ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي إلى مستويات جنونية خلال الأسبوع الماضي في أسواق العالم، إذ بلغ سعر الغاز بالمكافئ النفطي ما يعادل 410 دولارات للبرميل، وبلغ سعر الغاز الطبيعي في أوروبا يوم الثلاثاء الماضي 500 يورو لكلّ ميغاواط/ ساعة وباتت أسعاره تعادل 7 أضعاف أسعاره في أميركا.
ووفق بيانات أسواق الطاقة العالمية فقد واصل سعر الغاز الأوروبي ارتفاعه المتواصل، نهاية الاسبوع، في ظلّ مرور أوروبا بأزمة طاقة حادة وصعوبة جمع الاتحاد الأوروبي احتياطيات كافية تمكّنه من الاستغناء عن واردات الغاز الروسي خلال الشتاء من دون إحداث نقص يؤثر سلباً على الأنشطة الاقتصادية والأحوال المعيشية للمواطن.
وقال جون بلاسار المحلل لدى مؤسسة ميرابو (Mirabeau) إنّ "هذه قد تكون أكبر أزمة طاقة في أوروبا منذ جيل على الأقل". وفي آسيا من المتوقع أن تشهد أسعار الغاز الطبيعي المزيد من الارتفاع وسط تسابق شركات الطاقة على حجز شحنات الغاز المسال المحدودة مقابل الطلب العالمي قبل حلول الشتاء.
وهنالك مخاوف تنتاب الدول من تقلبات الطقس واحتمال حلول شتاء أكثر برودة وموجات من الصقيع خلال الشهور بين ديسمبر/ كانون الأول ومارس/ آذار.
هذه المخاوف دفعت أسعار الغاز الطبيعي إلى الارتفاع إلى ثلاثة أضعافها مقارنة بمستويات الأسعار في نفس الفترة من العام الماضي. وحسب بيانات بلومبيرغ، فإنّ أسعار الغاز المسال ارتفعت في الأسبوع الماضي إلى ما يقارب 60 دولاراً لمليون وحدة حرارية بريطانية في السوق الآسيوية.
وتشير نشرة ستاندرد آند بورز غلوبال إلى التنافس بين شركات الطاقة الأوروبية والآسيوية على شحنات الغاز المسال تسليم ديسمبر/ كانون الأول وما بعده تحسباً لفترة الشتاء.
وتعاني كلا القارتين من أزمة غاز الأنابيب، وبالتالي تعتمد على تلبية احتياجاتها في التدفئة وتوليد الكهرباء على الغاز المسال المستورد من المنطقة العربية وأستراليا والولايات المتحدة.
وبحسب تجار طاقة فإن الموقع الجغرافي لأسيا، خاصة بالنسبة للصين ودول جنوب شرقي آسيا يجعلها تعتمد أكثر على شحنات الغاز المسال المنقول عبر الناقلات البحرية، وفي المقابل فإن أوروبا تواجه أزمة خفض الإمدادات عبر الأنابيب التي كانت تصل إليها من روسيا عبر شبكة غازبروم على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا وتقاطعاتها مع إمدادات الغاز الطبيعي والنفط ومشتقاتها والعقوبات الغربية.
من جانبها تقول شركة "آي أتش ماركت" الأميركية للأبحاث إن الطلب على توليد الكهرباء في اليابان وكوريا الجنوبية وآسيا يواصل الارتفاع وسط مخاوف حدوث نقص في الشتاء. وتجتاح العالم منذ أكثر من شهر موجات غير مسبوقة من الحرارة وتقلبات حادة بالطقس تمتد من أميركا حيث تلتهم النيران مساحات واسعة من الغابات في كاليفورنيا، وتهدد تلك الموجات المحاصيل الزراعية إلى الجزيرة العربية حيث تحول الفيضانات منطقة الربع الخالي إلى أنهار.
وفي أوروبا وآسيا تدمر الفيضانات المدن والقرى وتهدد المحاصيل الزراعية حيث تجرف التربة. وباتت كارثة التسخين الحراري تسبب ضغطاً حقيقياً على شبكات المياه والغاز الطبيعي في العالم وتهدد إنتاجية مشاريع الطاقة المتجددة التي كانت تعول عليها الدول في خفض درجات الحرارة وتقليل الوقود الأحفوري في العالم.
وحتى الآن عرقلت موجات الحرارة والجفاف كفاءة توليد الطاقات المتجددة في العديد من الدول الأوروبية بسبب النقص في الرياح ومياه الأنهار، كما رفعت درجات الحرارة العالية استخدامات الغاز الطبيعي في التكييف في أوروبا وأميركا، وهو ما يعني عملياً أن التسخين الحراري بات يتحالف مع خطط موسكو لمحاصرة أوروبا عبر سلاح الطاقة ويفاقم تلقائياً أزمة النقص في إمدادات الغاز الطبيعي العالمية.
على صعيد الطاقات المتجددة، وحسب بيانات أوروبية، خسرت دول الكتلة الأوروبية نحو 14% من الطاقة الكهرومائية خلال الصيف الجاري بسبب الجفاف الشديد الذي ضرب القارة في شهر يونيو/حزيران ويوليو/ تموز. وتراجعت كميات المياه في الأنهار بنسبة 25% في العديد من الدول الأوروبية. وفي دولة مثل إيطاليا تراجعت طاقة التوليد عبر الرياح بسبب الجفاف. كما باتت مولدات الطاقة النووية في فرنسا لا تجد المياه الكافية لتبريد المولدات، وبالتالي تراجعت كمية الكهرباء المنتجة عبر الطاقة النووية في البلاد.
ولدى فرنسا نحو 56 محطة طاقة نووية وتعد الطاقة الكهربائية المنتجة عبر هذه المولدات من المصادر الرئيسية لتغذية شبكة الكهرباء في البلاد. ولكن أزمة الكهرباء بفرنسا لا تقف فقط عند النقص في المياه ولكنها تمتد إلى تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث إن الكهرباء المنتجة من المحطات النووية تعتمد بشكل رئيسي على الوقود النووي الذي تستورده من روسيا. وبالتالي فإن موسكو يمكنها الضغط على فرنسا في فترة الشتاء ببساطة بوقف إمدادات الوقود النووي.
وعلى الرغم من الاحتياطات المبكرة التي اتخذتها الدول الأوروبية لملء الخزانات الأرضية بالغاز الطبيعي وخفض حجم الاستهلاك بنسبة 15%، تحسباً لقطع شركة غازبروم الروسية للإمدادات كلياً في النصف الثاني من العام الجاري، فإن العديد من دول القارة العجوز لديها نقص كبير في الغاز.
وحسب ما ذكر مسؤول إمدادات الطاقة في ألمانيا، كلاوس مولر، لوكالة بلومبيرغ الأسبوع الماضي، فإن لدى ألمانيا إمدادات غاز تكفي لشهرين ونصف فقط لهذا الشتاء الذي بات على الأبواب. ومن غير المعروف كم سيستمر موسم الشتاء في أوروبا، ولكن عادة يراوح لفترة تمتد بين 4 شهور وخمسة شهور. وهنالك مخاوف أن تخفض شركات الغاز الطبيعي المسال لشحناتها التي تصدر إلى أوروبا بسبب الطلب القوي في السوق المحلي وارتفاع الأسعار فوق 9.10 دولارات لكلّ مليون وحدة حرارية.