تتناول وسائل الإعلام حالياً توجه المزيد من دول العالم إلى التخلي التدريجي عن الدولار، مع ترجيح أن يكون استخدام اليوان الصيني، هو البديل في التعاملات التجارية.
واستشهد المتناولون باتخاذ الإمارات أخيراً خطوة جادة في هذا المجال، حين صدّرت للصين ما يقرب من 65 ألف طن من الغاز الطبيعي المسال، وحصلت على قيمتها باليوان الصيني، فيما اعتُبرت أولى صفقات أكبر مستورد للغاز في العالم، التي تجري تسويتها بعملته المحلية.
ولم يكن القرار الإماراتي مفاجئاً، حيث كان تسعير النفط والغاز باليوان في بورصة شنغهاي حاضراً أخيراً على أجندة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهو ما ظهر في دعوة سبق أن وجهها الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى دول الخليج عندما زار السعودية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، "للاستفادة الكاملة من بورصة شنغهاي للبترول والغاز كمنصة لتسوية تجارة النفط والغاز باليوان".
وسبقت الإمارات السعوديةُ، حين أعلنت قبل عدة أسابيع انفتاحها على تسعير جزء من نفطها باليوان الصيني بدلاً من الدولار، ما أثار قلق البعض من الاقتراب من نهاية عصر سيطرة الدولار الأميركي على أغلب التعاملات التجارية والاستثمارية والاقتصادية في العالم.
ورغم أن أغلب المسؤولين الأميركيين لا يأخذون هذه التخوفات على محمل الجد، فقد حذرت مونيكا كرولي، المستشارة الأميركية السابقة لوزير الخزانة، من أنه "إذا قررت دول أوبك السير على خطى السعودية، ببيع النفط بعملات أخرى، فهذا سيعني انهيار النظام الاقتصادي الأميركي، وسيكون بمثابة كارثة كبرى للاقتصاد الأكبر في العالم".
وجاء قرار البرازيل، أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية، بالتعامل باليوان في تجارتها مع الصين، البالغة نحو 150 مليار دولار سنوياً، ليكون بمثابة زلزال نقدي في الولايات المتحدة. وكشفت وكالة "شينخوا" الصينية أن اليوان أصبح ثاني أكبر عملة احتياطية في البرازيل، متجاوزاً اليورو، حسبما أعلن البنك المركزي البرازيلي.
أيضاً أعلنت روسيا، الواقعة حالياً تحت حزمة عقوبات اقتصادية غربية ضخمة، دعمها "استخدام اليوان في العمليات التجارية بين روسيا ودول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية"، فيما اعتبر خطوة بالغة التأثير، من أحد عمالقة النفط والغاز في العالم، لتسعير تجارته الخارجية باليوان.
أيضاً قررت الهند تسديد جزء من وارداتها الضخمة من النفط الروسي بالدرهم الإماراتي بدلاً من الدولار، وشرعت دول رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان"، هي الأخرى، في تقليل الاعتماد على الدولار في المبادلات التجارية، والتوجه نحو التعامل بالعملات الوطنية فيما بينها.
ومع ذلك، لا يزال الدولار متربعاً على عرش العملات العالمية، ولا تشير التوقعات إلى اختفاء هيمنته في وقت قريب كما يروج البعض، رغم تصاعد أهمية اليوان الصيني يوماً عن الآخر. لكن في الوقت نفسه لا توجد توقعات مبنية على أسس مقنعة، حتى الآن، تشير إلى إمكانية أن يحل اليوان محل الدولار كعملة احتياطية عالمية، إلا في حالة حدوث تغييرات جذرية في الاقتصاد الصيني.
ويؤكد صندوق النقد الدولي أنه بالرغم من تراجع حصة الدولار الأميركي في احتياطيات البنوك المركزية العالمية في السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يزال يمثل ما يقرب من 60% من إجمالي تلك الاحتياطيات مجتمعة.
كذلك، يظل تفوق العملة الخضراء في التجارة العالمية جلياً، حيث تُصدَر فواتير بما تصل قيمته إلى أكثر من نصف التجارة العالمية بالدولار، وهو أعلى بكثير من حصة الولايات المتحدة في التجارة الدولية نفسها، وفقاً لبنك التسويات الدولية.
أيضاً يُستخدَم الدولار لتسوية الصفقات الدولية التي لا تشمل أطرافاً أميركية. وتستخدم الشركات الكبرى العملة الخضراء لتوفير أغلب ما تحتاج من تمويل، حتى إن ما يقرب من نصف القروض العابرة للحدود وأوراق الدين الدولية مقومة بالدولار الأميركي. ويمثل الدولار وحده 88% من تداول العملات الأجنبية، وفقاً لمسح أجراه بنك التسويات الدولية العام الماضي، حيث تشجع أسواق رأس المال الأميركية الشركات خارج البلاد على الاستثمار فيها، وتستقطب مليارات الدولارات منها.
ورغم ذلك، وبسبب استخدام الولايات المتحدة الدولار كسلاح سياسي، تحاول بعض الدول، مثل تلك التي تواجه عقوبات أميركية، إيجاد بدائل أخرى، مثل اليوان الصيني، لاستخدامها في تعاملاتها الخارجية. لكن في العام الماضي، استحوذت العملة الصينية على ما لا يتجاوز 2.7% من الاحتياطيات الأجنبية العالمية.
وبعيداً عن العوامل النفسية، وما تفرضه أميركا من سياسات بسيطرتها على العديد من المؤسسات الدولية، يبدو واضحاً أن أهم العوائق لاستخدام اليوان على نطاق واسع، أن الصين ما زالت تفرض ضوابط صارمة على تحركات رأس المال، وهو ما يحدّ من قدرة الشركات الأجنبية على الاستثمار والاقتراض باليوان، خارج نطاق الاستخدام المباشر له في الصين، وهو ما يعني أن الصين نفسها هي أكبر مانع لتحوّل التجار والمستثمرين وجميع أنواع المتعاملين إلى العملة الصينية.
ومع تنامي ضلوع الصين في التجارة الدولية، على مدار السنوات الأخيرة، تبدو الصين قريبة من فرض تسوية للمزيد من التعاملات مع البلدان الأخرى بعملتها، إلا أن المستثمرين يحتاجون أيضاً إلى ملاذات آمنة لليوان الخاص بهم، يمكن لهم الاحتفاظ به فيها دون شروط مجحفة، كما هو الحال مع الدولار.
ومن ناحية أخرى، لا تزال هناك عوائق ومشاكل تواجه الأجانب في الصين، ولا يزال سوق اليوان الخارجي صغيراً، مقارنةً بباقي العملات العالمية. وإن أرادت بكين أن تطيح الدولار عن عرش عملات العالم، سيتعين عليها إحداث تغييرات هائلة في اقتصادها، يأتي في مقدمتها فتح المجال لتداول عملتها في الأسواق الخارجية بلا قيود، والسماح بمعدل ادخار محلي أقل، وكلا الأمرين يشكل تحدياً مباشراً لنموذج النمو الذاتي للصين، الذي يعتمد كثيراً على الصادرات ورأس المال الرخيص المملوك للدولة.
لذلك، يمكننا القول إن دولار العم سام بمأمن من اليوان الصيني، على الأقل في المدى المنظور، ولكن لا أحد يعلم ماذا تخبئ الأيام.