الحكومات تهبّ لكبح التضخم والركود.. ماذا فعلت في سبتمبر 2022؟

08 سبتمبر 2022
غلاء المعيشة أصبح يهدد الطبقة الوسطى حتى في الدول الغنية (Getty)
+ الخط -

أمام موجة التضخم العاتية التي تعصف بشعوبها وميزانياتها العامة، تبدو الحكومات متخبطة وهي تسعى بتكاليف ضخمة لكبح موجة الغلاء الفاحش وتلافي اضطرابات اجتماعية هي بغنى عنها. تدابير مختلفة اتخذتها السلطات محاولة ضبط أوضاعها، فماذا فعلت في سبتمبر/أيلول؟

الولايات المتحدة

ارتفعت تكاليف الطاقة والغذاء ووصل التضخم الأميركي إلى أعلى معدل له منذ عام 1981، وقالت وزارة العمل إن معدل التضخم السنوي ارتفع إلى 8.6% في مايو/أيار الماضي، حيث فرض ارتفاع تكلفة المعيشة أعباء كبيرة على كاهل الأسر وضغوطا على صنّاع السياسات للسيطرة على الوضع.
واعتبرت الرئيسة الجديدة لبنك الاحتياطي الاتحادي في بوسطن سوزان كولينز أمس الأربعاء، أن إعادة التضخم إلى مستوى 2% المستهدف هي "المهمة الأولى" لمجلس الاحتياطي الاتحادي وأنه في حين أن البنك المركزي رفع أسعار الفائدة بشكل كبير فإن هناك حاجة "لعمل المزيد".

وكانت كولينز تتحدث في أول مقابلة مع وسائل الإعلام منذ تولت منصبها هذا الصيف، وقالت إن "من السابق لأوانه في الوقت الحالي الحديث بشكل محدد بشأن ما هو التحرك الأنسب للسياسة النقدية الذي سيكون في سبتمبر/أيلول"، مشيرة إلى اجتماع لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي الأميركي في 20 و21 سبتمبر.

ومن المتوقع أن يقرر صانعو السياسة النقدية بمجلس الاحتياطي الاتحادي في ذلك الاجتماع هل يرفعون سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 75 نقطة أساس للمرة الثالثة على التوالي، أو يقررون زيادة أصغر قدرها 50 نقطة أساس.

المملكة المتحدة

في لندن، دعت عضو لجنة السياسة النقدية في بنك إنكلترا المركزي كاثرين مان إلى اتخاذ "إجراء قوي" لاحتواء التضخم الآخذ في الارتفاع. وقالت في تصريح بثته شبكة "بلومبيرغ"، إن الاتجاه التصاعدي في التوقعات حول أسعار المستهلك أصبح "واضحا"، معتبرة أنه "لا يمكن للمسؤولين أن يكونوا راضين عن ذلك".

وأضافت أنه باتت هناك حاجة "للتصرف بقوة أكبر الآن، لضمان ألا يصبح الانجراف هو القاعدة"، مشيرة إلى أن الهدف من هذا هو تجنب الاعتماد على انكماش أعمق وأطول لإعادة التضخم إلى المستوى المستهدف.

وتشير كلمات عضو لجنة السياسة لدى بنك إنكلترا إلى أنها قد تدعم المزيد من رفع أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة، بعدما كان المصرف المركزي قد قرر في أوائل أغسطس/آب الماضي رفع أسعار الفائدة على الجنيه الإسترليني 50 نقطة أساس، ليكون بذلك قد سجل أكبر زيادة في أسعار الفائدة منذ 27 عاما.

ومع هذا الارتفاع، وصل سعر الفائدة في بريطانيا إلى 1.75%، في مسعى من الحكومة لكبح جماح التضخم، الذي يتوقع أن يصل إلى 13% أواخر العام الجاري. وكان هذا الارتفاع هو السادس على التوالي من البنك المركزي في إنكلترا، كما أنه أكبر زيادة في أسعار الفائدة منذ إنشاء لجنة السياسة النقدية في عام 1997.

ألمانيا

وقبل أيام، كشفت الحكومة الألمانية عن خطة بمليارات اليوروات لتخفيف الأعباء المالية للأُسر وسط تراجع إمدادات الغاز الروسي وارتفاع فواتير الطاقة، وقالت إنها تدرس استخدام جزء من أرباح استثنائية حققتها شركات الطاقة لدعم تمويل الخطة.

وستضمن التدابير السريعة، استعدادا لفصل الشتاء البارد، أن تكون ألمانيا "قادرة على مواجهة هذا الشتاء"، بحسب ما أعلنه المستشار الألماني أولاف شولتز خلال الكشف عن حزمة المساعدة البالغة 65 مليار يورو (65 مليار دولار).

وترفع الخطة الأخيرة حجم المساعدة الإجمالية منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا إلى 100 مليار يورو. وتتضمن بنود أحدث خطة لمكافحة التضخم دفعة لمرة واحدة لملايين المتقاعدين الضعفاء وخطة لاستخدام جزء من الأرباح الاستثنائية لشركات الطاقة.

وتأتي حزمة المساعدة الحكومية الأخيرة، بعد يومين من إعلان شركة الطاقة الروسية العملاقة "غازبروم" أنها لن تستأنف إمدادات الغاز عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1" كما كان مخططا له بعد أعمال صيانة لثلاثة أيام.

ويأتي هذا الإعلان في أعقاب حزمتين سابقتين من المساعدات يبلغ مجموعهما 30 مليار يورو، تضمنتا خفض الضريبة على البنزين ودعما ماديا كبيرا لتذاكر النقل. ومع انتهاء مدة العمل بالعديد من هذه الإجراءات في نهاية أغسطس واستمرار ارتفاع أسعار الطاقة، واجهت الحكومة ضغوطا لتقديم مساعدة جديدة.

وارتفع مستوى التضخم مجددا إلى 7.9% في أغسطس، بعد انخفاضه لشهرين على وقع انعكاسات تدابير المساعدة الحكومية. ومن المتوقع أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى ارتفاع التضخم في ألمانيا إلى حوالى 10% بحلول نهاية العام، في أعلى معدل منذ عقود.

ومكررا شعاره أن الألمان "لن يسيروا وحدهم" في أزمة الطاقة، كشف المستشار عن مجموعة من التدابير من بينها دفع 300 يورو لمرة واحدة لملايين المتقاعدين لمساعدتهم على تسديد فواتير الطاقة المرتفعة. وستشمل الحكومة أيضا الطلاب بدفعات قدرها 200 يورو لمرة واحدة، كما ستغطي تكلفة التدفئة للأشخاص الذين يتلقون مساعدات إسكان.

كما خصصت برلين 1.5 مليار يورو لإعداد بديل للتذكرة الشهرية البالغة 9 يوروات على شبكات النقل المحلية وبين المناطق، علما أن "هذه الإجراءات مدرجة في خطط الميزانية الحالية للحكومة" لعامي 2022 و2023 مع تغطية الباقي من التدابير الخاصة بالأرباح الاستثنائية لشركات الطاقة.

هولندا

في هذا البلد، قفزت نسبة التضخم إلى مستويات لم تسجلها منذ العام 1945 بعدما تجاوزت نسبة 12% هذا الشهر. وأفاد المكتب المركزي الهولندي للإحصاءات، في بيان له، بأن أسعار الاستهلاك في البلاد ارتفعت بنسبة 10.3% على أساس سنوي في يوليو/تموز الماضي.

وأوضح أن الزيادة البالغة 12% في أغسطس/آب الماضي تشكل مستوى قياسيا، منذ بداية تسجيل أرقام شهرية في العام 1963، مشيرا إلى أن "الطاقة حاليا هي مساهم رئيسي في التضخم العالمي"، مضيفا أن "الطاقة كانت أعلى بنسبة 151% الشهر الفائت مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، وكانت 108 بالمائة في يوليو، علما أن مستويات التضخم في هولندا ظلت، على مدار العقود الأربعة الماضية، دون مستوى 10% بفضل التحكم في السياسة المالية.

البرتغال

هذا وأعلنت حكومة البرتغال قبل أيام عن حزمة إجراءات إضافية قيمتها 2.4 مليار يورو (2.38 مليار دولار) لمساعدة الأسر في التغلب على زيادات حادة في التضخم. وقال رئيس الوزراء أنطونيو كوستا إن الإجراءات الجديدة تتضمن خفض ضريبة القيمة المضافة على الكهرباء إلى 6% من 13%، ودعما يقدم لمرة واحدة للأسر منخفضة الدخل، ودفع نصف شهر إضافي من معاشات التقاعد لكل المتقاعدين.

وقال كوستا إن هذه الإجراءات ترفع القيمة الإجمالية لمساعدات التضخم هذا العام إلى 4 مليارات يورو. وشملت حزم الإجراءات السابقة دعما غذائيا استفادت منه أكثر من مليون من الأسر الأكثر فقرا وآلية خفضت الضرائب على الوقود بقدر يعادل تخفيض ضريبة القيمة المضافة من 23% إلى 13%.

وسجل التضخم في البرتغال 9% على أساس سنوي في أغسطس، أو أكثر من ضعفي التوقعات في موازنة 2022 والبالغة 4%.

تركيا

في تركيا، أظهرت بيانات ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى أعلى مستوى له في 24 عاما عند 80.21% في أغسطس الماضي، بعدما قرر البنك المركزي خفض سعر الفائدة بشكل غير متوقع الشهر الماضي، لكن البيانات ظلت دون التوقعات.

وارتفع معدل التضخم منذ الخريف الماضي، عندما تراجعت الليرة بعدما خفض البنك المركزي تدريجيا سعر الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس إلى 14%، في دورة تيسير غير تقليدية طالب بها الرئيس رجب طيب أردوغان.

ورغم توقع عدم انخفاض التضخم في الأشهر القليلة المقبلة، فقد خفض البنك سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 100 نقطة أساس أخرى الشهر الماضي إلى 13%، فيما أرجعه إلى مؤشرات على تباطؤ الاقتصاد.

وقال معهد الإحصاء التركي إن أسعار المستهلكين ارتفعت على أساس شهري 1.46%، مقارنة بتوقعات في استطلاع لـ"رويترز" عند 2%. وعلى أساس سنوي، كان من المتوقع أن يبلغ تضخم أسعار المستهلكين 81.22%. وارتفع مؤشر أسعار المنتجين المحليين 2.41% على أساس شهري في أغسطس بزيادة سنوية 143.75%.

وتلك أعلى قراءة منذ أغسطس 1998، عندما بلغ التضخم السنوي 81.4% وكانت تركيا تكافح لإنهاء عقد من التضخم المرتفع المزمن. وشهد قطاع النقل أعلى معدل سنوي للتضخم، إذ ارتفعت الأسعار 116.87% على أساس سنوي رغم انخفاض الأسعار في القطاع 1.78% على أساس شهري. وقفزت الأسعار في قطاع الأغذية والمشروبات غير الكحولية 90.25%.

وأدت التداعيات الاقتصادية لغزو أوكرانيا إلى تفاقم التضخم هذا العام، فضلا عن استمرار تراجع الليرة. وهبطت العملة 44% مقابل الدولار العام الماضي، وانخفضت أكثر من 27% هذا العام.

وقالت الحكومة إن التضخم سينخفض، مع إعطاء الأولوية في برنامجها الاقتصادي لخفض سعر الفائدة بهدف تعزيز الإنتاج والصادرات من أجل تحقيق فائض في حساب المعاملات الجارية. ووفقا لتوقعات الحكومة، من المنتظر أن ينخفض التضخم إلى 65% بحلول نهاية العام.

اليابان

وفي طوكيو، قال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا قبل أيام، إن لجنة حكومية يابانية مكلفة بمعالجة قضايا ارتفاع الأسعار والأجور ستواصل اجتماعاتها للنظر في إجراءات إضافية لازمة للتصدي لتلك القضايا، معتبرا أن على الحكومة مراجعة وزيادة الدعم من أجل استخدامه بشكل فعال لمواجهة ارتفاع الأسعار.

وتابع: "أودّ تحديد إجراءات إضافية وتنفيذها دون تردد"، مضيفا أنه يدرك أهمية تقديم الدعم بما يتناسب مع احتياجات المجتمعات المحلية، علما أن كيشيدا يضع مسألة معالجة تأثير ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية والمواد الخام على الشركات والمستهلكين ضمن قائمة أولوياته، وأصدر تعليمات لحكومته الشهر الماضي بوضع إجراءات جديدة في هذا الصدد.

وارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية باستثناء المنتجات الطازجة 2.4% في يوليو على أساس سنوي، وهو ما يعد أعلى مستوى للتضخم في أكثر من 7 سنوات، بحسب بيانات حكومية. وتعكس الأرقام الجديدة تسارعا في التضخم توقعه الاقتصاديون بعدما بلغ 2.2% في يونيو. وللشهر الرابع على التوالي، تجاوزت نسبة التضخم 2% باستثناء المنتجات الطازجة، وهو هدف حدده المصرف المركزي الياباني.

كمبوديا

أما في كمبوديا، فيهدّد ارتفاع الأسعار آلاف الأطفال بسوء التغذية في أحد أكثر البلدان الآسيوية فقرا وهشاشة في مواجهة الصدمات المناخية، ما دفع منظمات غير حكومية إلى إطلاق برامج تعلم الزراعة في المدارس لإيجاد مخرج من الأزمة.

فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية 5.6% على أساس سنوي، فيما طاولت أعلى زيادة أسعار الزيت النباتي التي ارتفعت بنسبة 35% تقريبا، بحسب أرقام نشرها في أيار/مايو برنامج الأغذية العالمي. ويهدد التضخّم المتسارع بنسف الجهود المبذولة لمحاربة سوء التغذية عند الأصغر سنا.

مصر

وفي القاهرة، قفز معدل التضخم السنوي في مصر إلى 15.3% خلال أغسطس الماضي، صعودا من 14.6% في يوليو السابق له، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الذي قال في بيان اليوم الخميس، إن التضخم الشهري تباطأ في أغسطس إلى 0.5% من 0.9% في يوليو.

ويأتي ارتفاع التضخم السنوي مدفوعا بصعود أسعار مجموعة الطعام والمشروبات 24.3%، إذ زادت أسعار مجموعة الحبوب والخبز 50.2%، والزيوت والدهون 32.1%. كما ارتفعت أسعار الألبان والجبن والبيض 26.9% على أساس سنوي في أغسطس، واللحوم والدواجن 23%.

موقف
التحديثات الحية

كذلك، زادت أسعار مجموعة النقل والمواصلات 16.5%، وسط زيادات على أسعار الوقود، الناجمة عن قفزات سجلتها أسعار النفط عالميا خلال العام الجاري، فيما تعاني مصر هذا العام من ارتفاع أسعار السلع المستوردة من الخارج، وهو ما ظهر بصعود فاتورة الواردات 90% إلى أكثر من 9 مليارات دولار شهريا من متوسط 4.5 مليارات دولار سابقا.

تونس

وفي تونس، صعد التضخم السنوي خلال أغسطس الماضي، إلى 8.6%، وسط استمرار تأثيرات ارتفاع أسعار السلع عالميا، بصدارة الطاقة بأنواعها، بحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء الذي قال إن التضخم السنوي صعد من 8.2% في يوليو السابق له.

وأرجع المعهد السبب إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار مجموعة التغذية والمشروبات إلى 11.9% في أغسطس، وأسعار الأثاث التجهيزات والخدمات المنزلية إلى 11.3% والتعليم إلى 10%، فيما تشهد تونس أزمة اقتصادية حادة، فاقمتها تداعيات كورونا، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية جراء حرب أوكرانيا.

يُشار إلى أن تونس شهدت مطلع تسعينيات القرن الماضي مستويات تضخم قياسية تجاوزت 9%، وفوق 16% في الثمانينيات. وفي مارس/آذار الماضي، خفضت وكالة "فيتش" الدولية للتصنيف الائتماني، تصنيف تونس السيادي من مرتبة "B-" إلى "CCC".

المساهمون