يصعب الحصول على الجنيه المصري المتراجع أمام الدولار من السوق، ما يدفع بشركات الاقتصاد غير النفطي إلى الانزلاق في دوامة عنيفة تسحق قوى العرض، وتضغط الأسعار لأعلى بما يعوق الطلب، ويخفض توقعات الأعمال، حتى نهاية العام الجاري، إلى ثالث أدنى مستوى لها على الإطلاق.
وفي آخر البيانات، كشف مؤشر مديري المشتريات الذي تصدره مؤسسة "ستاندرد آند بورز غلوبال" شهرياً، عن زيادة معدلات التراجع في النشاط الاقتصادي ليصل إلى أسرع معدلات التدهور منذ 26 شهرا إلى 42.5 نقطة في يناير/ كانون الثاني الماضي، من 47.2 نقطة في ديسمبر/ كانون الأول.
ويعتبر المؤشر الانخفاض الحاد في مشتريات مستلزمات الإنتاج في مصر أحد أقوى الانخفاضات التي سجلها منذ 12 عاما، نتيجة تراجع الجنيه بمعدلات سريعة وضاغطة على الأسعار، ومحرزة موجات تضخمية ظهرت آثارها في تكلفة المشتريات إلى أعلى مستوى خلال 54 شهرا.
وأكد التقرير أن نقص الدولار سيظل مشكلة كبيرة هذا العام، ليمثل أهم التحديات الاقتصادية للشركات طوال عام 2023، أسوة بالعام السابق، بما يخفض توقعات الأعمال لاثني عشر شهرا، لتصل إلى ثالث أدنى مستوى لها على الإطلاق.
وبين التقرير بعد رصده بيانات المؤشر، من مديري الشركات خلال الفترة من 12 إلى 23 يناير الماضي، بعد تدهور الجنيه بفقده نحو 17%، من قيمته أمام الدولار، خلال العام الحالي، أن الأعمال الجديدة بالشركات تنخفض بشكل حاد مع ارتفاع معدل التضخم.
وبلغ التضخم القياسي، وفقا للبنك المركزي، 24.9% في ديسمبر الماضي، وظهر أثره مع تراجع المبيعات لأكبر درجة منذ سبتمبر الماضي. وشهدت نصف الشركات التي شملتها الدراسة زيادة في تكاليف الشراء منذ يوليو/ تموز 2018، مما أدى إلى ارتفاع قوي وأسرع في نمو الأسعار، خلال يناير الماضي.
ودفعت أزمة الشركات جمعيات المستثمرين بالمدن الجديدة، ورجال الأعمال إلى مطالبة الحكومة بحماية المصنعين في الارتفاع المفاجئ في تكلفة رأس المال، والإسراع في صرف أموال دعم الفائدة للمشروعات الصناعية التي وعدت الحكومة بأن تصل إلى 150 مليار جنيه، للسنوات الخمس المقبلة.
وأعرب مجد الدين المنزلاوي، الأمين العام لجمعية رجال الأعمال المصريين عن أمله في أن تساهم الواردات المفرج عنها من الجمارك في إعادة تشغيل المصانع التي تعطلت طويلا، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن أثرها على الأسعار سيستغرق ما بين شهرين إلى 3 أشهر.
وحمل الشحات الغتوري، رئيس مصلحة الضرائب، ما أسماهم بـ"سماسرة مستلزمات الإنتاج في السوق السوداء" مسؤولية تأخير وصول مدخلات الإنتاج والسلع الوسيطة والمواد الخام الأولية والمعدات للشركات، بما يعطل المستثمرين عن تنفيذ أعمالهم.
وقال في بيان صحافي أمس إن 58% من مستوردي مستلزمات الإنتاج، يتاجرون فيها، لأنهم يستوردونها بأسماء وهمية لا أساس لها على أرض الواقع.
وذكر عماد قناوي، رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية، أن تراجع مستوى الإنتاج بالشركات كان أمرا طبيعيا في ظل ندرة الإمدادات والبضائع، ومحدودية كميات السلع المتوافرة بالأسواق، مع ضبابية المستقبل وعدم وضوح الرؤية للمنتج والمستهلك. وأوضح في تصريح صحافي، أن الضغوط متعددة الاتجاهات، والتي تدفع إلى غلاء فاحش في الأسعار تتطلب تجنب التسعير للمنتجات والسلع وفقا لقانون العرض والطلب، وضرورة أن يجري التسعير وفقا لحساب التكلفة الحقيقية، مع إضافة هامش ربح متعارف عليه لدى المصنعين.