية قد يكون أكثر ضررا على المواطنين نتيجة لطبيعة التعاملات المالية التي تتم غالبيتها بالدولار".

ويشدد المشهداني على ضرورة اتخاذ الحكومة العراقية إجراءات عاجلة لحماية المواطنين في الفترة المقبلة والسيطرة على السوق العراقية، لا سيما أن شهر رمضان على الأبواب، إذ دائما ما يكون هذا الشهر ثقيلاً على العراقيين بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية. كما يدعو الحكومة العراقية إلى مراعاة الظروف الصحية والاقتصادية التي تعاني منها ملايين الأسر العراقية.