البطالة في العراق: سوء تخطيط وضعف استراتيجيات المواجهة

10 سبتمبر 2021
يطالب العراقيون منذ سنوات بتوفير الوظائف (فرانس برس)
+ الخط -

فتح إعلان وزارة التخطيط العراقية عن عزمها على إجراء مسح جديد لتحديد نسب البطالة في البلاد والتي وصفتها بالمرتفعة، الجدل أمام الأسباب التي تؤدي إلى استمرار تفاقم هذه المشكلة.

وشكك برلمانيون ومراقبون بالنسب الحالية المعلنة من قبل وزارة التخطيط، معتبرين أنها وصلت إلى مستويات تفوق النسبة المعلنة بكثير.

كما أكد هؤلاء على الحاجة إلى وجود تخطيط جدي من قبل الحكومة لخفض نسبة البطالة، من بينها تنشيط القطاع الخاص.

وبحسب إيجاز صحافي قدمه المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، فإن الوزارة ما زالت تعتمد على المؤشرات السابقة التي تشير إلى أن نسبة البطالة هي 13.8 في المائة، مضيفا: "من المؤمل إجراء مسح جديد للبطالة في العراق خلال الفترة القريبة المقبلة".

ولفت إلى أن محافظة الأنبار تتصدر محافظات العراق في البطالة بنسبة 32.4 في المائة، تليها محافظة دهوك بنسبة 26.4 في المائة، ومن ثم محافظة ميسان بنسبة 20.4 في المائة، وبغداد بنسبة 9.3 في المائة".

شكك برلمانيون ومراقبون بالنسب الحالية المعلنة للبطالة من قبل وزارة التخطيط، معتبرين أنها وصلت إلى مستويات تفوق النسبة المعلنة بكثير

وأشار إلى عدم وجود علاقة واضحة بين البطالة والفقر، قائلا "قد يكون الإنسان عاطلا من العمل، ولكن تتوفر لديه خدمات السكن والتعليم والصحة، والعلاقة بين البطالة والفقر تقتصر فقط على الدخل بشكل أو بآخر، حيث إن العاطل سيواجه صعوبة في الحصول على الأموال لتأمين المستلزمات الحياتية".

وأكد نواب بالبرلمان العراقي ومراقبون أن المدن الشمالية والغربية تصل نسب البطالة فيها إلى مستويات قياسية، بسبب تبعات المعارك مع تنظيم "داعش"، والتي أتت على أكثر من 3 آلاف معمل ومصنع.

إضافة إلى أكثر من 30 ألف ورشة ومشغل إنتاجي ضمن الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى وكركوك ومناطق حزام بغداد، عدا عن الأراضي الزراعية التي تحتاج إلى مبالغ ضخمة لإعادة استصلاحها والتي تقدر بنحو مليوني هكتار.

وأكد عضو البرلمان وليد السهلاني أن زيادة نسبة البطالة في عموم العراق تحتاج إلى وقفة جادة من قبل الحكومة، مشيرا في حديث مع "العربي الجديد"، إلى وجود حلول كثيرة، منها تخص البرلمان تتعلق بتشريع قانون الضمان الاجتماعي الذي يمثل فرصة جيدة يمكن أن تقلل من نسبة البطالة، وأخرى مرتبطة بالسلطة التنفيذية من خلال الضغط على المحافظات والوزارات لتشغيل الشباب عبر التعاقد في المشاريع.

وبين أن البطالة تنذر بعواقب غير محمودة، لأنها تترتب عليها آثار تصعب معالجتها، مؤكدا الحاجة إلى معالجات دقيقة في الجانبين التشريعي والتنفيذي.

وأوضح السهلاني أن أغلب المحافظات تعاني من نسب بطالة عالية، وخصوصا شريحة الخريجين، مبينا أن الحكومة تحتاج إلى تخطيط دقيق، والقدرة على التنبؤ بالمشاكل قبل حدوثها.

المدن الشمالية والغربية تصل نسب البطالة فيها إلى مستويات قياسية، بسبب تبعات المعارك مع تنظيم "داعش"، والتي أتت على أكثر من 3 آلاف معمل ومصنع

ووفق عضو البرلمان العراقي فإن "سوء التخطيط أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة، ولا بد من توفر رؤية اقتصادية سليمة مبينة على أساس المدخلات المالية، والقدرة على تحقيق التنمية بمختلف أنواعها"، مضيفاً: "نحتاج إلى رؤية حكومية في مسألة توفير فرص العمل".

وشدد على ضرورة تشريع البرلمان قانون الضمان الاجتماعي، وإطلاق الحكومة مبادرة لتشغيل الشباب، موضحا أن ذلك يمكن أن يساهم في تقليل نسبة البطالة التي قال إنها قد تكون أكبر من تلك التي أعلنت عنها وزارة التخطيط.

وهو ما ذهب إليه الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، الذي أشار في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن نسبة البطالة أكبر من تلك التي أعلنت عنها وزارة التخطيط، لافتاً إلى أنه "أمر متوقع أن ترتفع نسبة البطالة مع ارتفاع معدلات الفقر نتيجة لمجموعة من العوامل الاقتصادية".

ولفت إلى أن تغيير سعر الصرف ساهم بالجزء الأكبر من أسباب ارتفاع نسبة البطالة، إذ أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم، ما تسبب بتوقف الكثير من الأعمال.

ومنذ مطلع العام الحالي، قررت الحكومة العراقية رفع سعر صرف الدولار من 1200 إلى 1450 ديناراً ضمن حزمة إجراءات اتخذتها لمواجهة الأزمة الاقتصادية، ما تسبب بحدوث ارتفاع ملحوظ في الأسعار.

وبين المشهداني أن قدرة القطاع العام على توفير التعيينات تراجعت منذ عام 2014، كما أن القطاع الخاص يشهد ركوداً منذ سنوات، مبينا أن "كل ذلك انعكس سلباً ورفع نسبة البطالة".

وأشار إلى وجود "فشل في التخطيط وإدارة السياسات الاقتصادية، ليس اليوم فقط، بل في عهود كل الحكومات السابقة التي سارت من تخبط إلى آخر".

منذ مطلع العام، رفعت الحكومة سعر الدولار من 1200 إلى 1450 ديناراً ضمن حزمة إجراءات اتخذتها لمواجهة الأزمة الاقتصادية، ما تسبب بحدوث ارتفاع ملحوظ في الأسعار

وقلل من أهمية العامل الأمني كمؤثر على ارتفاع نسبة البطالة، موضحا أن البطالة موجودة في أكثر مناطق البلاد أمنا، مثل محافظة المثنى ومناطق جنوبية أخرى.

ولفت إلى أن الحل يكمن في تفعيل الاستراتيجيات الحكومية، ومنح القطاع الخاص دورا أكبر للعمل في السوق العراقية، مبينا أن القطاع الحكومي يمر بحالة من الترهل.

وأوضح أن القطاع الحكومي العام يحارب القطاع الخاص، من خلال تعقيدات كبيرة تفرض مثلا في الضريبة أو الجمارك، مؤكدا أن ذلك يمثل عائقا أمام أي خطوات قد تتخذ لتقليل نسبة البطالة. 

المساهمون