الحرب تضرب سوق الشقق المستعملة في إسرائيل... والملاك يخفضون الأسعار

12 سبتمبر 2024
إسرائيليون يتفقدون بناء عقارات في مستوطنة بالقدس المحتلة (فرانس برس)
+ الخط -

تضرب الحرب سوق الشقق المستعملة في إسرائيل، إذ يجد الملاك صعوبة في بيعها ما يضطرهم إلى تخفيض أسعارها، في ظل الجمود الذي يُحكم قبضته على مختلف الأنشطة الاقتصادية، وسط المخاوف من طول أمد الحرب واتساع نطاقها.

قبل الحرب الدائرة على قطاع غزة، كان في مقدور ملاك العقارات في إسرائيل الذين يعرضون شققهم المستعملة للبيع، تلقي العديد من الاتصالات والعروض والتمسك بالأسعار التي يطلبونها، لكن الحال تبدل تماماً بعد الحرب.

ويشير متعاملون في السوق العقارية إلى أن أسعار الشقق المستعملة تراجعت في المتوسط بنسبة 6% خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري 2024، وذلك في تناقض صارخ مع واقع الطلب، إذ تشهد إسرائيل أزمة سكن بسبب توقف الكثير من المشروعات العقارية بسبب نقص العمالة وارتفاع تكاليف البناء منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

ويظهر تحليل للبيانات من موقع "Yad2" العقاري الإسرائيلي ومصلحة الضرائب، وفق تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، أنه في الأشهر من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران 2024، خفض بائعو الشقق السعر المطلوب للشقة بنسبة متوسطها 6%، إذ بلغ متوسط سعر الشقة المستعملة التي جرى بيعها في النصف الأول من العام والمسجل في مصلحة الضرائب نحو 2.08 مليون شيكل (536.6 ألف دولار)، في حين أن متوسط السعر المطلوب كان حوالي 2.217 مليون شيكل، بفارق حوالي 137 ألف شيكل (36.5 ألف دولار)، ما يظهر الفجوة بين السعر المطلوب وسعر البيع الفعلي ومن ثم الانخفاض الحاصل في الأسعار.

وسجلت تل أبيب، أعلى فجوة بين السعر المطلوب وقيمة البيع الحقيقية بنسبة 7.1%، إذ بلغ متوسط السعر المطلوب المنشور في الإعلان حوالي 4.081 ملايين شيكل، بينما بلغ سعر البيع الفعلي حوالي 3.79 ملايين شيكل بفارق 291 ألف شيكل (77.6 ألف دولار). كما تم تسجيل فجوة في الأسعار بنسبة 6.7% في منطقة الشمال (من سعر الطلب 1.565 مليون شيكل إلى سعر البيع 1.46 مليون شيكل). وفي منطقة الجنوب بلغت الفجوة 6.5%. وفي المنطقة الوسطى، كان البائعون هم الأقل تعرضاً للتنازلات، بعد تسجيل فجوة قدرها 5.6%.

ومن توزيع البيانات بحسب حجم الشقة، يبدو أن بائعي الشقق تنازلوا تنازلاً رئيسياً عن الشقق الصغيرة التي تحتوي على غرفة واحدة والشقق الكبيرة (7 غرف فما فوق)، وبلغت نسبة الفجوة بين السعر المطلوب وسعر البيع النهائي 8% و7.8% على الترتيب. ومن بين الشقق التي تحتوي على غرفتين مثلاً، سُجِّل فرق حوالي 7% في ما يخص السعر المطلوب في الإعلان مقارنة بسعر البيع الذي تم إغلاقه وإبلاغ مصلحة الضرائب به.

ونقلت "يديعوت أحرونوت" عن أييليت نيتسان نائبة رئيس التسويق في موقع "Yad2" العقاري قولها، إن "الأرقام الخاصة بتسوية عمليات البيع، تعكس انخفاضاً نسبياً في الطلب على الشقق المستعملة، بسبب تأثيرات الحرب على العقارات الإسرائيلية". وأشارت إلى أن انخفاض أسعار الشقق المستعملة له صلة أيضاً بتزايد الطلب على الشقق أو العقارات التي تحتوي على "غرف محمية" منذ اندلاع الحرب.

والمنطقة المحمية في الشقة، هي غرفة خاصة يجب أن تكون مساحتها تسعة أمتار مربعة صافية على الأقل. وتضع قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية شروطاً ومواصفات عالية لبناء هذه الغرف، من حيث نوعية الإسمنت والتسليح ونوعية النوافذ والأبواب، التي تضمن أيضاً عدم اختراق الغازات السامة الغرفة في حال تعرض إسرائيل لهجوم كيماوي، وتخضع لفحص من مهندس مختص في الجيش الإسرائيلي، حيث لا يمكن لصاحب الشقة أن يتسلمها إلا بعد أن يقر مهندس الجيش الإسرائيلي بمطابقة الغرفة المحصنة للمواصفات المحددة لها.

وقالت نيتسان: "قمنا بتحليل البيانات قبل معرض الشقق الجديد NdelNation الذي سيعقد في الفترة من 20 إلى 21 سبتمبر/أيلول الجاري في تل أبيب، ووجدنا أن التنازلات (الخاصة ببيع الشقق المستعملة) تنبع من حاجة المشترين إلى شقق تتوفر فيها غرفة محمية، بينما هناك انخفاض في المعروض منها في الشقق القديمة، كما أن هناك عروض بيع مغرية للشقق الجديدة التي تتوفر عليها، مع شروط سداد جذابة مثل دفعة أولى منخفضة عند التعاقد وتأجيل باقي السداد حتى الإشغال"، مضيفة أن "تراجع الطلب على الشقق المستعملة أجبر البائعين على التنازل عن سعر الشقة، وانخفاض الأسعار".

بدوره، قال المثمن العقاري إيريز كوهين: "قبل عامين، كان بائعو الشقق يرفعون سعر الشقة على الفور عندما يتلقون مكالمات من المشترين المحتملين، لكن الأمر مختلف اليوم فأسعار البيع تنخفض عن المعلن بنسبة تتراوح بين 5% و8%، مما يدل على أن السوق لم يعد إلى طبيعته، وأولئك الذين يصرون على سعر مرتفع للغاية، من المتوقع أن يروا الشقة تنتظر لفترة طويلة من دون العثور على مشترٍ مناسب أو حتى تتغير ظروف السوق".

وأضاف كوهين: "يجب على المرء أن يفهم أن هناك تبايناً كبيراً داخل المدن، مما يؤثر على أسعار المساكن جغرافياً واجتماعياً واقتصادياً"، موضحاً أن سعر الشقة في جنوب تل أبيب لا تُسعَّر بالطريقة نفسها التي تُسعَّر بها في وسط المدينة وشمالها، والشقق القديمة التي لا تحتوي على غرفة محمية، خاصة في المدن التي عانت الهجمات الصاروخية، تعاني انخفاضاً كبيراً في الأسعار.

ويأتي تغير خريطة الطلب في المناطق الداخلية في إسرائيل بعد تحولات سريعة شهدها السوق في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" واندلاع الاشتباكات مع حزب الله اللبناني شمالاً، إذ أظهر تحليل أجرته مؤخراً شركة "madlan" المتخصصة في المحتوى العقاري داخل إسرائيل، ركوداً في الطلب على العقارات في المناطق الجنوبية والشمالية، لكنه بدا أكثر حدة في الشمال، ما دعا تال كوبل، الرئيس التنفيذي للشركة، إلى التعليق قائلاً في تصريحات لموقع يديعوت أحرونوت أخيراً إن "الحرب أدت إلى وضع غير مسبوق، إذ جرى محو مدن بأكملها من خريطة الطلب"، موضحاً أنه "كلما اقتربت المستوطنة من السياج الحدودي زاد التهديد وعدم اليقين بشأن المستقبل، الأمر الذي بات يؤثر ليس على حجم المعاملات فقط، وإنما على قيمة العقارات أيضاً".

وبخلاف تغير خريطة الطلب بحسب قرب المناطق وبعدها عن مرمى الهجمات، تغير الطلب أيضاً في المناطق الداخلية، حيث يتزايد الطلب على الشقق التي تتوفر فيها "الغرف المحصنة" والعزوف عما دونها، على الرغم من أن كثيرين كانوا ينظرون إلى هذه المناطق على أنها آمنة لبعدها عن مرمى الهجمات، ما يخلق تشوهاً كبيراً أيضاً في الأسعار التي تتفاوت كثيراً بين الشقق غير المحصنة وغيرها.

المساهمون