التجربة اللبنانية في مصر

16 نوفمبر 2022
معيط توقع وصول تمويلات جديدة من دول الخليج ومن غيرها (Getty)
+ الخط -

عدلت وكالة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني الأسبوع الماضي نظرتها المستقبلية لمصر من "مستقرة" إلى "سلبية"، وقالت إن السبب الرئيسي في ذلك التعديل هو تدهور وضع السيولة الخارجية للبلاد، وتراجع قدرتها على الاقتراض من أسواق السندات الدولية.

لا يخفى على أي متابع حجم أزمة العملة التي تتعرض لها البلاد، والتي بدأت ملامحها تظهر للعلن قبيل نهاية الربع الأول من العام الحالي، حين تعقدت الأمور بسبب خروج الأموال الساخنة من السوق المصرية، كما ارتفاع أسعار النفط والغذاء العالمية.

وخلال الفترة من منتصف شهر مارس/ آذار الماضي وحتى الآن، ارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري بما يقرب من 55%، وتراجعت احتياطيات النقد الأجنبي من نحو 41 مليار دولار إلى أكثر قليلاً من 33 مليار دولار، بنسبة انخفاض تقترب من 20%، وارتفع الدين الخارجي بالتأكيد بعد الإعلان عن الحصول على ودائع من دول خليجية، إلا أن آخر رقم معلن عن الدين الخارجي قدر بأكثر من 157 مليار دولار، وكان ذلك في نهاية شهر مارس، الذي شهد بداية الإعلان عن الأزمة.

وخلال الفترة نفسها أيضاً، واصلت كلفة التأمين على الديون المصرية ارتفاعها، وقدرتها وكالة بلومبيرغ في بعض أنواع السندات المصدرة بأكثر من ألف ومائة نقطة.

هذا الأمر يعني أن الحكومة المصرية يتعين عليها أن تدفع فائدة على السندات الدولارية 15% مثلاً لو كانت السندات الأميركية، الأكثر أماناً في العالم، تدفع 4%، وهو ما اعتبرته بلومبيرغ، ومن بعدها وكالة فيتش، دليلاً على استحالة إصدار سندات دولية في الوقت الحالي.

لم يكن تعديل مؤسسة التصنيف الدولية نظرتها المستقبلية للبلاد مفاجأة، حيث يرى كثيرون أنها وشقيقتيها موديز وإس آند بي تأخرتا بالفعل في تعديل التصنيف الائتماني للبلاد، وليس فقط النظرة المستقبلية، بعد كل ما شهدناه من تدهور في أهم المؤشرات التي تؤخذ في الاعتبار عند وضع التصنيف الائتماني.

وقالت الوكالة، في تقريرها، إن محركات التصنيف الرئيسية تعكس ضعف السيولة ومخاطر التمويل، موضحةً أن ذلك يجعل البلاد عرضة لظروف عالمية معاكسة عند ارتفاع عجز الحساب الجاري والعجز الخارجي، ومشيرة إلى أن تغطية الاحتياطي أضعف من المتوسط (B)، وأنها لا تكفي لتغطية أكثر من أربعة أشهر فقط.

ولما سُئل وزير المالية المصري محمد معيط، في لقاء مع تلفزيون بلومبيرغ، عن الكيفية التي ستتعامل بها مصر مع وضعها الخارجي الحالي، وصعوبة الوصول إلى سوق السندات، كان رده سريعاً وواثقاً "Diversification"، أي التنويع، وهو ما فسره بعد ذلك بتنويع الأسواق التي يتم الاقتراض من خلالها.

وأشار الدكتور معيط إلى أن مصر لجأت للاقتراض من السوق اليابانية، بإصدار سندات الساموراي، وتتجه حالياً للاقتراض من السوق الصينية، بإصدار سندات الباندا، ثم أخيراً من سوق الصكوك، سواء بطرح عام في الأسواق الدولية، أو طرح خاص لبعض الدول أو المؤسسات.

لم يتوقف كثيراً معيط أمام فكرة صعوبة الاقتراض من الأسواق الدولية، وكان واثقاً من عثوره على أسواق أخرى، يمكنه الاقتراض من خلالها. وبمنتهى الثقة أيضاً، قال معيط إنه يتوقع وصول تمويلات جديدة من دول الخليج ومن غيرها، على مدار الأيام والأسابيع والأشهر القادمة.

ومرة أخرى كرر الوزير حديثه عن استفادة مصر من قرض صندوق النقد، البالغ ثلاثة مليارات دولار، بالإضافة إلى مليار دولار أخرى قد نحصل عليها لو نفذنا بعض الشروط التي وضعها الصندوق، في تعزيز إمكانية الحصول على قروض أخرى، من جهات أخرى، خلال الشهور الستة القادمة، بالإضافة إلى خمسة مليارات أخرى تم الإعلان عن الاتفاق عليها، مع بعض الدول والمؤسسات "من شركاء التنمية".

بدا معيط سعيداً وهو يتحدث عن عودة جزء من تدفقات الأموال الأجنبية للاستثمار في سوق أذون وسندات الخزانة بالعملة المحلية (الأموال الساخنة)، رغم سابق حديثه (هو شخصياً) "عن تأذينا" منها ثلاث مرات خلال السنوات القليلة الماضية، وإعلانه (هو شخصياً) عن رفضه الاعتماد عليها في سد العجز في الحساب الجاري للبلاد خلال الفترة المقبلة.

وتحدث حسنين مالك، أحد أهم محللي الأسواق، لتلفزيون بلومبيرغ، عن تأثير اتفاق الصندوق الأخير مع مصر على وضعها الخارجي، فقال إن الصندوق أغفل نقطتين هامتين، ترتبط أولاهما بحقيقة تعويم الجنيه المصري، حيث اعتبر أن تدخل البنك المركزي خلال الأيام الأخيرة للحد من انهيار العملة المصرية يعني أن ما حدث لم يكون تعويماً، وإنما كان تخفيضاً كبيراً، ليقوم بعدها البنك المركزي من جديد باتباع نظام "التعويم المدار" في سوق صرف العملة الأجنبية.

وقال مالك إن النقطة الثانية تتعلق بعدم حسم الصندوق قضية عدم تكافؤ الفرص بين الشركات المملوكة للحكومة والقوات المسلحة وتلك المملوكة للقطاع الخاص.

وأشار محلل الأسواق إلى أن عدم النجاح في حسم هذين الأمرين يعني أن كل ما قمنا به هو "بدء العد التنازلي للدخول في الأزمة التالية، ومن ثم تخفيض جديد للعملة المصرية، ثم انتظار حزمة إنقاذ جديدة من الشركاء الخارجيين".

ورغم تأكيد اقتناعه بأن ما تم من إجراءات ربما يتسبب في إعادة بناء احتياطيات النقد الأجنبي من جديد، أكد مالك أن العديد من الإجراءات التي سيتم اتخاذها خلال الفترة القادمة، من أجل تخفيض حجم الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، ستتسبب في تراجع معدلات النمو في البلاد. ويقول الدكتور معيط إن وزارته تسعى لتخفيض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي مما يقرب من 90% حالياً إلى 70% بحلول منتصف 2027.

يقول دويتشه بنك الألماني إن مصر تحتاج إلى 28 مليار دولار لتغطية مدفوعات الديون حتى نهاية السنة المالية 2023، و20 مليار دولار أخرى للعام التالي، بخلاف فاتورة الواردات التي لم يتحدث عنها البنك. فهل تتمكن مصر من جمع تلك المليارات؟ أم تراها تعيد التجربة اللبنانية، وإن بنكهة مصرية!

المساهمون