فشل السودان للمرة الخامسة في فتح المعابر الحدودية مع دولة جنوب السودان لتسهيل عملية التبادل التجاري وحركة البضائع والسلع بينهما، رغم استعجال حكومة جوبا سلطات الخرطوم بضرورة فتح المعابر بشكل متكرر، عقب اتفاق الحكومة السودانية مع حركات الكفاح المسلح في العاصمة جوبا، في خطوة مهمة لحلّ الصراعات عميقة الجذور التي تعود إلى عهد الرئيس السابق عمر البشير.
وكان الطرفان قد اتفقا أيضاً على تنشيط التجارة بينهما، على أن تبدأ أولى المعاملات الرسمية مع دولة جنوب السودان نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلّا أنّ الاتفاق لم ينفذ على أرض الواقع ما دعا دولة جنوب السودان إلى إرسال وفد برئاسة المستشار كاستيلو قرنق، لحث الجانب السوداني على تنفيذ الاتفاق بينهما.
وذكرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" أنّ الحكومة السودانية مصرة على شروط عدة لفتح المعابر وتنشيط التجارة، وفقاً للتعاملات الدولية، وهذا ما ترفضه دولة جنوب السودان ما جعلها تتوجه إلى التعامل التجاري على حدودها مع دولتي أوغندا وكينيا، كما تسبب ذلك في انتعاش عمليات تهريب السلع السودانية إلى دولة الجنوب.
وخلال الشهر الجاري، وقعت في جوبا اتفاقية تعاون مشتركة بين هيئة الجمارك السودانية، ومفوضية جمارك جنوب السودان، بشأن المعابر الحدودية بين البلدين، تقضي بفتح المعبر البري بمنطقة جودة والميناء النهري بمدينة كوستي، لتسهيل التبادل التجاري، وحركة البضائع والسلع بين الدولتين.
ومنذ قررت الحكومة السودانية في عام 2012 إغلاق الحدود مع دولة جنوب السودان لم تنتظم الحركة التجارية. وظلت دولة الجنوب التي تمتلك أطول حدود مع السودان (ألفا كم) والمصنفة ضمن الدول المغلقة التي لا تملك منفذاً بحرياً، فضلاً عن حداثة عمرها (تأسست عام 2011)، تعتمد على أكثر من 70 سلعة سودانية، الأمر الذي جعل من إغلاق الحدود أكبر كارثة عليها ومحفزاً لتهريب السلع والبضائع.
الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان، قال لـ"العربي الجديد" إنّ التجارة بين الدولتين ظلت متعثرة منذ استقلال دولة جنوب السودان، وذلك يرجع أساساً لعدم تفهم المسؤولين في السودان طبيعة العمل التجاري في دولة الجنوب التي لا تخضع للضوابط المعروفة التي تنظم تجارة الصادر والوارد.
وتتعامل دولة جنوب السودان مع دول الجوار وفق مفهوم تجارة الحدود التي تخضع لضوابط قليلة جداً، تتمثل في حظر الممنوعات، لكن معظم عمليات التجارة تجري بعملات الدول المجاورة، ويقع العبء على المصدّر في تغيير أمواله للعملات التي يرغب عن طريقها تقييم واردات السلع من دولة جنوب السودان.
ومن هذا المنطلق، يرى عثمان أنّ الحكومة السودانية عليها تشجيع التجارة مع دولة جنوب السودان، وفق مفهوم التجارة الحدودية، وترك مهمة استرداد قيمة السلع للتجار السودانيين، أما في حالة الإصرار على اتباع أساليب الصادر والوارد الرسمية فلن تجدي عملية فتح المعابر الحدودية.
ظلت دولة الجنوب التي تمتلك أطول حدود مع السودان (ألفا كم) والمصنفة ضمن الدول المغلقة، لا تملك منفذاً بحرياً
ومن جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية محمد الناير، أن قضية فتح المعابر تأخرت كثيراً، ومنذ انفصال دولة جنوب السودان في عام 2011 كان يجب ألا تكون هناك أي إشكالات في تصدير النفط، إذ كانت هناك عوائق إدارية عدة، فضلاً عن المشاكل الأمنية، ما جعل دولة جنوب السودان تبحث عن قنوات تصدير أخرى.
يضيف الناير لـ"العربي الجديد" أنّ من الأجدى للدولتين تحديد معابر رئيسية حتى تقوم الجهات المعنية بإنشاء مكاتبها وسلطات الجمارك والمواصفات والسعي لفتح بنوك فيها من قبل الطرفين لتسهيل الإجراءات.
وتابع: ما يزيد من المنفعة الاقتصادية للبلدين أنّ دولة الجنوب تعتمد في أكثر من 70 سلعة على السودان، ونسبة كبيرة منها ينتج محلياً. وتبلغ عدد المعابر الحدودية مع دولة جنوب السودان 9 معابر، إلّا أنّها لم تفعّل لعدم وجود ضوابط وقوانين تحكم التجارة بين البلدين بجانب عدم استقرار الولايات الحدودية.
وتصب توقعات خبراء اقتصاد في اتجاه ارتفاع عائدات التبادل التجاري السنوي بين البلدين إلى ملياري دولار سنوياً عقب فتح المعابر، لكن بشرط تقديم تسهيلات كافية للتجار من الطرفين.
وكان احتلال منطقة هجليج الحدودية بين البلدين والغنية بالنفط من قبل حكومة جنوب السودان في شهر إبريل/ نيسان من العام 2012 سبباً في إعلان حالة الطوارئ وإغلاق الحدود بين البلدين.
وتعاني المناطق الحدودية بين السودان وجنوب السودان من اضطرابات أمنية على فترات متكررة، الأمر الذي ينعكس سلباً على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.