يشعل الغلاء وتهاوي القدرة الشرائية للمواطنين واستمرار الفساد، وفق مواطنين وخبراء اقتصاد، موجة جديدة من الحراك في الجزائر، للمطالبة بتغييرات سياسية وتحسين الأوضاع المعيشية، إذ تواجه الطبقة المتوسطة وأصحاب الدخول المحدودة صعوبات منذ سنوات عدة، اشتدت حدتها في الآونة الأخيرة في ظلّ الإجراءات التقشفية التي اتبعتها الحكومة لمواجهة تراجع عائدات تصدير النفط، فضلاً عن تداعيات جائحة كورونا.
في الجمعة الـ112 من عمر الحراك الشعبي، الذي اندلع قبل أكثر من عامين، خرج المواطن كمال غزوبي، الموظف في شركة عمومية، ليعبر عن سخطه من ضيق العيش، أول من أمس الجمعة، قائلاً لـ"العربي الجديد": "خرج الشعب في الثاني والعشرين من فبراير/ شباط 2019، من أجل إسقاط نظام بوتفليقة ومحاسبة الفاسدين، وهذا تحقق بالفعل، ذهب بوتفليقة وسُجن أكثر من 150 شخصاً كانوا ينهبون من مال الشعب، لكن ماذا تغير في حياة الجزائريين؟ ما زال الآلاف من الشباب في بطالة، وحتى من يعملون لا تكفيهم أجورهم لتغطية نفقاتهم الأساسية".
وغير بعيد عن مقر البريد المركزي، معقل الحراك الشعبي في الجزائر العاصمة، تقول الموظفة صبرينة بن عفلة لـ"العربي الجديد" إنّ "الشعب يطالب بالكرامة في العيش منذ الجمعة الأولى... الشعب منهار اجتماعياً ومطحون معيشياً".
وإذا كانت الشعارات السياسية تغيرت بتغير المعطيات السياسية في البلاد، فإنّ الشعارات المجتمعية والمعيشية ما زالت ثابتة منذ اندلاع حراك الجزائريين.
ويرى الخبير الاقتصادي، إسماعيل لالماس أنّ "تردي الأوضاع المعيشية وغلاء المعيشة دفعا كثيرين للتعبير عن سخطهم بطرق عدة، حتى بلغ الأمر تحويل المطالب المجتمعية إلى شعارات سياسية تطالب بتغيير النظام وإصلاح القوانين، وذلك إيماناً منهم بأنّ الإصلاح السياسي سيقود حتماً إلى تحسين الأوضاع المعيشية".
ويقول لالماس لـ"العربي الجديد" إنّ "الجزائريين ظلوا لسنوات يرون مشاهد الفساد، يقابلها تراجع القدرة الشرائية، وبالتالي كانت الجزائر على وشك الدخول في الطبقية بعد زوال الطبقة الوسطى، وبالتالي فإنّ هذه المخاوف سرّعت بانفجار الوضع في 22 فبراير/ شباط 2019".
وفقدت سوق العمل 51 ألف وظيفة، خلال العام الماضي 2020، بسبب إغلاق كثير من المصانع، ضمن القيود التي فرضتها جائحة كورونا، وقيود حكومية على بعض القطاعات، وفق بيانات رسمية صادرة في منتصف مارس/ آذار الماضي. وتشير بيانات وزارة الإحصاء والاستشراف أخيراً، إلى أنّ نسبة البطالة فاقت 13% في 2020، وبلغت 23% عند خريجي الجامعات، و27% بين الشباب.
ومع صعوبات سوق العمل، تواجه البلاد ضغوطاً مالية متزايدة، إذ تراجعت عائدات تصدير النفط بنحو 10 مليارات دولار العام الماضي، مقارنة بعام 2019، وفق بيانات صادرة عن وزارة الطاقة أخيراً. وانخفضت إيرادات الدولة من النقد الأجنبي منذ 2014 بسبب الصدمات النفطية المتعاقبة، من 60 مليار دولار إلى نحو 23 مليار دولار في نهاية العام الماضي.
الشابة يقين، وهي طالبة في كلية الطب، تقول: "ما الذي تغير؟ لا شيء... انتخبوا رئيساً ووعدونا بجزائر جديدة، لكن في الحقيقة هي جزائر مشوهة أكثر من جزائر بوتفليقة".
بدوره يرى الشاب زين الدين، وهو طالب في جامعة "باب الزوار" باختصاص الهندسة الصناعية أنّ "الاقتصاد الريعي هو الذي جعل البلاد تتأخر، وزاد الفساد، فكلّ ما فعله نظام بوتفليقة وما قبله، كان بأموال النفط... كلّ مشاكل البلاد المجتمعية والاقتصادية جرى حلّها بأموال النفط، وهو ما جعل البلاد تتأخر عقوداً حتى مقارنة بجيراننا".
وانعكست الصعوبات المالية على العملة المحلية، فقد قفز سعر الدولار الأميركي رسمياً إلى نحو 133 ديناراً جزائرياً، نهاية مارس/ آذار الماضي، ، بينما كان سعره 83 ديناراً، قبل أزمة تهاوي أسعار النفط في 2014. وأثّر فقدان الدينار بريقه بسرعة، بالإضافة إلى تهاوي عائدات النفط، على احتياطي الجزائر من العملة الصعبة، الذي يقدّر حالياً بـ42 مليار دولار، بينما كان يتخطى 194 مليار دولار في نهاية 2013.
وترى الشابة ريان، التي تحضر شهادة دكتوراه في الاقتصاد النقدي، أنّ "الجزائر يمكنها أن تؤمّن مستقبلها الاقتصادي من خلال تحريك قطاع الصناعة والزراعة والسياحة فقط، من دون الحاجة إلى عائدات النفط، وبحسب الأرقام الرسمية فإنّ هذه القطاعات تعاني عجزاً بأكثر من ثلاثة ملايين وظيفة، وبالتالي يمكن استغلالها من خلال دعم روح المبادرة، وإزالة العراقيل الإدارية، والفساد الإداري والمالي الذي جعل أقلية من الشعب تزداد ثروة، من خلال امتصاصها لقروض مصرفية ضخمة من دون استثمارها".
لا يرى الجزائريون انطلاقة جديدة لبلادهم من دون "كبح الفساد" واسترجاع الأموال المنهوبة، وهو المطلب الذي جرى رفعه في الحراك خلال العامين الماضيين.
ويقول الحقوقي والنائب البرلماني السابق، مصطفى بوشاشي لـ"العربي الجديد" إنّ " تغيير النظام السياسي لن يكون له معنى إذا لم تنتهِ آلة الفساد من نهب المال العام، واسترجاع الأموال المسروقة... لن نكتفي بمحاسبة السياسيين فقط بل كلّ من ساهم في نهب المال مهما كانت وظيفته أو مركزه".
وتقدّر إحصائيات صادرة عن الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد، حجم الفساد منذ 2010، بأكثر من 60 مليار دولار، وهو ما يقترب مع ما قدّرته منظمة الشفافية الدولية في 2017 بنحو 70 مليار دولار.