الحرب السورية الجديدة وآثارها

12 ديسمبر 2024
سوريون يحتفلون بسقوط بشار الأسد في دمشق (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الزلزال السوري وتداعياته: شهدت سوريا زلزالًا سياسيًا بين 29 نوفمبر و8 ديسمبر، أدى إلى سقوط نظام الأسد بعد نصف قرن من الحكم، مع خلفية تاريخية تشمل حرب أكتوبر 1973 واحتلال لبنان والتحالف مع إيران. تحول الأمل في الإصلاح إلى حرب أهلية دامت 11 عامًا، مما أدى إلى 12 مليون لاجئ ودمار اقتصادي.

- آراء القادة الأردنيين حول الوضع السوري: ناقش السياسيون الأردنيون تأثير الوضع السوري على الأردن، حيث أبدى طاهر المصري مخاوفه من الفوضى، ورأى عدنان بدران أن سوريا مرشحة للتقسيم، بينما أكد عبد الرؤوف الروابدة على تعقيد الوضع.

- دور الأردن في مواجهة التحديات الإقليمية: قام الملك عبد الله الثاني بزيارات لتعزيز تحالفات الأردن مع الناتو والولايات المتحدة، مما يتيح للأردن مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية، مع تعزيز دوره في مشروعات اقتصادية إقليمية.

بين يوم الجمعة الموافق 29 نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام، ويوم الأحد الموافق الثامن من ديسمبر/كانون الأول حدث الزلزال السوري الذي تحدى كل التوقعات، وأودى بنظام الأسد الذي امتد أكثر من نصف قرن. وقد شهدت هذه الفترة الطويلة أحداثاً كثيرة كانت سورية طرفاً أساسياً فيها منذ حرب أكتوبر 1973 مروراً باحتلال سورية للبنان بعد الحرب الأهلية في لبنان وخروج سورية من لبنان وتحالفها مع الثورة الإسلامية الإيرانية طيلة حرب العراق وإيران الممتدة إلى عام 1988. وبعد ذلك لعبت سورية أدواراً مختلفة مع جيرانها في الأردن ودول الخليج، لكنها استمرت في التحالف مع ايران إلى أن توفي الرئيس الأب حافظ الأسد. ولم يكن الرئيس بشار الأسد هو المرشح لخلافة أبيه، بل أصبح كذلك بعد وفاة أخيه باسل الأسد في حادثة غامضة (1994).

وفي بداية حكم الرئيس الجديد في مطلع هذا القرن الحادي والعشرين، تفاءل الشعب السوري والدول العربية الأخرى، بأن عهداً من الإصلاح الجديد قد بدأ. لكن ذلك لم يدم طويلاً حتى انفجر الربيع العربي وتحول الرئيس الأسد إلى محارب ضد شعبه. وبعد أحد عشر عاماً من الحرب الأهلية بلغت حصيلتها 12 مليون لاجئ سوري وضياع جيل بأكمله وتدمير للاقتصاد السوري وعزلة عربية وإسلامية، وهي كلفة تنوء بها الجبال.

في ظل هذه الأوضاع والظروف بدأت تظهر حركة داعش وكذلك حركة النصرة وغيرهما. واستمر القتل والدمار حتى تجاوز عدد القتلى والجرحى المليون شخص. لم يكن هذا الوضع مرشحاً للاستمرار، بل كانت عناصر فنائه موجودة فيه، ولذلك لا عجب أن المعارضة التي كانت مجهزة ومدربة استطاعت أن تنهي النظام السوري خلال ثمانية أيام. بعدما صارت سورية مصدر إنتاج وتوزيع للمخدرات ومسببة لخلق مشكلات اقتصادية لجيرانها.

لقد جاءت هذه المعارك الأخيرة في نهاية شهر أكتوبر مفاجئة مثلما جاءت هجمة حماس على المستوطنات الإسرائيلية يوم السابع من شهر أكتوبر 2023 مفاجئة وغير متوقعة.

وقد اجتمعتُ يوم السبت الماضي على طعام الإفطار نصف الشهري مع مجموعة من السياسيين والمسؤولين السابقين في الأردن لبحث الوضع في سورية، ومدى تأثيره على الأردن بخاصة. ولكي ينتظم البحث قلنا إن الاحتمالات لهذه الحرب المتجددة في سورية لن تخرج عن واحدة من خمس، وهي أولاً نجاح النظام في البقاء وبسط هيمنته على كامل سورية. ثانياً احتمال انتهاء حقبة الأسد في سورية. ثالثاً تقسيم سورية. رابعاً إنهاء حزب العمال الكردستاني واحتلال تركيا حلب. خامساً إخراج كامل القوات الإيرانية من سورية وتقليص أي نفوذ إيراني فيها. وهذه الاحتمالات الخمسة ليست بالضرورة متنافية بعضها مع بعض، فقد يحدث أكثر من احتمال في آن واحد. أما الحقيقة التي تجلت بعد هروب الرئيس الأسد فقد بدا أن تركيا لن تحتل حلب، وأن القيادة الجديدة في سورية تريد إبقاء سورية موحدة في ظل نظام ديمقراطي يشمل جميع فئات الشعب.

لكنني سأعرض هنا آراء ثلاثة رؤساء وزراء سابقين في الأردن هم طاهر المصري والدكتور عدنان بدران اللذان حضرا طعام الإفطار ود.عبد الرؤوف الروابدة الذي حادثته هاتفياً. تعليق طاهر المصري الذي ترأس الحكومة الأردنية لفترة قصيرة عام 1991 في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال أبدى مخاوفه من الغموض والفجائية التي تميزت بها حركة المعارضة. وأكد أن الفوضى قد تستمر لفترة طويلة، وستكون لذلك انعكاسات على الأردن تتطلب منه الإعداد وحشد الناس وتأييدهم خلف القيادة، وتزويد الجيش والأمن بما يحتاجان إليه من المدد والسلاح والرجال.

أما الدكتور عدنان بدران الذي ساهم في تأسيس جامعات في الأردن وصار وزيراً للتعليم العالي ومن ثم نائباً لرئيس اليونيسكو في باريس لعدد من السنوات ورئيساً لوزراء الأردن في عهد الملك عبد الله الثاني عام 2005، فقال إن الأمور في سورية خطيرة. والنظام سيتغير، وسورية مرشحة للتقسيم لعدد من الدول الأولى في جنوب سورية على امتداد الحدود مع الأردن في العمق حتى الشيخ مسكين، وأخرى على شواطئ البحر المتوسط وتشمل اللاذقية وطرطوس، وتكون دولة علوية، وثالثة منطقة حكم ذاتي للأكراد، ورابعة منطقة سنية كبيرة تضم حلب وحمص وحماة وإدلب وأماكن أخرى. وأكد أن الأردن يجب أن يحافظ على أقصى درجات اليقظة والاستعداد على الحدود.

أما د. عبد الرؤوف الروابدة الذي عمل وزيراً وأميناً للعاصمة ونائباً لرئيس الوزراء ورئيساً لمجلس الأعيان فقد كان أول رئيس وزراء يعينه الملك عبد الله بعد شهرين تقريباً من توليه مهام الملك عام 1999. ويعرف عن الرجل قدرته على تحدي الرأي السائد. ولم تكن مكالمتي معه خارج ما توقعت. فقد أكد لي أن سورية لن تنقسم، وأن فكرة تقسيم الدول خارج إطار اتفاقية سايكس- بيكو لن تحصل بالرغم من الضجيج الذي تحظى به فكرة التقسيم على أسس إثنية تجعل إسرائيل الإثنية الكبرى في المنطقة. وأكد أن الفوضى العارمة التي تحيط بهجوم المعارضة في سورية، وتعدد الجهات العسكرية المعارضة للنظام، ومراجعها الغربية والشرقية والإقليمية والمحلية تجعل من الصعب على المراقب أن يعلم أي اتجاه سوف تتخذه. وبناء على ذلك، فهو يتفق مع الرئيسين المصري وبدران أن على الأردن أن يكون صفاً متراصاً، وأن الأمان يستوجب قمة الحذر، وأن الفوضى قد تطول.

وأما الآخرون من السياسيين والقياديين في الحكومة الأردنية ممن حضروا طعام الإفطار فقد انقسمت آراؤهم. أحدهم وهو أستاذ التاريخ المعروف يرى أن هذه المعركة لن تطول وأن الرئيس الأسد سوف يستعيد هو وجيشه ما فقدوه من أراض ويعودون للسيطرة كما حصل سابقاً حين ظن كثيرون أن النظام سيسقط إبان الربيع العربي، فإذا به ورغم كل المتحالفين ضده يعود منتصراً ويرجع عضواً إلى جامعة الدول العربية ومنظمة الدول الإسلامية ومشاركاً في مؤتمرات القمة.

أما الآخرون فيرون أن الموقفين الروسي والإيراني من سورية ليسا قويين. وجاءت تصريحات وزراء الخارجية الروسي والإيراني يوم الجمعة الماضي فاترة في التأييد لأنه على ما يبدو أن كثرة الحروب والهجمات قد أضعفت الجيش السوري. وآخرون قالوا إن من الأفضل أن يغادر الرئيس الأسد قاسيون إلى بلد صديق يؤويه لأن طول فترة الحرب الأهلية في سورية والتي امتدت لأكثر من عشرة أعوام قد سبّبت قتل مئات الآلاف من المعارضة والجيش السوري، وفي لجوء أكثر من خمسة ملايين شخص خارج سورية، وأكثر من ذلك العدد لجؤوا إلى أماكن أخرى في سورية. ولذلك، لن يقف هذا الشعب مع النظام حتى ولو كان يؤمن أنه نظام جيد، ولكن فكرة استمراره في الحكم لا تثير حماس السوريين الذين يرون أن استمراره ينطوي على مخاطر بعودة القتال والدمار والتقسيم.

ورغم كل ما حصل وما ظهر من نتائج حتى الآن، فإن الاحتمال بإعادة إحياء مشروع الاتفاقات الإبراهيمية الذي لا يحمل الكثير من الوعد لإعادة الأمل إلى الشعب الفلسطيني في تحقيق حلمه بدولة ذات سيادة مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية سوف يعود إلى الساحة ثانية. ولذلك، يتساءل المسؤولون الأردنيون السابقون عما يمكن للأردن أن يفعله؟

في رأيي، قام الملك عبد الله الثاني بعد اندلاع الحرب في سورية قبل عدة أيام بأمرين مهمين جداً، الأول زيارته مركز حلف الناتو في بروكسل عاصمة بلجيكا ومقر الاتحاد الاوروبي حين قوبل بحماس كبير. وبهذا قد خلق لنفسه وللأردن حليفاً يسانده في مواجهة أي ضغوط لا يريدها من قبل إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وفي مواجهة أي خطوات عدوانية تتخذها إسرائيل بحكومتها الحالية لتريح نفسها من تبعات معركة غزة وجنوب لبنان وتلبيسها للأردن وعلى كاهله.

أما الأمر الثاني فهو أن الملك بزيارته الولايات المتحدة ولقائه أعضاءَ الكونغرس الأميركي من الجانبين قد عزز حق الأردن في الدفاع عن كرامة بلده ووحدة أراضيه، وهو حق لا يجادله فيه الساسة الأميركيون. لكنه في المقابل، قد يكون قبل بتخفيف معارضته لخطط السلام المعروضة وإفساح المجال للجانب الفلسطيني ليأخذ قراره المستقل فيها، علماً أن دور الأردن الأهم سيكون عند البدء في ربط المنطقة بمشروعات اقتصادية ضخمة.

ما جرى في سورية أمر في غاية الأهمية وسينطوي على آثار كبيرة على المنطقة في المستقبل القريب، وسوف يتخذ الأردن الإجراءات المطلوبة لمواجهة جميع الاحتمالات. لكن الأردن عنده من الخبرة والحنكة الكافية ما يمكنه من تجاوزها، بل سينجح في تحويلها إلى رصيد هام لصالحه.

المساهمون