التضخم في تركيا يُنهك الأسر رغم نجاح أردوغان بكسب ثقة المستثمرين الأجانب مجدداً

20 يونيو 2024
لوحة إلكترونية تعرض أسعار صرف العملات بإسطنبول، 5 يونيو 2024 (أوميت تورهان كوسكون/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تركيا تواجه أحد أعلى معدلات التضخم عالميًا، مما يضغط على الأسر التي تصارع الغلاء المعيشي. سياسات أردوغان الاقتصادية جذبت استثمارات أجنبية لكنها أثارت تساؤلات حول تأثيرها على الشعب.
- التوقعات تشير إلى تسارع التضخم، مما يزيد الضغوط المالية على الأسر التركية. الوضع الحالي يهدد التقدم المحرز في تحسين مستوى المعيشة ويزيد من أعباء الديون.
- البنك المركزي التركي رفع سعر الفائدة لمواجهة التضخم، مما زاد تكاليف القروض والأعباء المالية على المواطنين. الحكومة تحاول إعادة توازن الاقتصاد واستعادة ثقة المستثمرين، لكن التحديات مستمرة.

لا يزال التضخم في تركيا ينهك الأسر بسبب الغلاء الفاحش رغم نجاح سياسة التحول الاقتصادي في جذب المستثمرين الأجانب مجدداً. فهل يكون جذب الرساميل الأجنبية على حساب الأتراك أنفسهم؟ بحسب تقرير أوردته شبكة بلومبيرغ الأميركية اليوم الخميس، عانت تركيا من أعلى معدلات التضخم في العالم في السنوات الأخيرة، بعدما تخلى الرئيس رجب طيب أردوغان عن العقيدة الاقتصادية من خلال مواصلة النمو بأي ثمن. ولكن مع استعادته مبادرة التحول الاقتصادي منذ أكثر من عام تقريباً، بدأت تركيا تستعيد قدرتها على استقطاب الاستثمارات الأجنبية التي فرّ جزء منها بعدما تهاوت الليرة التركية إلى مستويات منخفضة جداً.

توقع تسارع التضخم في تركيا

ورغم الوعود بأن الأسوأ قد انتهى، تلاحظ بلومبيرغ أن العديد من الأسر التركية تعتقد أن التضخم سوف يتسارع أكثر في حين أنها مثقلة بارتفاع تكاليف الاقتراض، علماً أن أردوغان وحكوماته المتعاقبة نجحت في انتشال ملايين الأتراك من الفقر إلى الطبقة المتوسطة على مدى أكثر من عقدين من الزمن. لكن الخطر يتمثل الآن في أن المواطنين الذين استفادوا من الطفرة الائتمانية باتوا اليوم معرضين لضغوط شديدة لدرجة أن الاقتصاد البالغ حجمه تريليون دولار يُجابَه بتحديات قوية عند هذا المنعطف.

يأتي ذلك فيما تسارع معدل التضخم في تركيا إلى نحو 76% في مايو/أيار مقارنة بالعام الماضي، ويتوقع البنك المركزي التركي أن تصل وتيرة ارتفاع الأسعار إلى نصف ذلك بحلول نهاية العام، لكن الأتراك لا يشاركونه هذا التفاؤل مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بأكثر من 50% على أساس سنوي منذ بداية عام 2022. ومنهم إليف بولوت، وهي واحدة من ملايين الأتراك الذين سُمح لهم بالتقاعد المبكر كهدية قبل الانتخابات. فالسيدة البالغة من العمر 54 عاماً، والتي تعمل كسكرتيرة في شركة ديكور، تعتبر نفسها من "الأضرار الجانبية"، إذ تعمل عشر ساعات يومياً لتكسب ما يزيد قليلاً عن الحد الأدنى للأجور محاولة مواكبة الغلاء.

وتنقل بلومبيرغ عن بولوت، القاطنة في أنقرة، قولها: "نحن الذين أُجبرنا على ابتلاع الحبة المرة. فأنا لا أقتنع بما يسمى التحول الاقتصادي، ولا أشعر بذلك بأي شكل من الأشكال، لكن ربما يفعل المستثمرون الأجانب ذلك"، فيما يقول نائب مدير محفظة الأسواق الناشئة في شركة "فان إك" (Van Eck Associates Corp) ديفيد أوسترويل إن "المستثمرين أكثر اقتناعاً من المواطن العادي، حيث يواجهون عبء التضخم، وهو أمر طبيعي".

وقد جرى تضييق الخناق على طفرة الائتمان مع تشديد قواعد الإقراض، حيث رفع البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي من 8.5% إلى 50%. ومنذ مايو/ أيار الماضي، تضاعفت تكاليف القروض الاستهلاكية إلى 72%. كما ارتفعت كثيراً أسعار الفائدة على بطاقات الائتمان التي يعتمد عليها الأتراك بشكل كبير. ونتيجة لذلك، بدأت القروض المتعثرة في التحسن.

وفي هذا الصدد، يقول مساعد مكتب في إحدى الجامعات الحكومية في أنقرة، ويُدعى مراد كوسه، إنه يحاول عدم تحميل بطاقته الائتمانية أعباء زائدة نظراً للارتفاع الكبير في تكاليف الاقتراض، بينما يقوم أيضاً بسداد خدمة الرهن العقاري الذي حصل عليه خلال عصر المال الرخيص. وكان التغيير الأكبر بالنسبة إليه هو إخراج ابنته من الجامعة لأنه لم يعد قادراً على تحمّل رسوم تعليمها. وقال الرجل البالغ من العمر 46 عاماً: "لو لم نكن قد اشترينا المنزل، لكنا على الأرجح قد خرجنا إلى الشوارع الآن، فأسعار المواد الغذائية هي الأسوأ، ولا يمكننا تناول اللحوم الحمراء على نحو كاف، وربما يحصل ذلك مرة أو مرتين شهرياً".

وقال صندوق النقد الدولي، العام الماضي، إن نحو 30% من سكان تركيا تم انتشالهم من الفقر منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ومن أجل الحفاظ على تقدم الاقتصاد، تخلى أردوغان (70 عاماً)، عن الحكمة التقليدية القاضية بخفض الفائدة التي انتهجها لخمس سنوات، وعززت النمو من خلال توفير الأموال الرخيصة. لكن معدل التضخم في تركيا ارتفع وانخفضت قيمة الليرة التركية إلى مستويات قياسية، واعتمدت الطبقات الوسطى على تكاليف الاقتراض المنخفضة لشراء العقارات والسيارات أو تجميع العملة الصعبة، إلا أن العديدين منهم لم يسددوا بعد تلك القروض، التي أصبحت الآن أكثر كلفة بكثير.

ووسط تحذيرات من أن البلاد كانت على شفا أزمة ميزان المدفوعات، عيّن الرئيس فريقا أكثر ملاءمة للسوق من المسؤولين بعد الفوز في انتخابات العام الماضي، كما عيّن الخبير الاقتصادي السابق في "ميريل لينش" وصديقه المقرب محمد شيمشك وزيراً للمالية والخزانة، في محاولة لإصلاح الوضع الاقتصادي ولجم التضخم في تركيا وكبح انهيار العملة الوطنية.

المساهمون