القلق يسيطر على "وول ستريت"..البورصات الأميركية تسجل أسوأ أداء في نصف قرن

04 يوليو 2022
تعرضت البورصات الأميركية لخسائر فادحة في النصف الأول من العام الجاري(Getty)
+ الخط -

تعرضت البورصات الأميركية لخسائر فادحة في النصف الأول من العام الجاري على خلفية مخاوف تتعلق بتراجع أرباح الشركات الكبرى ورفع سعر الفائدة على الدولار وتداعيات حرب أوكرانيا، حيث فقدت الأسهم الأميركية حوالي 9 تريليونات دولار من قيمتها خلال العام الجاري، مع سعي مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" لمواجهة التضخم الجامح، وتزايد المخاوف بشأن النمو العالمي.

وحسب بيانات "بلومبيرغ"، تراجعت قيمة الأسهم المدرجة بمؤشر "إس أند بي 1500" من 45.8 تريليون دولار في نهاية عام 2021 إلى 36.6 تريليون دولار عند إغلاق الأسهم في "وول ستريت" يوم الأربعاء. كذلك تراجع مؤشر "إس أند بي 500" بنحو الخمس في عام 2022، متجهاً نحو تسجيل أسوأ أداء خلال النصف الأول من عام منذ 1970.
لكن بوادر إيجابية ظهرت في أول تعاملات النصف الثاني من العام الجاري، حيث شهد يوم الجمعة، أول يوم تداول في النصف الثاني، بداية جيدة للأسهم والسندات الأميركية، في أعقاب انتهاء أسوأ 6 شهور من التداول للأسهم في أي عام منذ أكثر من نصف قرن، ليعتبرها محللون وسماسرة إشارة على تنامي توقعات، وربما أمنيات المستثمرين، بتحركات أقل تشدداً من الاحتياطي الفيدرالي فيما يخص رفع معدلات الفائدة وتقييد السياسة النقدية، إلا أن أغلب التحليلات ما زالت تشير إلى توجس البورصة الأميركية من أن يكون النصف الثاني من العام أكثر سوءاً من الأول.

ويوم الجمعة، ومع تراجع معدلات الفائدة على سندات الخزانة الأميركية، ووصول عائد ذات العشر سنوات، الأكثر أهمية في السوق الأميركية، إلى ما دون 2.9% للمرة الأولى في أكثر من شهر، ارتفعت مؤشرات الأسهم الرئيسية بالسوق الأميركية، إلا أن تلك الارتفاعات لم تكن كافية لمحو الخسارة الأسبوعية الرابعة للمؤشرات الثلاثة في آخر خمسة أسابيع، والتي تراوحت بين 1.3% و4.1%.

وفي نصفِ عامٍ سُمعت فيه التحذيرات من كل ذي قلب يعي من تسبب محاولات البنك الفيدرالي في كبح جماح التضخم في تراجع أسعار الأسهم وتكبدها خسائر كبيرة، قبل أن تأتي الحرب في أوكرانيا لتضاعف أسعار الطاقة والحبوب، وتتسبب في تزايد المخاوف من دخول الاقتصاد الأميركي في ركود، ومن ثم تراجع أرباح الشركات، حققت البورصات الأميركية خسائر فادحة.
وبحسب البيانات، فقد خسر مؤشر إس آند بي 500 أكثر من 20% من قيمته في أسوأ نصف عام أول له منذ عام 1970، بينما تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 15%، كانت الأكثر في أي 6 أشهر منذ عام 1962، واقتربت خسائر مؤشر ناسداك من 30%، ومؤشر روسيل 2000 من 24%، لتكون الأعلى على الإطلاق في النصف الأول من أي عام في تاريخهما.
وانخفضت الأسهم في أسواق أخرى حول العالم، إذ تراجع مؤشر "ستوكس 600" الأوروبي بحوالي 17% خلال العام الحالي، وتراجع مؤشر "إم إس سي آي" لأسواق منطقة آسيا والمحيط الهادئ 18%.
ولم تكن الأسهم الأميركية الضحية الوحيدة في النصف الأول من العام، حيث تراجع المؤشر الأشمل لأدوات الدخل الثابت (السندات) الأميركية، المعروف باسم AGG، بنسبة 10.7%، وهو أسوأ أداء نصفي له منذ عام 1975.
ويأتي ذلك تزامناً مع اهتزاز ثقة المستثمرين في الأسواق، في لحظة استخدمت فيها العديد من أسلحة البنك الفيدرالي، حتى أوشكت على النفاذ، بينما التضخم ما زال محلقاً عند مستويات غير مشهودة منذ واحد وأربعين عاماً.
وتظهر أسعار السندات الحالية رفعاً إضافياً لمعدلات الفائدة خلال النصف الثاني من العام الذي بدأ يوم الجمعة الماضي، إلا أن ذلك، وفقاً لبعض المحللين لم ينعكس بصورة كاملة في أرباح العديد من الشركات.
ويشير جوناثان جولوب من بنك "كريدي سويس" السويسري إلى أنه في الفترة التي تسبق ركود الأرباح، يميل التباين في تقديرات المحللين إلى الاتساع، على غرار مؤشر التقلب VIX، الذي يرتفع قبل دخول الأسهم في مرحلة الأسواق الهابطة، مؤكداً أن هذا لم يحدث حتى الآن، وأضاف قائلاً "قد تكون هناك بعض المخاوف من الركود الاقتصادي، لكن توقعات الأرباح لا تعكس ذلك".

ولا يبدو هذا الوضع قابلاً للاستمرار لفترات ممتدة، حيث أظهر مسح قام به بنك دويتشه الألماني الأسبوع الماضي وشمل 400 مستثمر عالمي تزايد نسبة الإجماع على توقع حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة خلال الشهور الثمانية عشر المقبلة لتصبح 71%، بعد أن كانت 29% في شهر فبراير/ شباط الماضي.
وأظهر المسح أيضاً توقع 17% أن يبدأ الركود قبل انتهاء العام الحالي 2022، بعد أن كانت النسبة لا تتجاوز 2% قبل بضعة أشهر. والشهر الماضي تساءل الاقتصادي كاردي بي، على حسابه على تويتر الذي يتابعه أكثر من 23 مليون شخص، قائلاً متى سيتم الإعلان عن دخول الاقتصاد الأميركي في ركود.
بدوره، توقع توم بورسيلي، كبير الاقتصاديين لدى بنك الاستثمار RBC Capital Markets، أن يتسبب تراجع قوة سوق العمل بحلول نهاية العام الحالي، وضعف ثقة المستهلكين، وانخفاض المدخرات، في التأثير على إنفاق المستهلكين، الذي شكل ما يقرب من 70% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة خلال سنوات الانتعاش الأخيرة.

ويضيف بورسيلي أن "التراجع المتوقع في سوق العقارات، وانخفاض الإنفاق الرأسمالي من قبل الشركات المتوجسة، مع استمرار التضخم المرتفع بعناد، ومن ثم الزيادات المتتالية في معدلات الفائدة من جانب البنك الفيدرالي، كل هذه الأمور تؤكد اقترابنا من الركود خلال النصف الثاني من هذا العام أو أوائل عام 2023".
وقبل أسبوع خفض "سيتي غروب" توقعاته لأداء الأسهم الأميركية هذا العام، بفعل رفع الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة بشكل حاد لوقف تسارع التضخم.
وقال محللو البنك الأميركي عبر مذكرة بحثية، إنه تم خفض مستهدف مؤشر "إس آند بي 500" إلى 4200 نقطة، ما يمثل هبوطاً بنحو 500 نقطة عن التقديرات السابقة.
وذكر التقرير: "تشديد الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية وتأثير الفائدة الحقيقية على التقييمات كانا سمة مميزة لتراجع سوق الأسهم في النصف الأول من العام الجاري".
ووضع محللو "سيتي غروب" احتمالية تبلغ 50% لحدوث ركود اقتصادي عالمي في العام المقبل، مع تسارع التضخم وضعف النشاط الاقتصادي.
ولم تأت البيانات الاقتصادية الأخيرة بالكثير لزيادة ثقة المحللين في الأسواق أو تحسين نظرتهم المستقبلية، حيث واصل مقياس ثقة المستهلكين الصادر عن "كونفرنس بورد" تراجعه في شهر يونيو/ حزيران الماضي لينخفض إلى 98.7 من 103.2 سجلها في مايو/ أيار.

وحافظ من شملهم المسح على تفاؤلهم بشأن سوق العمل الحالي، لكن المجالات الأخرى منه كانت أقل وردية، حيث كانت ظروف العمل المتوقعة خلال الفترة المقبلة هي الأضعف منذ عام 2009، وارتفع متوسط معدل التضخم المتوقع خلال العام المقبل بمقدار 0.5 نقطة مئوية من 8% التي كان عليها في شهر مايو/ أيار الماضي، وهي أعلى قراءة في تاريخ المسح البالغ 35 عاماً.
ويوم الأربعاء الماضي، تم تعديل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي للربع الأول نزولاً إلى 1.6%، ثم جاء يوم الخميس ببيانات إنفاق المستهلكين لشهر مايو/ أيار أضعف من المتوقع، منخفضاً بنسبة 0.4% بالقيمة الحقيقية، مع إجراء مراجعة هبوطية لأرقام شهر إبريل/ نيسان الذي سبقه.
ويقول محلل الأسهم نيكولاس جاسينكي إن "كل هذه المؤشرات تشير إلى تعقد الموقف الاقتصادي في البلاد، كونها تمثل مزيجاً صعباً للمستثمرين، وهي لا تترك عملياً أي مكان للاختباء في الأسواق، إلا أنها قد لا تؤثر على صانعي السياسة عند اتخاذ قرار السياسة النقدية خلال الاجتماعات القادمة".

المساهمون