مبادرة الحزام والطريق الصينية تتجه نحو الفضاء: قمر صناعي عُماني يدشن المرحلة

30 ديسمبر 2024
إطلاق القمر الصناعي العماني ضمن مجموعة أقمار ألكسا، الصين في 11 نوفمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أطلقت سلطنة عُمان القمر الصناعي الأول (OL-1) في نوفمبر، كجزء من رؤية عمان 2040 ومبادرة الحزام والطريق الصينية لتعزيز البنية التحتية الرقمية والنفوذ الجيوسياسي للصين في الشرق الأوسط.
- يُعتبر مشروع (OL-1) جزءًا من استراتيجية صينية لربط عُمان بشبكة البنى التحتية المتنامية، حيث تُستخدم التكنولوجيا كأداة دبلوماسية لتعزيز النفوذ في الأسواق الناشئة.
- تُثير المشاركة الصينية في قطاع الفضاء العُماني مخاوف الولايات المتحدة، مما دفع وكالة الفضاء الأميركية (NASA) لزيارة مسقط لمناقشة التعاون الممكن، وسط توازن عُماني في السياسة الخارجية.

لم تكتف الصين بشبكة المشاريع الضخمة التي تنفذها على الأرض في إطار مبادرة الحزام والطريق (BRI) في عدد من الدول، بل توسعت في مشاريعها إلى الفضاء عبر القمر الصناعي الذي أطلقته سلطنة عُمان أخيراً. ورغم أن القمر الصناعي العُماني الأول (OL-1) يمثل خطوة غير مسبوقة في مسيرة السلطنة لتعزيز بنيتها التحتية الرقمية ودعم تطورها الاقتصادي والاجتماعي، في إطار رؤية عمان 2040، إلا أن باحثين ومراقبين رأوا فيها أيضاً خطوة جديدة للتوسع الصيني في المنطقة.

وقال الكاتب والباحث الإيطالي جوزيبي غاليانو، رئيس مركز "كارلو دي كريستوفوريس" للدراسات الاستراتيجية، إن هذا المشروع، الذي قُدِم باعتباره خطوة أولى للسلطنة في قطاع تكنولوجيا الفضاء، يخفي في واقع الأمر خلفية جيوسياسية تحكي الكثير عن التوسع الصيني في الشرق الأوسط.

وتابع غاليانو، في تحليل نشرته مجلة "أناليزي ديفيزا" الإلكترونية الإيطالية في مطلع الشهر الجاري تحت عنوان "الصين تحمل عُمان في الفضاء"، أن مشروع (OL-1) يمثل، خلف واجهة التعاون التكنولوجي والابتكار، ثمرة لاستراتيجية صينية تتجاوز حدود مدار الأرض. والحقيقة أن (OL-1) ليس مجرد قمر صناعي جديد، وإنما هو رمز لكيفية استخدام بكين قدراتها التكنولوجية والمالية لتعزيز نفوذها الجيوسياسي، بحسب تعبيره.

وأطلقت عُمان في نوفمبر/تشرين الثاني القمر الصناعي الأول (OL-1)، مسجلاً باسمها لدى المنظمة الدولية للاتصالات (ITU)، ويختصُّ بتقنيات الاستشعار عن بُعد ومراقبة الأرض، ومُعزز بتقنيات الذّكاء الاصطناعي.

الحزام والطريق تندفع نحو الفضاء عبر القمر الصناعي

وأوضح الباحث الإيطالي أن "مبادرة الحزام والطريق التي يُنظر إليها منذ فترة طويلة باعتبارها استراتيجية صينية لتعزيز وجودها في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، تنهمك الآن أيضاً في استعمار قطاع الفضاء". وأضاف أن "عُمان تمثل، بموقعها الاستراتيجي على الخليج وطموحاتها التحديثية، شريكاً مثالياً لبكين، كما لا يعد إطلاق القمر الصناعي (OL-1) مجرد إنجاز تقني، وإنما هو خطوة لربط السلطنة بشبكة البنى التحتية المتنامية والتحالفات التي بنتها الصين".

وأشار إلى أن "هذا النهج ليس جديداً على بكين، التي استخدمت الهندسة التكنولوجية رافعةً دبلوماسية في توسيع نفوذها في أفريقيا وأجزاء أخرى من العالم الناشئ، حيث عرضت التكنولوجيا المتقدمة في مقابل الصفقات الاستراتيجية"، ورأى أن "قطاع الفضاء ليس سوى القطعة الأخيرة من هذه الفسيفساء. ومن خلال مشاريع مثل القمر الصناعي (OL-1)، فإن الصين لا تساعد عُمان على تطوير قدراتها التكنولوجية فحسب، بل إنها تغرس عَلَماً في قلب واحدة من أكثر الأسواق الناشئة الواعدة".

وأكد الباحث أن شركة "عدسة عمان" المسؤولة عن مشروع (OL-1) هي شركة عُمانية رسمياً، لكن روحها صينية، حيث يترأسها الصيني علي شاه، الذي يمتلك خبرة كبيرة في المشاريع المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق في السلطنة، وأكد أن هذه الاستمرارية لها دلالة، حيث توضح كيف تستخدم الصين الشخصيات المحورية عينها لضمان السيطرة على مشاريعها في الخارج وكفاءتها.

مخاوف وتحركات أميركية

وأضاف الباحث أن الولايات المتحدة، من جانبها، قد تفسر المشاركة الصينية في قطاع الفضاء العُماني باعتباره إشارة أخرى إلى النفوذ الصيني المتزايد في الشرق الأوسط، والذي تعتبره منطقة محورية لمصالحها الأمنية. وأجرى وفد من وكالة الفضاء الأميركية (NASA)، برئاسة نائب رئيس الوكالة، زيارة إلى مسقط أخيرا، من أجل مناقشة أوجه تعاون ممكنة في قطاع الفضاء بين تكنولوجيا متطورة وخدمات جيل جديد وقدرات بناء ونقل التكنولوجيا، وصولاً إلى تطوير مبادرات مشتركة.

وتابع غاليانو أن الشرق الأوسط منذ فترة طويلة هدف ذو أولوية بالنسبة للصين. وبفضل مواردها من الطاقة وموقعها الاستراتيجي بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، تمثل المنطقة مركزاً بالغ الأهمية للطموحات الصينية. وفي السنوات الأخيرة، استثمرت بكين بكثافة في البنى التحتية والموانئ والاتصالات في دول الخليج. أمّا قطاع الفضاء فليس سوى أحدث جبهة لهذا التوسع. 

واعتبر الباحث أن "عُمان التي حافظت تاريخياً على سياسة خارجية متوازنة بين القوى العظمى، تجد نفسها الآن تخوض غمار مناطق متزايدة التعقيد (...) ورغم أن الشراكة مع الصين توفر مزايا تكنولوجية فورية، إلا أنها يمكن أن تربط السلطنة أيضاً بالمصالح الجيوسياسية لبكين على المدى الطويل"، التي تقوم، بحسب الباحث، "باستخدام التكنولوجيا المتقدمة أداةً للدبلوماسية والنفوذ في المنطقة".

المساهمون