تتدفق المصائب على البنوك الأوروبية من كل حد وصوب، القطاع يعيش أوقاتاً صعبة، يمرّ بحالة اضطراب وعدم استقرار ملحوظة.
قبل أيام اختفى واحد من أبرز بنوك الاستثمار وإدارة الأموال العالمية وهو "كريدي سويس" والذي ابتلعه غريمه التاريخي "يو بي إس" في صفقة هزيلة تبلغ قيمتها نحو 3.2 مليارات دولار.
أعقب انهيار ثاني أكبر المصارف السويسرية خفض تصنيف البنوك الأوروبية من قبل "سيتي بنك" أحد أكبر المصارف العالمية، وهو ما دعم حالة عدم الاستقرار في القطاع.
يوم الجمعة الماضي وضعت الحكومات والبنوك المركزية الأوروبية والسلطات الرقابية يدها على قلبها خوفاً من انهيار "دويتشه بنك"، وهو أعرق وأهم البنوك العالمية على الإطلاق، وأكبر مصرف في ألمانيا وأوروبا، حيث يواجه البنك خطر الإفلاس.
وضعت الحكومات والبنوك المركزية الأوروبية والسلطات الرقابية يدها على قلبها خوفاً من انهيار "دويتشه بنك"، أعرق وأهم البنوك العالمية
وهو ما دعا أولاف شولتس، المستشار الألماني، إلى إجراء محادثات عاجلة مع نظرائه الأوروبيين وكريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، والخروج بعدها بتصريح مقتضب لطمأنة البورصات وأسواق المال المضطربة وكبار المستثمرين والمودعين، والتأكيد على عدم وجود سبب للقلق بشأن المجموعة المصرفية الألمانية العملاقة.
في التوقيت نفسه خرج علينا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتصريح لافت قال فيه إن البنوك الأوروبية في حالة قوية، حتى مع تراجع أسهم البنوك الرئيسية في المنطقة بشكل حاد، وأكد المعنى محافظ بنك فرنسا المركزي.
سبق تصريحات ماكرون وشولتس وقوع ما يشبه الانهيار في سهم دويتشه بنك والذي فقد نحو 15% من قيمته في يوم واحد هو الجمعة، عقب حدوث قفزة حادة في تكلفة التأمين ضد مخاطر التخلف عن السداد، وهو ما عرّض القطاع المصرفي والمالي في ألمانيا وأوروبا لهزة عنيفة، خاصة أن التهاوي امتد لأسهم مصارف كبرى، في مقدمتها كوميرتس بنك.
قادة الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي تحركوا بسرعة لتهدئة مخاوف الأسواق وامتصاص الصدمة، وأصدروا بياناً مشتركاً أكدوا فيه أن البنوك الأوروبية تتمتع برؤوس أموال وسيولة جيدة، بفضل الدروس المستفادة، بعد انهيار بنك ليمان براذرز في عام 2008.
رغم الهدوء المؤقت داخل القطاع المصرفي الأوروبي، فإنه تلقى ضربة حيث اتهامه بالتورط في تهرب ضريبي زادت قيمته عن 108 مليار دولار
كريستين لاغارد خرجت لتطأن الأسواق والقادة القلقين حيث أبلغت زعماء الاتحاد الأوروبي بأن البنوك الأوروبية آمنة، لكنها دعت الحكومات إلى المضي قدماً في تنفيذ خطة أوروبا المرتبطة بالتأمين على الودائع، حتى يتم تهدئة مخاوف المودعين القلقين على ضياع أموالهم في حال إفلاس البنوك.
رغم الهدوء المؤقت داخل القطاع المصرفي الأوروبي، فإنه تلقى اليوم الثلاثاء ضربة جديدة، حيث داهم نحو 150 محققاً من وزارة المالية الفرنسية، و16 قاضياً فرنسياً، و6 مدعين ألمان، بنوكاً كبرى، في إطار تحقيق في احتيال وتهرب ضريبي واسع، وأجروا عمليات تفتيش في باريس وحولها في قضية يشتبه في أنها حرمت السلطات من عائدات ضريبية تزيد عن 108 مليار دولار.
ووفق رواية صحيفة لوموند، فإن القائمة تضم مصارف كبرى هي سوسيتيه جنرال: Societe Generale وبي إن بي باريبا BNP Paribas وإكسان Exane التابع لـ BNP وNatixis وHSBC.
وفي حال ثبوت هذه الاتهامات الخطيرة، فإن أسهم المصارف الأوروبية المتورطة ستتراجع بشدة، خاصة إذا ما دخلت تلك البنوك في مفاوضات مع السلطات القضائية لسداد هذا المبلغ الضخم من إيراداتها وأرباحها السنوية.
أزمة المصارف الغربية انطلقت من الولايات المتحدة بإفلاس 3 بنوك، منها "سيليكون فالي"، وامتدت إلى أوروبا، السلطات الأميركية نجحت مؤقتاً في احتواء الأزمة التي صدّرتها لدول العالم، كما جرى في عام 2008، حينما اندلعت أسوأ أزمة مالية في التاريخ الحديث، ثم انتقلت لدول القارة العجوز، فهل تنجح السلطات الأوروبية هذه المرة في احتواء الاضطرابات المصرفية والمالية المتصاعدة داخل دول القارة؟