يتوغل صندوق التأمينات الاجتماعية الجزائري في نفق الأزمة المالية، شهراً بعد شهر، إذ يمر بأعسر سنواته منذ تأسيسه سنة 1975.
وبات الصندوق يجد صعوبة في الخروج من دائرة العجز المالي، جراء تراجع اشتراكات العمال، وارتفاع التعويضات التي يشوبها الكثير من الشكوك في صحتها.
وبدأت متاعب صندوق التأمينات الاجتماعية مع إطلاق "بطاقة الشفاء" سنة 2015، التي تسمح للعمال الأجراء وغير الأجراء، كالحرفيين وأصحاب المهن الحرة والأطباء والمحامين، أن يقتنوا الأدوية مجاناً، أو بدفع 10 بالمائة من الوصفة الطبية عند استلام الأدوية في الصيدليات، على أن يتكفل الصندوق بتعويض الصيدليات مباشرة، وهي الخطوة التي فتحت أبواب الاحتيال، حيث بات الكثير يستعمل البطاقة لاقتناء الأدوية مجاناً فقط بتغيير اسم الوصفة الطبية.
وإحدى صور الاحتيال على صندوق التعويضات الاجتماعية ما حدث بوكالة محافظة تيبازة (غرب العاصمة الجزائر)، التي سجلت خسارة فاقت عتبة نصف مليون دولار، وذلك بسبب الاستعمال غير العقلاني أو غير الشرعي لبطاقة الشفاء.
ومن جانبه، كشف مدير وكالة الجزائر العاصمة للتأمينات الاجتماعية، بوعلام دحماني، أن "الوكالة سجلت خسائر كبيرة، بسبب الاستعمال غير الشرعي لبطاقة الشفاء، والاستعمال المفرط للبطاقة بلغت ما يقرب من 70 مليون دينار" (الدولار = نحو 133 ديناراً).
وأوضح الرجل الأول في الوكالة التي تعد من بين الكبرى من حيث الاشتراكات على مستوى الجزائر، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "مظاهر الاستعمال غير الشرعي لبطاقة الشفاء تتعدد، منها من يجلب أدوية عادية لأهله أو جيرانه في أوقات متباعدة وهي حالات يصعب التأكد منها، لكن الأخطر هو استعمال البطاقة لاستخراج أدوية ليعاد بيعها بطرق غير رسمية كما يحدث مع الأدوية المسكنة للآلام وأدوية الأعصاب".
وحسب دحماني، فإنّ "أكثر الأدوية اقتناء ببطاقة الشفاء هو دواء "ليريكا" الذي يصنف من الحبوب المهلوسة ويطلق عليه اسم "الصاروخ" في الشارع الجزائري نظراً لسرعة تأثيره على العقل، ويمكن لأي جزائري مريض أن يجده بـ 3500 دينار (29 دولاراً) للعلبة حجم 150 ملغ 45 حبة، ويدفع 10 بالمائة أو 20 بالمائة من ثمنها حسب الاشتراك، ليعيد بيعها بحوالي 500 دينار للحبة الواحدة في الشارع، وبعملية حسابية بسيطة يمكن حساب ما يتم ربحه".
وتحاول وكالات للتأمينات الاجتماعية استرجاع ما خسرته جراء الاستعمال غير الشرعي لبطاقة الشفاء عن طريق القضاء، حيث تمكنت من تحصيل 45 بالمائة من قيمة الخسارة وتوقيف 4000 بطاقة شفاء وإحالة أصحابها إلى العدالة بتهمة النصب والاحتيال.
وعلمت "العربي الجديد"، من مصدر مسؤول داخل الصندوق الجزائري للتأمينات الاجتماعية، أن "الصندوق قد وضع 90 ألف بطاقة شفاء في القائمة السوداء وحوّل ملفات أصحابها إلى القضاء، بهدف كبح نزيف الأموال والأدوية المهلوسة إلى الشارع".
وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن "صندوق التأمينات الاجتماعية وضع أيضاً قائمة سوداء لصيدليات وأطباء سيحولهم لوزارة الصحة لاتخاذ الإجراءات المناسبة والتي قد تصل إلى سحب الاعتماد ورخص النشاط".
ولا تعد عمليات الاحتيال باستعمال بطاقة الشفاء وحدها ما يؤرق مسيري صندوق الضمان الاجتماعي الجزائري، بل تعدتها لتشمل العطل المرضية المفتعلة التي تشكل أكثر من ثلث العطل المرضية المصرح بها، ما كلف خزينة الصندوق تعويضات هائلة.
وحسب المسؤول المركزي في الصندوق الجزائري للتأمينات الاجتماعية، معمر حميدو، فقد "سجلت الجزائر السنة الماضية قرابة 1.4 مليون يوم كعطل مرضية، أي ما يقارب 2770 سنة عمل، وبلغت فاتورة تعويضها 13 مليون دولار".
وأضاف حميدو لـ "العربي الجديد" أن "قرابة 40 بالمائة من العطل المرضية المصرح بها هي للمجاملة، أي أن المُؤمن لم يكن مريضاً ويتم تعويض أجر يوم عمله بنسبة 80 بالمائة أي بخصم علاوة الطعام والنقل وغيرها".
يذكر أن الصندوق الجزائري للتأمينات الاجتماعية يؤمن قرابة 39 مليون مواطن، إذ يحق وفق القانون أن يؤمن الزوج العامل أبناءه حتى سن 18 سنة وزوجته الماكثة في البيت في بطاقة شفاء واحدة، يستعملها بسقف تعويض لا يتعدى 3000 دينار شهريا (28 دولاراً)، إلا إذا كان يعاني من مرض مزمن أو أحد أفراد عائلته فيحق له أخذ الدواء مجاناً من الصيدليات حتى وفاة صاحب البطاقة التي يمكن استعمالها في حالة تقاعد العامل.
ويعدّ الحق في التأمين الاجتماعي من الحقوق الدستورية التي أقرها دستور 2016 ويلزم التشريع الجزائري المؤسسات بدفع الاشتراكات شهرياً عن العمال لصندوق الضمان الاجتماعي. وتعاقب الشركات والمصانع التي تشغل عمالاً دون التصريح بهم لمصالح التأمين الاجتماعي بغرامات مالية والتوقيف عن النشاط يصل إلى مدى الحياة في بعض الحالات.