التضخم الجامح والدولار القوي

03 يونيو 2022
بايدن يؤكد على استقلالية البنك الفيدرالي مخالفاً توجهات سلفه ترامب (العربي الجديد)
+ الخط -

يوم الأربعاء الماضي خرجت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، باعتراف مهم قالت فيه إنها كانت مخطئة في الماضي بشأن تحديد مدى شدة التضخم والتكهن بالمسار الذي سيتخذه، وذلك رداً على توقعات سابقة قالت فيها إنه لن يكون هناك سوى خطر ضئيل للتضخم، وإنه يمكن التحكم فيه. 

وربما يكون للوزيرة العذر في تقديراتها السابقة، إذ إنها جاءت قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا التي سببت قلاقل شديدة للاقتصاد العالمي، وقفزات صاروخية لأسعار السلع الرئيسية وفي مقدمتها الوقود والأغذية والمواد الأولية.

التضخم يمثل مصدر قلق شديد للإدارة الأميركية مع احتمال تحوله إلى تضخم جامح في ظل استمرار حرب أوكرانيا، وقفزات أسعار النفط والغذاء

ومع تنامي تلك القفزات بات التضخم يمثل مصدر قلق شديد للإدارة الأميركية مع احتمال تحوله إلى تضخم جامح في ظل استمرار حرب أوكرانيا، وقفزات أسعار النفط والغاز والغذاء، وتصاعد حرب العقوبات الاقتصادية بين الغرب وروسيا، وامتداد موجة التضخم للاقتصادات الكبرى، وأزمة سلاسل التوريد التي أثرت سلبا على القطاع الصناعي والإنتاجي في الاقتصادات المتقدمة.

ولذا فإن توقعات المؤسسات المالية وبنوك الاستثمار تدفع بمعدل التضخم إلى حاجز 10% في الولايات المتحدة، وهو مستوى تاريخي وله تأثيرات خطيرة على الاقتصاد والأسواق والمواطن.

ولذا قالت يلين إن ترويض التضخم وارتفاع الأسعار يأتي على رأس أولويات الرئيس جو بايدن، الذي يدعم إجراءات مجلس الاحتياطي الفيدرالي " البنك المركزي الأميركي" لخفض التضخم حتى لو جاء على حساب النمو الاقتصادي كما قال رئيس البنك، جيروم باول.

من أبرز أدوات الترويض رفع سعر الفائدة على الدولار في محاولة لسحب السيولة النقدية من الأسواق، ولذا رفع البنك الفائدة مرتين العام الجاري، وهناك توقعات بزيادتها 4 مرات أخرى قبل نهاية العام، على أن يواصل الزيادة في العام المقبل.

لكن يبدو أن وتيرة الزيادة الحالية لسعر الفائدة لا تروق لعدد من كبار مسؤولي السياسة النقدية الأميركية الذين خرج العديد منهم للمطالبة بزيادة وتيرة رفع الفائدة على الدولار بشكل أسرع لترويض وحش التضخم الكاسر الذي وصل لأعلى معدل منذ 4 عقود، وحول حياة الأميركيين لمعاناة شديدة بسبب غلاء المعيشة وزيادة الايجارات وأسعار السلع ومنها سعر الوقود الذي يهم كل أسرة.

الزيادة الحالية لسعر الفائدة على الدولار لا تروق لعدد من كبار مسؤولي السياسة النقدية الأميركية الذين طالبوا بزيادة معدل الرفع

كما تسبب التضخم في رفع معدل الفقر وتعميق الفوارق الاجتماعية وخفض معدل النمو، وتسبب في تنامي فقدان الأمن الوظيفي، وبات يهدد بإدخال الاقتصاد في مرحلة ركود تضخمي، وهي من الظواهر المدمرة التي يمكن أن تواجه أي اقتصاد، حيث ينتج عنها افلاس شركات وإغلاق مصانع وشلل في الأسواق وغيرها.

وخلال الأيام الأخيرة، خرج علينا عدد من كبار مسؤولي البنك الفيدرالي مطالبين بتنفيذ زيادات في معدل الفائدة بشكل سريع، لوقف تسارع التضخم الذي وصل لأعلى مستوياته في 40 عامًا.

من بين هؤلاء كريستوفر والر عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي شدد قبل أيام على ضرورة رفع البنك لسعر الفائدة بنسبة نصف في المائة خلال الاجتماعين القادمين، على أن يستمر في الزيادة بعد ذلك.

وتعرض الفيدرالي الأميركي لضغوط شديدة من قبل مستثمري "وول ستريت"، حيث قال المستثمر الأميركي البارز، بيل أكمان، إن السيطرة على التضخم القوي قد تحتاج لرفع حاد لسعر الفائدة واتخاذ الاحتياطي الفيدرالي تدابير أكثر عدوانية، أو أن تتحول الموجة البيعية الحالية في سوق الأسهم إلى انهيار كامل.

في ظل تلك الضغوط التي يتعرض لها الفيدرالي من الجميع خرج علينا الرئيس جو بايدن بتصريح لافت وهو التعهد بالحفاظ على استقلالية البنك من أي تدخل سياسي، وهي رسالة مهمة للأسواق خاصة في مثل هذه الظروف العصيبة.

يل أكمان: السيطرة على التضخم القوي قد تحتاج لرفع حاد لسعر الفائدة واتخاذ الاحتياطي الفيدرالي تدابير أكثر عدوانية

البنك الفيدرالي يتجه لرفع سعر الفائدة بنسبة 1% خلال الشهرين المقبلين بواقع نصف في المائة لكل شهر، ورفع سعر الفائدة لن يقتصر على الولايات المتحدة، بل يمتد إلى كل دول العالم.

فالأسواق تراهن على أن البنك المركزي الأوروبي سيرفع الفائدة على الودائع والبالغ -0.5% حالياً بحلول شهر سبتمبر القادم.

 بل إن عددا من محافظي البنوك المركزية الأوربية رجحوا زيادة الفائدة على اليورو في شهر يوليو المقبل.

والبنك المركزي الكندي يرفع يوم الأربعاء سعر الفائدة للمرة الثالثة على التوالي لمواجهة التضخم. كما رفعت العديد من البنوك المركزية العالمية سعر الفائدة على عملاتها.

رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة سيدعم قوة الدولار خاصة على مستوى جاذبيته للاستثمار الأجنبي ويسحب البساط من تحت أقدام عملات وأسواق أخرى.

وهذا خطر على عملات الدول النامية التي يجب عليها تنبه حكوماتها لمثل هذه المخاطر خاصة على سوق الصرف، ووضع خطط تقلل من خروج النقد الأجنبي من أسواقها سواء من خلال تقليص الواردات وزيادة الإنتاج وتنشيط الاستثمار المحلي، أو زيادة النقد الأجنبي المتدفق من أنشطة الصادرات وتحويلات المغتربين والسياحة وغيرها.

المساهمون