الحصاد المر لتعويم الجنيه المصري

04 مايو 2017
نساء مصر يتظاهرن رفضاً لارتفاع الأسعار ( العربي الجديد)
+ الخط -
عقب الإعلان عن قرار تعويم الجنيه المصري يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، انبرى الجميع للدفاع عن هذا القرار الذي وصفوه بالتاريخي وغير المسبوق والجريء، فأصحاب القرار ورموز السلطة ربطوا بين تعويم الجنيه وتحسن مؤشرات الاقتصاد المصري وزيادة معدل النمو وإحداث قفزة في موارد البلاد من النقد الأجنبي.

فالتعويم، حسب هؤلاء المسؤولين، سيعمل على زيادة الصادرات الخارجية بمعدلات غير مسبوقة، وسيعالج العجز الضخم في الميزان التجاري، لأنه سيجعل السلع المصرية رخيصة في الأسواق العالمية مقارنة بسلع الدول الأخرى، كما أنه سيفتح الباب على مصراعيه أمام المنتجات المصرية لغزو الأسواق الخارجية شرقها وغربها.

وتعويم الجنيه سيعيد الانتعاش لقطاع السياحة المتهاوي والمتردي، ذلك لأنه سيجعل مصر دولة رخيصة أمام السياح الأجانب، ومع خفض قيمة العملة المحلية مقبل الدولار فإن ذلك يجعل أسعار الفنادق والطيران المصرية أرخص سعراً وأقل كلفة، مقارنة بمقاصد سياحية أخرى.

والتعويم سيقنع ملايين المصريين العاملين بالخارج بزيادة تحويلاتهم للداخل، والاستفادة من الطفرة التي حدثت في سعر العملات الأجنبية والعربية على حد سواء، وسيزيد الطلب على أصول الدولة المصرية من عقارات وأراض وشركات وأذون خزانة وسندات، والأهم من ذلك أنه سيحدث طفرة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة مع زيادة السيولة الدولارية المتاحة لدى المستثمرين، والقضاء على الطلبات المعلقة لأصحاب المصانع لدى القطاع المصرفي.

بل وخرج عشرات المسؤولين ليؤكدوا أن قرار تعويم الجنيه سيقضي على السوق السوداء للعملة بالضربة القاضية، وهو ما يعني زحف المدخرين نحو البنوك للتنازل عما في حوزتهم من سيولة دولارية، خاصة مع وجود تأكيدات من أطراف محسوبة على النظام الحاكم عن قرب انهيار سعر الدولار مقابل الجنيه، وأنه سيصل إلى 4 جنيهات فقط، وأن بلوغ الدولار حاجز الـ 20 جنيها، كما جرى عقب التعويم مباشرة، ما هي إلا حالة مؤقتة لن تستمر سوى فترة وجيزة.


أما الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، فقد خرجت لتبشر المصريين بالمن والسلوى وتعدهم بالخير الوفير والأسعار الرخيصة للسلع، وتتحدث بإسهاب شديد عن "بركات" تعويم الجنيه وإيجابيات ومزايا تحرير سوق الصرف، وتستضيف عشرات الخبراء الاقتصاديين والمصرفيين والمحللين الماليين الذين أكدوا بكل ثقة أن الأسعار ستتراجع بقوة، لأن تكلفة الاستيراد ستنخفض عقب تهاوي سعر الدولار أمام الجنيه، وتلبية البنوك كافة احتياجات المستوردين من النقد الأجنبي، وأن الأسواق ستستقر، وأن المضاربين سيندمون أشد الندم على شراء كميات ضخمة من الدولار وتخزينه، وأن المراهنين على استمرار زيادة الدولار سيخسرون السقط واللقط، وأن المليارات ستتدفق على البورصة وأدوات الدين الحكومية.

وشارك إعلاميون كبار في "حفلة الدولار" التي سعوا من خلالها إلى إثارة فزع حائزي العملة الأميركية ودفعهم دفعاً نحو بيع ما في حوزتهم للبنوك، تفاديا للتعرض لخسائر فادحة قد تجعلهم "صفر اليدين" ويخسرون كل ما جنوه خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

الآن مرت 6 شهور على قرار تعويم الجنيه، فلا أسعار تراجعت بل ما حدث هو العكس حيت تجاوز معدل التضخم لأكثر من 32% وهو المعدل الأعلى منذ الحرب العالمية الثانية، ولا استثمارات أجنبية عادت، ولا سياحة استردت عافيتها، ولم يحصل المصريون على المن والسلوى، بل حصدوا نتاجاً مراً علقماً تمثل في خسائر فادحة نتيجة تآكل مدخراتهم بالجنيه، وأسعار لا ترحم، وزيادة في الفقر والبطالة، وإفلاس عشرات الشركات، وإغلاق مزيد من المصانع وطرد عمالها للشارع.

كما حصد المصريون توسعا غير مسبوق في الاقتراض الخارجي والداخلي واقتراب الدين الخارجي من نحو 75 مليار دولار، وتفاقم عجز الموازنة العامة، وتوسعا في فرض الضرائب والجمارك.

سيخرج علينا البعض ويتساءل: وهل كان هناك بديل غير تعويم الجنيه لوقف تهاوي العملة المحلية أمام الدولار، وإطفاء سوق سوداء أشعلت النيران في كل شيء بداية من العملة وأسعار السلع ونهاية بأسعار ساندويتشات الفلافل والطماطم والخضروات؟

لكن في المقابل فإن هناك سؤالاً مطروحا على هؤلاء هو: ومن الذي أوصل البلاد لهذه الحالة الاقتصادية المتردية؟ وما الذي أوصل العملة المحلية للحضيض؟ ألم يكن الدولار مستقراً في العامين اللذين أعقبا ثورة 25 يناير وكان أقل من 7 جنيهات رغم الاضطرابات الأمنية والسياسية في بعض الأوقات؟ لماذا تدهور سعره في السنوات الثلاث التي سبقت قرار التعويم؟

وبغض النظر عن طرح السؤال، فإن الحكومة مطالبة بالكشف عن خطة محددة للتغلب على تداعيات قرار التعويم خاصة على المواطن والأسعار.

المساهمون