فتتت عملية "طوفان الأقصى" وبعدها العدوان الإسرائيلي على غزة سوق العمل الإسرائيلي الهش. العمال الأجانب والمزارعون يهربون، 300 ألفاً غالبيتهم من الموظفين انضموا إلى الاحتياط في جيش الاحتلال، الممرضون يغادرون، وعدد العاطلين عن العمل يتزايد ومعه تعويضات البطالة، فيما تبحث السلطات استقدام المزيد من العمال الأجانب وسط تحذيرات من "دبي ثانية".
فقد تضاعف عدد الباحثين عن عمل الجدد في السوق الإسرائيلية ثلاث مرات في أكتوبر/ تشرين الأول مقارنة بالعام الماضي، وفقاً لتقرير صادر عن دائرة التوظيف الإسرائيلية. ويمثل المسجلون الجدد حوالي ثلث إجمالي الباحثين عن عمل البالغ عددهم 226 ألفاً في أكتوبر.
وبحسب صحيفة "غلوبس" المختصة بالاقتصاد الإسرائيلي، الأربعاء، فإن 70 ألف طلب تسجيل تقدم به إسرائيليون كعاطلين عن العمل في أكتوبر الماضي. ويزيد هذا الرقم بنسبة 460% على أساس شهري.
وتم وضع 60% من جميع المسجلين الجدد في خدمة التوظيف على إعانات البطالة، وزاد عددهم في أكتوبر أسبوعاً بعد أسبوع. أما الباقون فهم من المطالبين بالتعويض، الذين لا يحصلون على إعانات البطالة، والمطالبين بدعم الدخل. ومنذ بداية الحرب وحتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، تم تسجيل 42 ألف باحث جديد عن العمل في في دائرة التوظيف.
ويشرح تقرير "ذا ماركر" الإسرائيلي أنه بعد الذروة المسجلة في نهاية أكتوبر، هناك تباطؤ في بداية نوفمبر، وإذا لم يتم فتح جبهة واسعة في الشمال، فقد تستمر الزيادة في عدد الباحثين عن عمل الجدد بينما يعتاد الاقتصاد على "الروتين الجديد" ما بعد الحرب.
واللافت للنظر أنه من بين المسجلين الجدد في خدمة التوظيف 23% تم طردهم من العمل، و10% قدموا استقالاتهم، وهذه الظاهرة وفق مكتب التوظيف شبيهة لما حدث خلال فترة كورونا. فيما حوالي نصف الوافدين الجدد إلى خدمة التوظيف هم من الشباب (أقل من 34 عاماً)، ويبدو أنهم تأثروا بالحرب أكثر من الفئات العمرية الأخرى.
ويتضح من توزيع المسجلين الجدد حسب المهنة أن أهم الزيادات في عدد المسجلين الجدد حدثت بين عمال المتاجر ومقدمي الخدمات، وبين المديرين في مجال الخدمات والإدارة، وبين العاملين في مجال الرعاية التمريضية.
وفي تقرير آخر، يشرح الموقع الإسرائيلي عن تزايد المخاوف من حدوث نقص في عدد الممرضين في المستقبل. وبحسب أرقام سلطة السكان والهجرة التي عرضتها الثلاثاء على اللجنة الخاصة للعمال الأجانب في الكنيست، فقد غادر إسرائيل منذ بداية الحرب نحو 2410 عامل تمريض أجنبي، منهم 1900 عامل قانوني. وفي الوقت نفسه، دخل إلى إسرائيل خلال هذه الفترة 2,724 عاملاً في مجال التمريض، بما في ذلك العمال الجدد وكذلك أولئك الذين عادوا من إجازاتهم في الخارج.
لكن التقرير حذر من مشكلة متنامية وهي العمال الذين لا يعودون من إجازاتهم، ووفق "ذا ماركر" من الصعب هذه الأيام على الشركات التي تستقدم عمال تمريض من الخارج أن تقوم بتوظيف عمال جدد، وذلك لأنهم غير مهتمين بالقدوم إلى إسرائيل أثناء الحرب. لهذا السبب، وبافتراض أن الحرب ستستمر لفترة أطول، قد يصبح النقص أكثر وضوحا.
وتظهر الأزمة جلية في قطاع البناء وكذا الزراعة. ويقول أحد كبار الموظفين الحكوميين للموقع الإسرائيلي إن "وزير الاقتصاد انير بركات يريد تحويل إسرائيل إلى دبي، حيث يقوم مئات الآلاف من العمال الأجانب بأعمال مواطنيها".
وجرت في مطلع الشهر الحالي نقاشات طويلة في اللجنة الخاصة بالعمال الأجانب في الكنيست، شارك فيه أيضًا وزير الخارجية إيلي كوهين ووزير الاقتصاد نير بركات. وقال بركات: "ما كان لن يكون"، موضحا أن دولة إسرائيل يجب أن "تعمل على تطوير الاستقلال عن الفلسطينيين".
ولم يأت حوالي 100 ألف عامل أجنبي إلى مواقع البناء والحقول الزراعية منذ اندلاع الحرب، وتم إغلاق أجزاء كبيرة من الاقتصاد. ويلفت الموقع الإسرائيلي إلى أن "بركات لا يتحدث عن تدريب القوى المحلية، أو تقديم الحوافز للاندماج في دائرة التوظيف، أو رفع الأجور في المجالات الصعبة التي لا يرغب الإسرائيليون في العمل فيها اليوم ولا عن أي حل إبداعي. الحل الذي يطرحه وزير الاقتصاد هو جلب عشرات الآلاف من العمال الأجانب من دول بعيدة، مثل تشاد أو فيتنام أو الهند، ليحلوا محل الفلسطينيين".
وأعلن وزير الاقتصاد أنه سيستقدم 170 ألف عامل أجنبي جديد. فيما يعيش في إسرائيل بالفعل 120 ألف عامل أجنبي، ولا يشمل ذلك الفلسطينيين والإريتريين. وستؤدي خطته الجديدة إلى زيادة عدد العمال الأجانب الذين سيعيشون هنا إلى 300 ألف شخص. إذا تحققت خطته، وإذا عاد بعض الفلسطينيين في نهاية الحرب إلى العمل هنا، فسيتم توظيف ما يقرب من 400 عامل غير إسرائيلي في إسرائيل.
ويعتبر الموقع أن هذا تغيير جذري في المفهوم الذي بُني عليه سوق العمل الإسرائيلي منذ عام 2010: تقليل الاعتماد على العمال الأجانب، مع تعزيز القوى المحلية.
ويلفت الموقع إلى أن وقف دخول العمال الفلسطينيين وخروج ثمانية آلاف تايلاندي، من أصل نحو 25 ألفاً، قد يستخدم كذريعة لإغراق إسرائيل بالعمال الأجانب الجدد، وهو الأمر الذي سوف يؤدي إلى أزمة تمتد لأجيال عديدة.