الجمل بليرة وما في ليرة!

05 ديسمبر 2021
60% من سكان سورية يعانون من انعدام الأمن الغذائي (فرانس برس)
+ الخط -

ثمة تضليل، أو حقائق ناقصة على الأقل، في نتائج تقرير وحدة الدراسات الاقتصادية "إيكونوميست إنتليجنس" عن أن دمشق هي المدينة الأقل تكلفة للمعيشة خلال العام الحالي، بل ما أشبه طرح تقرير وحدة الدراسات التابعة لمجلة "ذا إيكونوميست" البريطانية بـ"لا تقربوا الصلاة" من دون التأكيد والمتابعة، لـ"وأنتم سكارى" أو "حتى تعلموا ما تقولون".
بالحد العلمي الأدنى، ينوّه التقرير بأن دمشق هي الأقل كلفة، للمواطن البريطاني الذي يتراوح متوسط دخله بين 75 و78 ألف جنيه إسترليني سنوياً، أم لمواطن لوكسمبورغ الأعلى دخلاً بالعالم، أم المقصود المواطن السوري، ابن دمشق نفسها، والذي لا يزيد دخله الشهري عن 77 ألف ليرة، في حين أن متوسط الإنفاق الشهري للأسرة بدمشق يزيد عن 1.4 مليون ليرة سورية؟.

فأن تقيس وحدة الدراسات الاقتصادية اللندنية متوسط أسعار سلع معينة في دمشق، وتضيف أسعار المنازل وإيجارها وتكاليف النقل والطبابة والخدمات، وفق دخل المواطن البريطاني وبالدولار الأميركي، وتأخذ تراجع الأسعار في دمشق قياساً للدولار الأميركي، بعد أن ناف سعره على 3600 ليرة، فلعلّ بذلك حقاً يراد منه تضليل وبه باطل، خاصة إن لم تأت "وحدة الدراسات" على ذكر القدرة الشرائية للمواطن السوري وتضخم الأسعار بالعملة المحلية.
أو على الأقل، الإشارة إلى نسبة الفقر والبطالة التي وصلت بسورية ربما إلى الأعلى عالمياً، وإلى حالة البؤس وفقدان الأمان، ألم تصنّف المجلة نفسها، "إيكونوميست"، دمشق كأسوأ مدينة للعيش في العالم، وللأعوام الثلاثة الأخيرة؟!.. وألم تطّلع وحدة دراساتها، التي وضعت دمشق بموقع الإغراء للقدوم بالعيش فيها، على آخر تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وتأكيده أن تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن 60% من سكان سورية يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويواجهون صعوبة في الحصول على وجبة غذاء رئيسية؟!!.
قصارى القول، سنرمي ببعض الحقائق من دمشق وأسواقها، علّ بذلك دحضاً للمؤشر المبتور الذي أعلنته "إيكونوميست إنتليجنس".
 يبلغ متوسط دخل السوريين، لمن لديهم دخل ثابت طبعاً، نحو 21.3 دولاراً أميركياً "عملة قياس المدن الأرخص"، في حين أن الحد الأدنى لمستوى الفقر العالمي 1.90 دولار للفرد يومياً. 
يبلغ سعر منزل صغير المساحة بدمشق، "100" متر مربع، نحو 1,5 مليار ليرة سورية.

لا يزيد الدخل الشهري للمواطن السوري عن 77 ألف ليرة في حين متوسط الانفاق الشهري للأسرة بدمشق، يزيد عن 1.4 مليون ليرة

يبلغ سعر كيلو اللحم بدمشق نحو 30 ألف ليرة سورية، وسعر كيلو البطاطا 3 آلاف ليرة وكيلو الأرز 4500 ليرة وسعر كيلو اللبن 2400 ليرة، وحتى سعر الخبز خارج الأفران يزيد عن 700 ليرة للكيلوغرام الواحد.
فالرخص والغلاء يقاسان وفق الليرة السورية وحسب دخل السوريين، وليس بالعملة الأميركية ووفق دخل المواطن النرويجي أو القطري.
أما إن كان تقرير وحدة الدراسات الاقتصادية البريطانية على مبدأ "شرف الوثبة" ورمي أرقام وفق مقاييس دولية وأبحاث ودراسات سنوية، فأقل الواجب التنويه إلى واقع السوريين أبناء دمشق، الذين يعيشون بمدينة هي أقل تكلفة للمعيشة بالعالم.

نهاية القول: ما أشبه نتائج "إيكونوميست إنتليجنس" اليوم بتصنيف اتحاد البورصات العربية أمس، الذي وضع "بورصة دمشق" الأولى عربياً من حيث الأداء، وللعام الثاني على التوالي، رغم أن سوق الأوراق المالية بدمشق أشبه بـ"دكان" يؤثر نظام الأسد إبقاءه مفتوحاً لأغراض ترويجية وسياسية.
إذ غرق اتحاد البورصات العربية بعدد الصفقات وحجم التبادل، من دون التبحّر بالقيّم أو حتى عدد الشركات المدرجة ورأسمالها مجتمعة، والذي لا يزيد عن يوم تداول في بورصة خليجية، هو تماماً كما صنّف التقرير البريطاني دمشق، من دون أن يعرف دخل السوري أو يقول لمتابعيه، دمشق الأقل تكلفة بالنسبة لمن؟!.
فالسوريون اليوم لا يسألون عن أسعار منتجاتهم مقيّمة بعملات أجنبية، بل بمن يمتلك تلك العملات بواقع التفقير المستمر منذ عشر سنوات، ألم يقولوها بأمثالهم "الجمل بليرة وما في ليرة".

المساهمون