- تحديات متعددة تواجه القطاع المصرفي بما في ذلك زيادة مخاطر الائتمان في البناء والعقارات، وتأثير التوترات السياسية والأمنية على ثقة المستثمرين واستقرار القطاع المصرفي.
- الاقتصاد الإسرائيلي يعاني من تباطؤ كبير بتوقعات نمو لا تتجاوز 0.5% في 2024 بسبب الحرب، مع توقعات بعجز الموازنة يتجاوز 8%، مما يشير إلى تحديات كبيرة للتعافي الاقتصادي.
تتصاعد مخاطر الائتمان في بنوك إسرائيل وسط مواجهة شرائح واسعة من المقترضين صعوبات في سداد الديون، حيث تلقي الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ ثمانية أشهر بظلال قاتمة على مختلف الأنشطة الاقتصادية، إذ تواصل انكماش الاقتصاد للربع الثاني على التوالي ما دفع مؤسسات عالمية للتصنيف الائتماني إلى استبعاد تعافي الاقتصاد في الأجل القريب.
وحذر بنك إسرائيل المركزي من أن معدلات تأخر سداد القروض المصرفية "تشبه فترة وباء كورونا"، معربا عن مخاوفه من تصاعد مخاطر الائتمان خلال الفترة المقبلة. وأشار البنك في مراجعة الرقابة على بنوك إسرائيل إلى أن الأشهر الأولى من العام الجاري 2024 شهدت "مستوى عاليا من عدم اليقين"، مضيفا أنه "بالنظر إلى المستقبل، هناك خوف من زيادة أخرى في مخاطر الائتمان ومشاكل القروض المتعثرة.
ووفق مراجعة البنك المركزي التي أوردتها صحيفة معاريف الإسرائيلية، أمس الثلاثاء، فإن المحفظة الائتمانية لبنوك إسرائيل نمت خلال العام 2023 بنسبة 6.6%، وهو نمو منخفض مقارنة بالسنوات السابقة، ويرجع ذلك أساساً إلى بيئة أسعار الفائدة المرتفعة وتداعيات ما وصفته سلطات الاحتلال بـ"حرب السيوف الحديدية" على غزة، التي بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول 2023. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك زيادة في معدل شطب الديون (القروض المشكوك في تحصيلها) وكذلك في مخصصات خسائر الائتمان (الأموال التي تخصصها البنوك لمواجهة خسائر القروض المتعثرة).
مخاطر تهدد بنوك إسرائيل
وحسب بنك إسرائيل المركزي، كانت الزيادة في مخاطر الائتمان أكثر وضوحاً في أنشطة البناء والعقارات، وهو ما ينعكس على مؤشرات جودة الائتمان. كما جاء في المراجعة السنوية أن الجمهور فضل الودائع قصيرة الأجل خلال الحرب، من أجل الحفاظ على سيولة الأموال لديهم. وحذر داني خاهياشفيلي المشرف على المصارف في بنك إسرائيل المركزي، من أن مستوى مخاطر الائتمان في الاقتصاد آخذ في الارتفاع، لافتا إلى أن العملاء يواجهون صعوبة في سداد القروض.
ولا يزال الجهاز المصرفي يخشى من أن تشكل المشكلات بين أعضاء الكنيست (البرلمان) والوزراء على المستوى السياسي خطراً أكبر على بنوك إسرائيل ، وبحسب استطلاع أجراه بنك إسرائيل ضمن مراجعته لأداء النظام المصرفي، يبدو أن كبار المسؤولين في النظام صنفوا المخاطر السياسية المحلية في المرتبة الثانية الأقوى، بعد المخاطر السيبرانية التي احتلت للعام الثالث المرتبة الأكثر أهمية في ما يخص القطاع. ويعرب كبار المسؤولين في الجهاز المصرفي عن قلقهم بشأن تغييرات تشريعية كبيرة من دون وجود إجماع واسع، خاصة التشريعات المتعلقة بفرض ضريبة خاصة على النظام المصرفي.
وأعرب بنك إسرائيل كذلك عن قلقه من تأثر أسعار أسهم البنوك، التي أصبحت في السنوات الأخيرة مقياساً لسوق رأس المال في ما يتعلق بالاقتصاد الإسرائيلي، خاصة بكيفية رؤية المستثمرين الأجانب لإسرائيل، مشيرا إلى أنه كلما زادت التوترات الأمنية أو السياسية، اتجه العديد من المستثمرين الأجانب إلى سحب أموالهم من سوق الأوراق المالية المحلية، والخيار الأسهل عندهم هو أسهم البنوك، وهي الأكثر سيولة وقابلية للتداول.
في الأثناء أكدت وكالة "ستاندرد آند بورز" أن تعافي الاقتصاد الإسرائيلي من تداعيات الحرب سيكون أبطأ من تقديراتها السابقة. وفي تحديث نشرته وكالة التصنيف الائتماني العالمية، وفق صحيفة يديعوت أحرونوت، أمس، قدرت أن الحرب الإسرائيلية على غزة ستستمر حتى نهاية عام 2024. وأشارت إلى أن تصعيد الخلافات بين إسرائيل وحلفائها أيضا يعرض التعافي من الحرب للخطر. وأوضحت أن تدهور العلاقات بين إسرائيل والحلفاء "يشكل خطرا قد يضر بالانتعاش الاقتصادي وثقة المستثمرين".
الحرب تستنزف مالية إسرائيل والأنشطة الاقتصادية
وتوقعت "ستاندرد آند بورز" ألا يتجاوز النمو الاقتصادي في إسرائيل 0.5% في 2024 وهي نسبة متدنية كثيراً عن توقعات الكثير من المؤسسات المالية الدولية، على رأسها صندوق النقد الدولي الذي خفض بالأساس في إبريل/ نيسان الماضي توقعاته لنمو الاقتصاد الإسرائيلي هذا العام إلى النصف مقارنة مع توقعاته السابقة الصادرة خلال يناير/كانون الثاني الماضي، بفعل استمرار الحرب على غزة وتوترات الشمال مع حزب الله اللبناني، مشيرا إلى أن تقديراته تشير إلى نمو الاقتصاد بنسبة 1.6% خلال 2024، مقارنة مع التوقعات السابقة البالغة 3.1%. وتقل توقعات الصندوق كذلك، عن تلك الصادرة عن بنك إسرائيل خلال وقت سابق من العام الجاري، والبالغة 2% للعام الجاري، مقارنة مع نمو فعلي بنسبة 2% في كامل 2023.
وتؤكد "ستاندرد آند بورز" أن الحرب ستستمر طوال عام 2024 وأن التعافي الاقتصادي في إسرائيل سيكون أبطأ مما كان مقدرا في السابق، لافتة إلى أن الوضع الآن يختلف أيضا عن تعافي إسرائيل بعد فيروس كورونا، وبعد العمليات السابقة في غزة (2014، 2012) وبعد حرب لبنان الثانية. وتلفت إلى أن المخاطر التي يتعرض لها الملف الائتماني لإسرائيل لا تزال كبيرة، في ظل استمرار المخاطر الأمنية الناجمة عن تفاقم الحرب. وتشير إلى أن هناك أيضاً عدم استقرار سياسي داخلي في إسرائيل، لافتة إلى تصريحات عضو مجلس الحرب الوزير بني غانتس، مساء السبت الماضي، التي هدد فيها بالانسحاب من الحكومة، وحدد مهلة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للموافقة على خطة لما بعد الحرب على غزة.
ويخيم التشاؤم على مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي في وقت تستنزف الحرب مالية الدولة والأنشطة الاقتصادية المختلفة، إذ تظهر البيانات الرسمية أن من المتوقع أن يتجاوز عجز الموازنة العامة 8% العام الجاري، وهو ما يقترب من أربعة أضعاف ما كان مقدراً قبل الحرب بنسبة 2.25%، وأيضاً يتجاوز كثيراً التقديرات التي تطرقت إليها موازنة 2024 المعدلة البالغة 6.6%. ووفق الموازنة، فإن الإنفاق المقدر للعام الجاري يبلغ 584.1 مليار شيكل (159.2 مليار دولار وفق سعر صرف أمس الثلاثاء)، بزيادة 70 مليار شيكل مقارنة بموازنة الأساس المصادق عليها في مايو/ أيار 2023.
وتظهر البيانات الصادرة عن المحاسب العام لوزارة المالية يالي روتنبرغ وصول العجز على مدار الـ12 شهراً الماضية حتى مارس/آذار إلى 117.3 مليار شيكل، وهو الأعلى في تاريخ البلاد، مسجلاً مستوى قياسياً جديداً. وخلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط بلغت قيمة عجز الموازنة 26 مليار شيكل.
انكماش اقتصادي للربع الثاني على التوالي
وانكمش اقتصاد إسرائيل بنسبة 1.4% على أساس سنوي خلال الربع الأول من العام الجاري. ويعد هذا الانكماش الربعي الثاني على التوالي، إذ يأتي بعد انكماش آخر بنسبة 21.7% في الربع الأخير من 2023. وكان اقتصاد إسرائيل نما 2% في كامل 2023، مقارنة مع 6.8% في 2022، ونمو بنسبة 8.6% في 2021، وانكماش بنسبة 1.9% في عام كورونا 2020. وارتفع الإنفاق العام بنسبة 7.1% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام مقارنة بنفس الفترة من 2023، بعد صعود غير مسبوق بنسبة 86% في الربع الأخير من العام الماضي بفعل الإنفاق على الحرب، وفق بيانات صادرة حديثاً عن مكتب الإحصاء الحكومي، فيما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.1% على أساس سنوي في الربع الأول من هذا العام.
وفي مذكرة بحثية نشرت في فبراير/ شباط الماضي، قال ليام بيتش خبير اقتصادات الأسواق الناشئة في مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس"، إن الانكماش الذي يشهده الاقتصاد الإسرائيلي يُسلط الضوء على مدى تأثير الضربة الناجمة عن عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي والحرب في غزة. وأشار إلى أن الانخفاض الحاد في الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل يشير إلى مدى تضرر الطلب، ويفسر بشكل أكثر وضوحا سبب انخفاض أرقام التضخم باستمرار عن التوقعات منذ بداية الحرب.
وفي فبراير/ شباط الماضي، خفضت وكالة التصنيف الائتماني العالمية "موديز" تصنيف إسرائيل إلى "A2" من "A1" بسبب المخاطر السياسية المتزايدة وضعف التمويل العام الناجم عن الحرب. وقالت الوكالة حينها إن عواقب الحرب في غزة على الوضع الائتماني لإسرائيل سوف تتكشف على مدى فترة طويلة من الزمن، وربما بعد فترة القتال الفعلي. وحذرت من أنه إذا امتد الصراع ليدخل فيه حزب الله في لبنان، حيث يتبادل الجانبان إطلاق النار عبر الحدود يومياً، فإن "الأثر الاقتصادي السلبي سينتشر إلى قطاعات أخرى ويطول أمده". كذلك خفضت "ستاندرد أند بورز" في إبريل/ نيسان الماضي التصنيف الائتماني لإسرائيل من "AA-" إلى "A+"، تاركة توقعات التصنيف عند "سلبي".