يحذر الخبراء من اضطراب حركة الأسواق في مصر، لأسباب تتعلق بغياب سياسات نقدية ومالية رشيدة، مشيرين إلى خطورة هذا الاضطراب في وقت اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة، وتأثيرها السلبي على الاقتصاد المحلي بقسوة.
ويدلل خبير تمويل فضل عدم ذكر اسمه لـ " العربي الجديد" أن حالة الحرب قلصت حجم المعروض من الدولار في السوق السوداء، لوجود مخاوف من توسع دائرة الحرب بالمنطقة، مع شعور الحائزين للعملة الصعبة، بأن حالة الحرب ستدفع إلى زيادة سعر الدولار، بالتوازي مع اندفاع الحكومة إلى التعويم الرابع للجنيه، في وقت يزيد الطلب على العملة من جانب الشركات الدولية الراغبة في تسوية حساباتها السنوية، قبيل نهاية العام، ورغبة بعضها في توجيه الأرباح أو جزء من عوائد التشغيل لإداراتها بالخارج.
وبين صعود قياسي وهبوط ناعم تأرجح سعر الدولار في السوق السوداء المصرية على مدار الأسبوع الماضي. وتراجع سعر الدولار من مستوى قياسي قفز إليه مساء الثلاثاء الماضي حين سجل 47.50 جنيهاً، ليصل الخميس إلى 46 جنيهاً.
جاءت التحولات المفاجئة خلال أوقات العمل بالبنوك الرسمية التي تعلن أسعارا ثابتة للدولار عند 30.95 جنيهاً، بعد تراجع البنك المركزي المصري عن وضع حد أقصى للسحب بالعملة الصعبة لحاملي بطاقات الائتمان ذات الخصم المباشر بنحو 250 دولاراً شهريا.
يأتي ذلك، فيما يواجه تدفق الدولار تحديات طارئة. فقد أدى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى انتشار موجة تحذيرات بين وكالات السفر والسياحة الدولية إلى تأجيل رحلاتها المقررة إلى مصر والأردن ولبنان بالإضافة إلى الأراضي المحتلة. أدت العمليات العسكرية المتوحشة ضد الفلسطينيين إلى تأثير سلبي على رغبة المسافرين من التوجه إلى منطقة الشرق الأوسط، والبحث عن أسواق سياحية بديلة في أوروبا وجنوب الصحراء بأفريقيا خلال إجازات رأس السنة، والتي كان تتجه بكثافة إلى مصر ودول المنطقة.
ويصرح سامي سليمان رئيس جمعية مستثمري طابا لـ"العربي الجديد" بأن الحرب في قطاع غزة أدت إلى تراجع الحجوزات السياحية، مؤكدا أن القصف المتواصل سيزيد من خسائر الفنادق بمطقتي طابا ونويبع، بالإضافة إلى تأثيره السلبي على حركة السياحة بباقي الأماكن السياحية.
يأمل خبراء السياحة أن تتوقف الحرب في غزة، لإنقاذ ما تبقى من حجوزات سياحية في فترة ما بعد يناير/ كانون الثاني المقبل، مؤكداً أن استمرار حالة الحرب يهدد بمزيد من الإلغاءات.
من جهته، وضع البنك المركزي شروطا جديدة، تتضمن فتح حدود الاستخدام المقررة بالكامل للبطاقة الائتمانية لأي عميل دون الحاجة إلى تقديم أي مستندات، بمجرد قيامه بالاتصال بخدمة العملاء بالبنك المصدر للبطاقة أو قيامة بزيارة أحد الفروع لهذا الغرض. تلزم الضوابط الجديدة العميل بالتقدم إلى البنك المصدر للبطاقة خلال 90 يوما بما يثبت أن استخدامه للبطاقة لسحب العملة الأجنبية، وقع أثناء سفره للخارج، من خلال أختام المغادرة والوصول على جواز السفر الخاص به أو بإرسال ما يثبت استمرار تواجده بالخارج إذا تجاوز 3 أشهر.
تشمل الضوابط الجديدة، في حالة عدم التزام العميل أن يقوم البنك المصدر للبطاقة بإبلاغ الشركة المصرية للاستعلام الائتماني I- Score، لوضع المخالف للتعليمات في القائمة السلبية بالبنوك، مع إدراجه ضمن قائمة العملاء المحرومين من اصدار بطاقات ائتمانية لهم أو استفادتهم من الخدمات المصرفية مستقبلا، مع إبلاغ الجهات المعنية بذلك، والتي تشمل الأموال العامة، والأمن الوطني.
يشير سمير رؤوف خبير التمويل والاستثمار، إلى أن البنك المركزي يمارس التجارب للسيطرة على النقد الأجنبي في حيازة البنوك المختلفة، لمواجهة الاستنزاف الشديد الذي يتعرض له الاحتياطي النقدي، عبر السحب الواسع ببطاقات الائتمان.
يؤكد رؤوف لـ "العربي الجديد" رصد البنك المركزي لحالات سحب لشراء الذهب والهواتف والمنتجات الاستهلاكية من أسواق دبي، رافقها سحب هائل للنقد الأجنبي من بطاقات ثبت عدم مغادرة أصحابها البلاد، بما دفع البنك المركزي إلى وضع القيود.
ويوضح أن التجربة العملية أثبتت أمام قيادات البنك المركزي عدم فاعلية إجراءات القيود المفروضة منتصف أكتوبر الحالي، حيث اندفع الراغبون في الشراء من الخارج إلى البحث عن الدولار، في السوق السوداء، والتي كانت تتأرجح بين 37 إلى 40 جنيهاً مقابل الدولار، فإذا بها تتجه إلى صعود يومي لتتجاوز 47 جنيها قبيل نهاية الأسبوع.
يشير الخبير الاقتصادي إلى أن شح العملة بالبنوك وحاجة المستوردين لكميات هائلة من الدولار والعملات الصعبة، وراء استمرار حالة التصاعد للدولار، مؤكدا أن السعر سيستقر لفترة عند حدود 45 جنيهاً للدولار، إلى أن تقرر الحكومة موقفها النهائي من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على تعويم العملة للمرة الرابعة، ليحدد السوق السعر الحقيقي للجنيه بناء على العرض والطلب.
يوضح رؤوف أن تحركات البنك المركزي الآنية لمواجهة الزيادة الكبيرة في سعر الدولار، ستظل عرضة للتغير اللحظي، مؤكدا ارتكاب وزارة المالية عدداً من الأخطاء، تأتي ضريبة الأرباح الرأسمالية، على رأسها. يذكر أن هذه الضريبة، أدت إلى تعثر شديد في الاقتصاد، دفع إلى خروج استثمارات بنحو 37 مليار دولار من البلاد، منذ فبراير/ شباط 2022، دون أن تحصل الدولة على أية عوائد من تلك الضريبة أو تعيد ثقة الاستثمار المباشر، في إعادة توجيه المزيد من التدفقات النقدية للسوق المحلية، في ظل تراجع الجنيه وانخفاض العائد وجاءت المخاوف من توسع الحرب في غزة لتزيد الأمر سوءاً.
يربك الجنيه المتدهور حركة أسعار السلع الأساسية ومدخلات الإنتاج للمصانع والشركات. ارتفعت أسعار الأعلاف بنسب تصل إلى 35 في المائة خلال الأسبوعين الماضيين. بلغ متوسط سعر طن علف الكتاكيت من متوسط 15 ألف جنيه إلى 18.5 ألف جنيه ليستقر عند 22 ألف جنيه لأغلب الأصناف.
زاد سعر طن الذرة الصفراء من 10 آلاف إلى 14 ألف جنيه، رغم تزايد الإنتاج المحلي من الذرة، بانتهاء موسم الزراعة الصيفي الشهر الماضي. تؤثر الأعلاف لحظيا على أسعار البيض والدواجن واللحوم البيضاء، مع تأثر أسعار اللحوم البيضاء التي تحتاج إلى المزيد من الدولار، لشراء الماشية والأدوية البيطرية والأعلاف من الخارج.