الحكومات تستطيع كبح الأسعار إن أرادت

16 سبتمبر 2024
بائع خضروات في أحد أسواق القاهرة يطالع صحيفة محلية (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **دور الحكومة في ضبط الأسعار**: الحكومات تمتلك الأدوات والسياسات لضبط الأسعار وكبح الغلاء، وهي مسؤولة عن استقرار الأسواق ومكافحة التضخم الذي يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

- **استراتيجيات كبح الغلاء**: تشمل وقف تصدير السلع مرتفعة الأسعار، زيادة الدعم للسلع الغذائية، توسيع برامج الحماية الاجتماعية، زيادة المعروض من السلع، فتح باب الاستيراد، وتجميد الضرائب والرسوم.

- **تحسين جودة الإنفاق العام**: يجب إعادة توجيه مخصصات الموازنة لدعم السلع الأساسية، مكافحة الاحتكارات، خفض رواتب المسؤولين، والتخلي عن سياسات النيوليبرالية التي تضر بالمجتمعات الفقيرة.

تستطيع أي حكومة ضبط الأسعار الملتهبة وكبح موجات الغلاء الحالية إن أرادت، فهي تملك الأدوات والسياسات والقدرات المالية والاقتصادية على فعل ذلك، وفوق ذلك تمتلك قوة إنفاذ وتطبيق القانون. وأي حكومة في العالم من أبرز مهامها استقرار الأسواق ومكافحة أي قفزات في أسعار السلع والخدمات، لأن تستمدّ شرعيتها من خدمة المواطن وتلبية احتياجاته الضرورية بتكاليف تتناسب مع دخله.

ولذا عندما تواجه السلطات الحاكمة أزمة في الأسواق الداخلية وقفزات كبيرة في أسعار السلع الرئيسية والغذائية والمعيشية فإنها يجب أن تتحرك فورا وعلى عدة محاور، باعتبار أن للتضخم مخاطر اجتماعية وسياسية واقتصادية كبيرة على الاقتصاد والمواطن ومالية الدولة، فغلاء الأسعار قد يقود لثورات شعبية وقلاقل كما حدث في العديد من دول العالم في فترات مختلفة، والتضخم يدمر العملة المحلية والقوة الشرائية للمواطن وينشر الجريمة ويرفع معدلات الفقر والبطالة والطلاق والدين العام وعجز الموازنة والمشاكل الصحية ومنها التقزم، والأخطر أن الغلاء يهدد أي نظام سياسي قائم مهما كانت قوته وتاريخه وطول فترة بقائه في السلطة.

تحقيق الأمن الغذائي للدولة مهمة يجب أن تعلو فوق أي اعتبار حتى لو كان زيادة الصادرات وموارد الدولة الدلارية

وإذا كانت الحكومة، أي حكومة، راغبة حقا في كبح الغلاء الفاحش وتخفيف الضغط المعيشي عن المواطن فإنها يمكن أن تبدأ من تطبيق تلك الخطوات:

1- وقف تصدير السلع مرتفعة الأسعار أو التي بها ندرة داخل الأسواق، لأن التصدير وحصد النقد الأجنبي لا ينبغي أن يكون على حساب أمعاء وأعصاب المستهلك وضبط الأسواق المحلية، ولأن تحقيق الأمن الغذائي للدولة مهمة يجب أن تعلو فوق أي اعتبار حتى لو كان زيادة الصادرات وموارد الدولة الدلارية، ولنا في تجارب الدول الأخرى عبرة، فالهند حظرت تصدير الأرز الأبيض عندما ارتفع سعره محليا في العام 2023، وقبلها حظرت تصدير القمح في العام 2022.

وكذا فعلت الصين والنرويج وإندونيسيا وكازاخستان وبلغاريا ودول عدة في أميركا اللاتينية مثل الأرجنتين التي أوقفت تصدير الدقيق وزيت الصويا في العام وغيرها، وحظرت أوكرانيا تصدير سبع سلع غذائية منها الملح والسكر واللحوم والماشية والشوفان والشعير لمواجهة ارتفاع الأسعار عام 2022، حتى روسيا وضعت قيودا على صادرات الحبوب الأساسية ومنها القمح والشعير والذرة، في فترات عدة منها من 1 ديسمبر 2023 إلى 31 مايو 2024.

2- زيادة الدعم والمخصصات المالية المقدمة من موازنة الدولة للسلع الغذائية، وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية ونطاقها ودعم الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل وزيادة رقعتها بحيث لا تقتصر على الفقراء والأرامل والمطلقات، بل تشمل شريحة واسعة من موظفي الدولة أصحاب الرواتب المحدودة غير الكافية لمواجهة تكاليف المعيشة.

3-زيادة الحكومة المعروض من السلع في الأسواق عبر الشركات العامة المملوكة للدولة والمؤسسات الرسمية والسحب من المخزون الاستراتيجي، ودخول الدولة منافساً للقطاع الخاص في استيراد السلع التي تواجه نقصا في الأسواق.

4- فتح باب الاستيراد أمام السلع التي تشهد نقصا في الأسواق المحلية، مع تقديم التسهيلات للتجار والموردين من تدبير نقد أجنبي وفتح اعتمادات مستندية ومنح خطابات ضمان وقروض ميسرة وبسعر فائدة منخفض.

ضبط الأسواق ومكافحة الغلاء أهم كثيرا من إقامة كباري ومد طرق وجسور في مناطق نائية أو تدشين قطارات مكيفة للطبقات الثرية، أو شق نهر صناعي

6- إعادة النظر في مخصصات موازنة الدولة وتحسين جودة الإنفاق العام بحيث يتم توجيه جزء مهم منها لدعم السلع الأساسية، فضبط الأسواق ومكافحة الغلاء أهم كثيرا من إقامة كباري ومد طرق وجسور في مناطق نائية أو تدشين قطارات مكيفة للطبقات الثرية، أو شق نهر صناعي.

5- تجميد الدولة العمل بالضرائب والرسوم المطبقة في الأسواق والتي يتسبب تطبيقها في زيادة أسعار السلع ومنها ضريبة القيمة المضافة والمبيعات وغيرها، مع إزالة الضرائب المفروضة على الطبقات الفقيرة وصغار الموظفين.

7- خفض قيمة الدولار الجمركي للسلع الغذائية المستوردة، وهو السعر الذي تستخدمه الجهات الجمركية لتحديد قيمة البضائع المستوردة من أجل احتساب قيمة الجمارك بالدولار، وهذه الآلية معمول بها داخل الدول التي تعتبر الجمارك والضرائب أحد أبرز موارد الإيرادات العامة والممول الرئيسي لموازنة الدولة، وفي حال خفض تلك القيمة فإن هذا يترتب عليه خفض قيمة وكلفة السلع المستوردة، لأن ارتفاع الدولار الجمركي يزيد الأعباء على المنتج والتكلفة على المستورد معا وزيادة أسعار مدخلات الإنتاج والتي تنعكس سلبا على السلع عند طرحها في الأسواق.

8 - مواجهة الاحتكارات والمنافسات الضارة في الأسواق، وتطبيق القانون على مستغلي الأزمات وصائدي الفرص والصفقات الحرام الذين ينشطون في مواسم الغلاء وغياب الدولة.

على الدولة أن تتوقف عن ممارسة دور السمسار والتاجر الشره الذي يسعى إلى تحقيق المزيد من الأرباح والمكاسب حتى لو جاء ذلك على حساب قذف المجتمع في أتون الجوع ومحرقة التضخم

9- خفض رواتب الوزراء وكبار المستشارين والمسؤولين في الدولة، على أن توجه الحصيلة لشراء سلع توزع مجاناً على الطبقات الفقيرة خصوصاً ذوي الفقر المدقع الذين يواجهون صعوبة شديدة في تدبير وجبتين في اليوم ولا أقول ثلاث وجبات.

10- تخلي الدولة عن سياسات النيوليبرالية التي تطبقها والتي تعني تخليها عن دورها الاجتماعي وبيع السلع بكلفتها الحقيقية وطبقا للأسعار العالمية، فهذه السياسات قد تصلح للمجتمعات المرفهة ذات الدخل المرتفع والأسواق المستقرة، لكنها لا تصلح للمجتمعات عالية الفقر والأسواق التي تتسم بالفوضى.

11- توقف الدولة عن ممارسة دور السمسار والتاجر الشره والمرابي الذي يسعى إلى تحقيق المزيد من الأرباح والمكاسب حتى لو جاء ذلك على حساب قذف غالبية أفراد المجتمع في أتون الجوع ومحرقة التضخم والغلاء.

المساهمون