في ظل أزمة مالية خانقة وتداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد، رسمت الحكومة الجزائرية صورة قاتمة عن السنوات الثلاث المقبلة، خاصة فيما يتعلق بنسب النمو والتضخم، وتطور التجارة الخارجية وعائدات النفط ومستقبل العملة المحلية "الدينار" التي تأبى التوقف عن فقدان بريقها أمام الدولار، ما ينذر باستمرار السنوات العجاف وشد الحزام أكثر، وسقوط المواطن الجزائري بين فكي "كماشة التقشف"، وسط موجات غلاء جديدة مرتقبة.
وحسب وثيقة أعدتها وزارة المالية الجزائرية تحت عنوان "تقديرات 2022-2023-2024"، حازت "العربي الجديد" على نسخة منها، تتوقع الحكومة الجزائرية انخفاض النمو عند 3.3 بالمائة السنة المقبلة مقابل 3.4 بالمائة السنة الحالية، على أن يواصل النمو منحاه التنازلي سنتي 2023 و2024 ليصل إلى 3 بالمائة.
وفي ما يتعلق بالإنفاق العام، تتوقع الحكومة في دراستها التي ستعرضها على الوزارة الأولى ثم البرلمان، ارتفاع الإنفاق العام للدولة من 8642 مليار دينار السنة الحالية إلى 9858 مليار دينار (الدولار= 137 ديناراً)، السنة المقبلة و9682 السنة ما بعد المقبلة، ثم يرتفع مجدداً سنة 2024 إلى 9821 مليار دينار. وأرجعت الحكومة استقرار الإنفاق العام عند مستويات مرتفعة إلى تراجع الدينار وتمويل المخططات الاقتصادية لكسر الركود.
التوقعات القاتمة للحكومة الجزائرية شملت أيضا العملة الجزائرية، إذ توقعت وزارة المالية الجزائرية استمرار تهاوي العملة المحلية لتسجل أرقام تاريخية مستقبلا تعجل بسقوط قدرة الجزائريين الشرائية، إذ تتوقع الحكومة أن يقفز الدينار من 137 ديناراً للدولار الواحد نهاية السنة الحالية إلى 149.31 ديناراً للدولار الواحد نهاية السنة المقبلة، ثم 156.78 ديناراً سنة 2023 وأخيراً 164.61 ديناراً للدولار الواحد نهاية 2024، ما يعني تراجعاً بـ 24 ديناراً.
ويواصل الدينار الجزائري فقدان بريقه أمام العملات الأجنبية، خاصة الدولار، الذي سجل مستوى تاريخياً جديداً. وتعدى سعر الصرف عتبة 137 ديناراً للدولار الواحد، في التعاملات الرسمية عند بداية الشهر الحالي، بعد تسجليه 137.17 ديناراً، مواصلاً بذلك منحى التهاوي.
ويعتبر التراجع التاريخي للدينار في التعاملات الرسمية الخامس من نوعه في غضون شهرين، ففي 25 يوليو/ تموز المنصرم، سجل الدولار 135.09 ديناراً للدولار الواحد، ثم 135.41 ديناراً في 9 أغسطس/ آب المنصرم، ثم واصل الدينار تسجيل الأرقام القياسية بعدما سجل سعر الصرف الرسمي في 23 أغسطس/ آب المنصرم 135.88 ديناراً، وأخيراً 136.36 ديناراً في 8 سبتمبر/ أيلول الماضي، و136.9 ديناراً في 20 من نفس الشهر.
أما عصب الاقتصاد الجزائري، أي النفط، فتنتظر السلطات الجزائرية تراجع عائداته السنة المقبلة إلى 27.8 مليار دولار مقابل 32.4 مليار دولار السنة الحالية. ثم ستتجه العائدات النفطية للارتفاع قليلاً مقارنة بالعام المقبل، إلى 28.1 مليار دولار سنتي 2023 و2024، ما سيؤثر على الميزان التجاري الجزائري، خاصة وأن الحكومة تتوقع استقرار الواردات عند 31 مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة.
وفي الوقت الذي تعمل فيه الحكومة الجزائرية من أجل آلية الدعم التي باتت ترهق الخزينة العمومية، تظهر توقعات الحكومة استمرار الجزائر في السير على طريق "الدعم المباشر" للأسعار والخدمات، بميزانية تبلغ 2220 مليار دينار السنة المقبلة، أي ما يعادل 22 بالمائة من موزانة الجزائر، و2073 مليار دولار سنة 2023، أي 23 بالمائة من الموازنة العامة، و1950 مليار سنة 2014 ما يعادل 19.7 بالمائة من اجمالي الموازنة العامة.
ودفع تهاوي الدينار الجزائري بالحكومة إلى مد يدها مجدداً إلى الخزينة العمومية لرفع ميزانية الدعم، في موازنة 2022، رغم مرور البلاد بوضع اقتصادي صعب، يتميز بشح الموارد وانكماش الاقتصاد وسط ارتفاع الإنفاق الحكومي، ما يضع نظام الرئيس عبد المجيد تبون أمام مطرقة "شح الموارد المالية" وسندان "شراء السلم الاجتماعي"، حتى لا تثير الشارع الذي لا يزال منقسماً بين مؤيدٍ لنظام تبون ومعارضٍ له منذ انتخابه في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019.
وفق الأرقام التي جاءت في موازنة 2022 التمهيدية، التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، فإن ميزانية الدعم أو ما يعرف بـ "التحويلات الاجتماعية" ستقدر بـ 2220 مليار دينار، أي ما يعادل 16.4 مليار دولار، مقابل 1920 مليار دينار سنة 2021، و1700 مليار دينار السنة التي قبلها.