تتجه العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى مزيد من التوتر السياسي والاقتصادي، بعد قرار لم يُعلَن رسمياً اتخذته الحكومة الجزائرية يقضي بتجميد التبادلات التجارية بين البلدين، عبر وقف التوطين البنكي واستخلاص الفواتير ودفعها، التي تخص توريد سلع وبضائع وخدمات من فرنسا وإليها، في خطوة مماثلة كانت قد اتخذتها الجزائر ضد إسبانيا ربيع عام 2022، للأسباب ذاتها المتعلقة بالموقف من النزاع في منطقة الصحراء، والانحياز للطرح المغربي.
بذلك، حظرت الجزائر كامل التعاملات التجارية مع فرنسا، إذ أكدت معلومات "العربي الجديد" أن بنك الجزائر المركزي أبلغ المصارف المحلية التي تعمل في مجال التجارة الخارجية بقرار وقف معالجة أية طلبات توطين بنكي تخص الاستيراد والتصدير من فرنسا وإليها، ابتداءً من الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ما يعني وقف كل العمليات التجارية القائمة. وسمح البنك المركزي للبنوك بالاستمرار في إنجاز المعاملات التجارية وسداد الفواتير التي جرى توطينها ما قبل تاريخ الرابع من نوفمبر.
إلا أن الخارجية الفرنسية قالت في بيان نشرته "رويترز" إنه "لا علم لنا بأي إجراءات فرضتها الجزائر على الواردات أو الصادرات الفرنسية". وقال متعاملون اقتصاديون وناشطون في مجال التجارة بين الجزائر وفرنسا، لـ"العربي الجديد" إنهم أبلغوا من قبل البنوك الوسيطة التي يتعاملون معها، بوقف معالجة أية طلبات توطين بنكي أو استخلاص فواتير تخصّ عمليات تصدير أو توريد من فرنسا، ابتداءً من الخامس من نوفمبر، فيما لم تعلن وزارتا المالية والتجارة ولا البنك المركزي الجزائري رسمياً هذا القرار.
وهذه الخطوة هي الثانية ذات السياق العقابي التي تتخذها الجزائر ضد فرنسا، بعد إعلان الديوان الحكومي للحبوب في الجزائر بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، استبعاد القمح الفرنسي من لائحة مشتريات القمح من قبل الجزائر، وبررت القرار بأنه "يتعلق بمعايير محددة بناءً على الاحتياجات الصناعية الخاصة بهذه الفترة".
توتر بين الجزائر وفرنسا
وتأتي هذه التطورات على صعيد العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجزائر وفرنسا، في خضم أزمة سياسية حادة ومتفاقمة بين البلدين طفت إلى السطح بشكل بارز منذ نهاية شهر يوليو/ تموز الماضي، بعد قرار الجزائر سحب سفيرها من باريس وخفض تمثيلها الدبلوماسي لدى فرنسا، عقب قرار باريس دعم خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب إزاء النزاع في إقليم الصحراء. وتفاقمت الخلافات أكثر بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرباط، وإدلائه بتصريحات تخص انحياز فرنسا إلى الطرح المغربي بشأن هذا النزاع.
ويتوقع خبراء في الاقتصاد أن تتأثر التجارة البينية بين الجزائر وفرنسا بهذا القرار، وقال الصحافي الاقتصادي حفيظ صواليلي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن المبادلات التجارية بين البلدين ستتأثر بشكل لافت بالتأكيد، بالنظر إلى الخط التجاري النشط بين البلدين، وحجم المبادلات التجارية الذي بلغ 11.9 مليار دولار، بينها أكثر من سبعة مليارات خارج الطاقة، 4.9 مليارات دولار في السلع والبضائع، وثلاثة مليارات دولار في الخدمات، وهذه القيمة هي التي ستكون محل تأثر مباشر، خصوصاً بالنسبة إلى الشركات الفرنسية المصدرة باتجاه الجزائر.
وجاء هذا القرار الذي يخص التجارة الخارجية مع فرنسا، بالتزامن مع قرار مقابل يدعو البنوك الجزائرية إلى التعامل مع التوطين البنكي للتجارة مع إسبانيا بشكل اعتيادي، ما يعني رفع كل التحفظات الجزئية التي كانت تعيق بعض عمليات التوطين البنكي بشأن التجارة مع إسبانيا، بعد رفع تجميد جزئي حصل في يونيو/ حزيران 2022.
وشرح مسؤول مالي جزائري لـ"العربي الجديد" القرار على نحو يعني إعادة فتح كامل مسالك التوريد والتجارة مع إسبانيا، بعدما كانت الجزائر قد قررت في 2022، تجميد التعاملات التجارية الخارجية بين البلدين، لأسباب سياسية، بعد إصدار جمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية (كارتل البنوك الحكومية في الجزائر)، تعليمة إلى جميع مديري البنوك والمؤسسات المالية، تمنع بموجبها تنفيذ أية عمليات توطين بنكي (تغطية مالية) لإجراء عملية توريد منتجات وسلع من إسبانيا، دعماً لقرار حكومي اتخذته الجزائر، يخص الإلغاء الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا التي وُقّعَت بين البلدين عام 2002، في خضم أزمة سياسية ودبلوماسية متفاقمة بين البلدين إثر قرار مدريد دعم خطة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط لإدارة منطقة الصحراء المتنازع عليها.