أظهر مسح أجرته جريدة "وول ستريت جورنال" أن معدل التضخم في الولايات المتحدة قد يصل إلى مستويات غير مشهودة منذ عقود، وربما يستمر أكثر كثيراً مما يتوقعه المصرف المركزي، وتبدو نتيجة المسح على عكس ما يصر عليه مجلس الاحتياطي الفيدرالي من كون معدلات التضخم المرتفعة التي ظهرت أخيراً هي معدلات مؤقتة، لن تلبث أن تختفي مع عودة النشاط الاقتصادي إلى معدلاته الطبيعية بحلول العام القادم.
وصباح الثلاثاء، أظهرت بيانات وزارة العمل تسجيل مؤشر أسعار المستهلكين، والذي يعد أحد أهم مؤشرات التضخم لدى البنك الفيدرالي، ارتفاعاً بنسبة 5.4% في يونيو/حزيران الماضي مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، متجاوزاً توقعات الاقتصاديين، ليظل معدل التضخم الأميركي عند أعلى مستوياته في 13 عاماً.
وقفز مؤشر التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار بعض منتجات الطاقة والطعام شديدة التقلب، بنسبة 0.9% مقارنة بالشهر الماضي، حيث سجل ارتفاع الأسعار في آخر شهور النصف الأول من العام بمعدل 4.5%، مقارنة بنفس الشهر من عام 2020.
وبعدما تسببت تريليونات الدولارات التي أنفقتها الحكومة الأميركية، كما أغلب حكومات العالم المتقدم، بحصول أغلب الأسر منخفضة الدخل على كميات ضخمة من الأموال، أكد المسح الذي تم إجراؤه خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري على أكثر من ستين شركة وأكاديمياً وبعض من يعملون في القطاع المالي أن جهود الحكومة الرامية إلى إنعاش الاقتصاد واضطرابات سلاسل الإمداد التي عادت للظهور مرة أخرى، ربما تتسبب في ارتفاع معدل التضخم إلى أعلى مستوياته في ما يقرب من ثلاثة عقود، متجاوزاً 2%، وأنه ربما يستمر عند تلك المستويات حتى عام 2023.
وتوقع الخبراء الذين شملهم المسح أن يسجل معدل التضخم الأساسي في البلاد 3.2% خلال الربع الأخير من العام الحالي مقارنة بالعام الماضي، على أن يعاود الانخفاض إلى 2.3% خلال كل من عامي 2022 و2023، مما يعني معدل زيادة سنوية في الأسعار 2.58% خلال الفترة من 2021 إلى 2023، وهو ما لم تشهده البلاد منذ عام 1993.
وتتجاوز توقعات الخبراء معدل التضخم الذي استهدفه البنك الفيدرالي لسنوات، والمقدر باثنين بالمائة، والذي تخلى عنه مع اندلاع أزمة الجائحة وظهور تأثيراتها السلبية على الاقتصاد الأميركي وشركاته، الأمر الذي سيمثل الكثير من التحديات للمواطنين والشركات، وكذلك المستثمرين وصناع السياسة النقدية في البلاد.
والشهر الماضي، سجل مؤشر أسعار المستهلكين الأكثر شمولاً، مستوى 5.4%، أي أكثر من مرتين ونصف مستهدف البنك، إلا أن رئيسه جيرومي باول أكد في العديد من المناسبات أن هذا الارتفاع لن يستمر طويلاً، وأن معدل التضخم ما زال في حدود توقعات البنك. ويوم الإثنين، أظهر مسحٌ آخر، قام به بنك الاحتياط الفيدرالي بنيويورك لتقصي آراء المستهلكين عن معدلات التضخم، توقعهم الوصول إلى معدل 3.6% خلال السنوات الثلاث القادمة.
ولا يبدو أن الاقتصاد الأكبر في العالم سيكون وحيداً في مواجهة شبح التضخم، حيث اضطرت أغلب حكومات العالم، وتحديداً في الدول الغنية، إلى اقتراض تريليونات الدولارات، لتمويل حزم إنعاش الاقتصاد ومساعدة الأسر، التي تم ضخها على مدار الخمسة عشر شهراً الأخيرة، مستفيدة من معدلات الفائدة شديدة الانخفاض الحالية، وبتغيير الكثير من الاقتصاديين نظرتهم لمستويات الدين المرتفعة، وتأجيلهم التفكير فيها لحين الخروج من الأزمة الحالية. وفي 2021، سجل إجمالي المديونية العالمية أعلى مستوياته التاريخية، متجاوزاً للمرة الأولى حجم الناتج المحلي الإجمالي لكل دول العالم مجتمعة.
وفي حين تتمكن الاقتصادات الكبرى من توفير النسبة الأكبر من المبالغ التي تحتاجها من خلال الاقتراض المحلي والخارجي، يتجه العديد من البلدان إلى ما يعرف باسم "التمويل بالتضخم"، من خلال التوسع في طباعة النقود بصورة لم تكن لتحدث في ظروفٍ مختلفة، وهو ما يؤدي حتماً إلى ارتفاع معدل التضخم فيها. ويقول الدكتور باهر عتلم، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، إن "النتيجة ستكون واحدة، سواء تم التمويل بالاقتراض، أو من خلال طباعة المزيد من النقود، وسيرتفع معدل التضخم بصورة واضحة".
وباجتماع ظاهرة ارتفاع المديونية، مع عدم المبالاة بارتفاعها كما يظهر في معدلات العائد المنخفضة على أدوات الدين، تواجه اقتصادات العالم ظاهرة غير مسبوقة، ولا يعرف أحد ما يمكن أن تكون نتائجها. وفي الوقت الذي يبلغ فيه الدين العام أعلى مستوياته القياسية، ويتجاوز عجز الموازنة الأميركية 3 تريليونات دولار للعام الثاني على التوالي، ما زال معدل العائد على سندات العشر سنوات للخزانة الأميركية في حدود 1.35%.
ولا يختلف الأمر في الاقتصادات الأخرى التي يعاني أغلبها من ارتفاع المديونية، ربما أكثر من الولايات المتحدة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تدفع حكومة كل من اليونان والهند إلى اقتراضها من الأسواق أقل مما تدفعه الولايات المتحدة. وفي اليابان، التي تقترب مديونيتها من 10 تريليونات دولار، تمثل أكثر من 250% من ناتجها المحلي الإجمالي، ما زالت الحكومة تدفع معدلاً للعائد لا يتجاوز ما كانت تدفعه في الثمانينيات، حين كانت مديونيتها لا تتجاوز ثلثي ناتجها المحلي الإجمالي.
هبوط عجز الموازنة في يونيو
في مؤشر آخر، قالت وزارة الخزانة الثلاثاء، إن الحكومة الاتحادية سجلت عجزاً في الموازنة بلغ 174 مليار دولار في يونيو/حزيران، أو حوالي خُمس العجز المسجل في الشهر نفسه من العام الماضي البالغ 864 مليار دولار. وقفزت الإيرادات الشهر الماضي 87% إلى 449 مليار دولار في حين هبطت النفقات 44% إلى 623 مليار دولار.
وقال مسؤولون في الخزانة إن هبوط النفقات ساعد في خفض العجز بالميزانية في الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية الحالية إلى 2.238 تريليون دولار من 2.744 تريليون دولار في الفترة نفسها من السنة المالية السابقة. وزادت الإيرادات في الأشهر التسعة 35% مقارنة مع الفترة نفسها من السنة المالية السابقة إلى 3.056 تريليونات دولار بينما ارتفعت النفقات 6% إلى 5.294 تريليونات دولار.