ما كان يخشاه تجار الجزائر منذ أشهرٍ حدث مطلع الأسبوع الحالي، حيث أقدمت الحكومة على إقرار الغلق مجددا في البلاد بعد ارتفاع حالات الإصابة بـ"كوفيد 19"، ترتب عنه تجميد العشرات من الأنشطة التجارية وغلق المجمعات التجارية الكبرى، وسط رفض واسعٍ هذه المرة، عكس الغلق الأول في شهر مارس/ آذار المنصرم. ولجأ تجار إلى تنظيم وقفات احتجاجية للمطالبة بفتح الأسواق مع وضع ضوابط صحية للحد من الخسائر الباهظة التي تكبّدوها خلال الأشهر الماضية بسبب الجائحة.
ودعت الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين إلى إعادة النظر في قرار تعليق بعض النشاطات الاقتصاديّة، مطالبة بالسماح للتجار والحرفيين بالنشاط "للتخفيف من المصاعب الاجتماعيّة، والمحافظة على مناصب الشّغل"، وأكدت أن التجار مستعدون للنشاط مع الالتزام بشروط الوقاية.
وفي هذا السياق، أبدى رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، الحاج الطاهر بولنوار، تخوفه من وقف النشاطات التجارية مرة أخرى. وقال في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الاتحاد لا يتمنى العودة إلى الإغلاق الاقتصادي، لأن هذا الأمر سيضر بالتجار الذين عانوا وما زالوا يعانون من آثار الغلق المباشر منذ مارس/ آذار الماضي".
وفي المقابل، اقترح الاتحاد الممثل لتجار الجزائر، على لسان بولنوار، "تشديد الإجراءات الوقائية لمكافحة وباء كوفيد 19 من دون العودة إلى وقف النشاط التجاري الذي يشغل ملايين الجزائريين. فهناك دول متضررة أكثر منا وواصلت السماح بالنشاط الاقتصادي فيما ركزت على شروط الوقاية".
في ولاية سطيف (340 كيلومترا شرق الجزائر العاصمة)، لم تختلف المشاهد كثيرا داخل ما يعرف بـ"سوق دبي"، حيث نظم التجار وقفة احتجاجية للمطالبة بإعادة تحرير الأنشطة التجارية المجمدة، لتفادي تكرار سيناريو الغلق الأول الذي كلفهم خسائر كبيرة وأدى لتسريح للعمال.
ويعتبر "سوق دبي" للجملة والتجزئة أحد أكبر أسواق الجملة بالجزائر، وهو الوجهة الأولى للتجار من مختلف الولايات، إذ يعتمد على جلب السلع المستوردة بأسعار متفاوتة، ويشتغل تجاره الذين يتجاوزون مئتي ناشط في بيع الأثاث المنزلي والمفروشات والأواني وكذا الملابس والإكسسوارات، والأجهزة الكهرومنزلية وتجهيزات الإعلام الآلي وكذا قطع غيار السيارات.
وطالب المحتجون الذين تجمعوا في مدخل المدينة بمنحهم تراخيص لفتح محلاتهم، تفاديا لتضرر مصالحهم بسبب الإغلاق الإجباري، مؤكدين أنهم سيلتزمون بإجراءات الوقاية والتباعد وتوفير المعقمات.
وقال التاجر وليد عفرون، لـ"العربي الجديد"، إن قرار الإغلاق سيمتد وسيسبّب مشاكل كبيرة للتجار، خصوصاً أن مختلف الغرامات وحقوق الكراء (الإيجار) سارية المفعول، بالإضافة إلى عدم إقرار السلطات أي تعويضات، مطالباً الحكومة بإعادة النظر في قرارها، "خاصة أن التجار سيلتزمون بإجراءات الوقاية".
وأضاف التاجر الجزائري أن "الغلق، وإن كان مبررا صحيا، إلا أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية تتطلب بعض المرونة. شاهدنا مثلا في فرنسا رفض التجار الغلق، وحتى في إسبانيا، فما بالكم في الجزائر التي تعيش ركودا كبيرا للاقتصاد؟".
وكانت الحكومة الجزائرية قد أقرت الغلق في منتصف شهر مارس/ آذار إلى غاية نهاية أغسطس/ آب المنصرم، ما أدى إلى تجميد العشرات من الأنشطة التجارية وخدمات النقل و"الديلفري"، ما أثر سلبا على التجار الذين اضطر معظمهم إلى تسريح العمال أو تغيير الأنشطة التجارية تحت ضغط ارتفاع المصاريف المتعلقة بالإيجار والضرائب.
في حي الحميز المشهور بمحلات بيع الأجهزة الإلكترونية والكهرومنزلية، في الضاحية الشرقية من العاصمة الجزائرية، فوجئ التجار، صباح الأحد الماضي، بقوات كبيرة للشرطة الجزائرية تلزمهم بعدم فتح محلاتهم دون سابق إنذار في أعقاب اتخاذ والي الجزائر العاصمة قرار غلق التجمعات التجارية لمدة 15 يوما قابلة للتجديد، تماشيا مع قرارات الحكومة القاضية بتجميد بعض الأنشطة التجارية.
يقول التاجر كمال إنه فوجئ بوجود أمني مكثف بحي الحميز، ولدى وصوله إلى المعرض الخاص به، أبلغه عون شرطة بأن الفتح ممنوع لمدة 15 يوما، دون سابق إنذار، "وكأننا في دولة لا يحكمها القانون".
وأضاف التاجر نفسه في حديث لـ"العربي الجديد"، وعلامات الغضب تملأ ملامح وجهه، أن "العديد من التجار ينتظرون وصول طلبيات من المصانع والمستوردين، وفوجئوا بالغلق، فما مصير هذه السلع؟ مثلا هناك من اقتنى عشرات المدافئ تحسبا لفصل الشتاء، ماذا سيكون مصيرها، ونحن نعلم يقينا أن الغلق سيمُدد مرة أخرى؟ إنهم يضطروننا للعمل خارج القانون. سنبيع عبر (فيسبوك) لتقليل الخسائر، أو نغامر ونفتح الأبواب خفية أمام الزبائن".