البنك المركزي الروسي يفاجئ الأسواق بالعزوف عن رفع الفائدة

20 ديسمبر 2024
مقر البنك المركزي الروسي في موسكو، 25 فبراير 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أبقى البنك المركزي الروسي على سعر الفائدة عند 21% رغم التوقعات برفعها لمواجهة التضخم الناتج عن الفجوة بين العرض والطلب وزيادة الإنفاق العسكري، مع إمكانية رفعها مستقبلاً.
- أقر الرئيس بوتين بأن التضخم يشكل مصدر قلق رغم زيادة الدخول، وأشارت رئيسة البنك المركزي إلى أن استعادة معدلات التضخم المستهدفة قد تستغرق حتى 2026، وسط انتقادات حكومية.
- يسعى البنك لتجنب السيناريو التركي عبر رفع الفائدة لتحفيز الادخار وتقليص الطلب، رغم التحديات الاقتصادية والعقوبات الدولية.

فاجأ البنك المركزي الروسي الأسواق، اليوم الجمعة، باتخاذه في آخر اجتماع لمجلس إدارته في هذا العام الذي يشارف على نهايته قرارا مفاجئا بالإبقاء على سعر الفائدة الأساسية من دون تغيير عند مستوى 21%، بعد أن كانت كل المؤشرات تؤكد أنه سيرفعها مرة أخرى في محاولة جديدة لكبح جماح التضخم الناجم عن الفجوة بين العرض والطلب الذي تعانيه روسيا في ظل زيادة الإنفاق العسكري لمواصلة الحرب في أوكرانيا وما ترتب عليها من نقص العمالة والقدرات الإنتاجية بالشق المدني من الاقتصاد الروسي.

وأوضح المصرف المركزي في بيان أصدره في ختام اجتماعه أن الارتفاع الهام لأسعار الفائدة للمقترضين النهائيين و"تبريد" النشاط الائتماني يبشران باستئناف عملية تراجع وتيرة التضخم وعودة التضخم إلى المستويات المستهدفة رغم الطلب الداخلي المرتفع، مؤكدا أنه سيجري النظر في الاجتماع المقبل في مسألة وجود جدوى من رفع الفائدة مرة أخرى.

وبذلك امتنع المصرف المركزي عن رفع للفائدة للمرة الرابعة في غضون أقل من نصف عام، بعد استقرارها عند مستوى الـ16% طوال الفترة من ديسمبر/كانون الأول 2023 وحتى يوليو/تموز الماضي، حين قرر رفعها إلى 18%، ثم إلى 19% في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، وصولا إلى الرفع الثالث إلى 21% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في ظل عجز السلطات المالية الروسية عن السيطرة على التضخم الذي باتت وتيرته تلامس عتبة الـ10% على أساس سنوي.

وعشية انعقاد اجتماع المصرف المركزي، أقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال فعالية "الخط المباشر" مع المواطنين ومؤتمره الصحافي السنوي الكبير أمس الخميس، بأن نسبة التضخم فوق الـ9% تشكل إشارة مقلقة، لافتا في الوقت نفسه إلى أن الدخول الحقيقية للأفراد ازدادت هي الأخرى بنسبة 9%.

وما عزز التوقعات برفع الفائدة اليوم، إقرار رئيسة المصرف المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا، مطلع الشهر الجاري، بأن "مسافة الكبح" لإعادة التضخم إلى المعدلات المستهدفة البالغة 4% ستستغرق عام 2025 برمته وحتى قسم من عام 2026، مذكرة بأن المصرف المركزي أصدر في ختام اجتماعه الأخير في الشهر قبل الماضي، إشارة حازمة إلى السوق بإمكانية رفع جديد للفائدة.

من جهة أخرى، نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية عن ثلاثة مصادر مقربة من الكرملين أمس، قولها إن مسؤولين رفيعين، بمن فيهم رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، يشكون لبوتين من نابيولينا بسبب الفوائد المرتفعة التي "تنسف جهود الحكومة لدعم الاقتصاد الخاضع للعقوبات"، وفق اعتقادهم.

ومع ذلك، يرجع المحلل المالي ألكسندر رازوفايف دوافع المصرف المركزي في مواصلة رفع الفائدة طوال الأشهر الماضية إلى مساعيه لتجنب السيناريو التركي من جهة تسارع وتيرة ارتفاع الأسعار والفوائد، متوقعا في الوقت نفسه أن تساعد الفوائد المرتفعة المواطنين في تأمين قيمة مدخراتهم من التآكل في ظروف تسارع وتيرة التضخم.

ويقول رازوفايف، الذي يحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد، في حديث لـ"العربي الجديد": "نظرا لتنامي مخاطر تكرار السيناريو التركي لمعدلات التضخم الفائقة، يسعى المصرف المركزي للقيام بكل ما بوسعه لتحفيز الادخار وتقليص الطلب في ظل تعذر إنماء الإنتاج في ظروف العملية العسكرية في أوكرانيا ونقص العمالة. أضف إلى ذلك أن الفوائد المرتفعة على الودائع تساعد في حماية مدخرات المواطنين المودعة لدى المصارف والتي تقدر بمجموعها بـ56 تريليون روبل (أكثر من 500 مليار دولار وفقا لسعر الصرف الحالي)".

وحول رؤيته للأسباب الموضوعية التي أدت في المرات السابقة إلى رفع الفائدة مرة تلو الأخرى، يضيف: "من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم في العام المنتهي 9.5% مقابل الـ8 - 8.5% التي توقعها المصرف المركزي في أكتوبر الماضي. يضاف إلى ذلك انعدام الاستقرار بسوق الصرف على ضوء تراجع فائض التجارة الخارجية من 9.1 مليارات دولار في أكتوبر إلى 6.3 مليارات في نوفمبر/تشرين الثاني، نتيجة لتراجع الصادرات بوتيرة أعلى من الواردات".

وعشية اجتماع اليوم، توقع معظم المحللين الماليين بمصارف وشركات استثمار روسية كبرى استطلعت صحيفة إر بي كا الروسية آراءهم في مطلع الأسبوع الجاري، أن المصرف المركزي سيرفع سعر الفائدة الأساسية من 21 إلى 23%، وفق 23 من أصل 30 خبيرا. ولم يستبعد خمسة آخرون رفع الفائدة ثلاث أو أربع نقاط أساس دفعة واحدة إلى 24 أو 25%، فيما رجح اثنان فقط الإبقاء عليها من دون تغيير، ولكن مخرجات اجتماع اليوم بينت أنهما فقط كانا على صواب.

وذكر الخبراء المشاركون في الاستطلاع مجموعة من العوامل التي كانت تفرض رفع الفائدة، ومن بينها تجاوز وتيرة التضخم التوقعات تحت وطأة تراجع قيمة الروبل واقتراب حلول أعياد رأس السنة وعيد الميلاد المجيد، واستمرار التوقعات المرتفعة للتضخم بين الأفراد والشركات، والتذبذبات بسوق العملات بعد فرض عقوبات أميركية جديدة على أكثر من 50 مصرفا روسيًا، بما فيها غازبروم بنك المعني بتلقي تحويلات قيمة إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا.

وبدت السوق المصرفية هي الأخرى مهيأة لرفع الفائدة اليوم، إذ أظهر مسح أجراه "العربي الجديد" لعروض كبرى المصارف الروسية أنها طرحت على عملائها وضع مدخراتهم بودائع تصل عوائدها إلى 23 وحتى 24% وذات مدة تراوح بين ثلاثة أشهر وعام، وسط انعدام الوضوح حتى بشأن ما إذا كانت ستعود لخفضها بعد قرار اليوم.

إلا أنه حتى الفوائد المرتفعة لن تحمي، على ما يبدو، قيمة مدخرات الروس من التآكل بعد الموجة الأخيرة من تراجع العملة الروسية واستقرار سعر صرف الدولار عند مستوى يفوق الـ100 روبل لأول مرة منذ أغسطس/آب 2023، دون أن يصل حتى الآن إلى مستويات مارس/آذار 2022 الذي شهد تراجع الروبل لأدنى مستويات تاريخيا خلال الأسابيع الأولى من الحرب في أوكرانيا وما ترتب عليها من تجميد الأصول الروسية المودعة لدى الغرب بقيمة تفوق 300 مليار دولار.

المساهمون