صاحب الفكرة باحث من علماء مركز البحوث الزراعية المشهود لهم بالكفاءة والتميز. يقول إنّه أمضى 20 عاماً من حياته البحثية في استنباط أصناف جديدة من البطاطا غزيرة الإنتاج وذات محتوى عالٍ من النشويات ومنخفض من السكريات لتكون مناسبة لصناعة الخبز البلدي المدعم. وهذا نجاح يحسب للباحث المتخصص في تربية الخضر وإنتاج السلالات النباتية من خلال التهجين بين الأصناف والانتخاب الوراثي.
لكن، ليس بالضرورة أن تستخدم البطاطا كبديل لدقيق القمح في انتاج الخبز البلدي المدعم الذي يعتمد عليه ملايين المصريين في الحصول على احتياجاتهم الأساسية من البروتين والسعرات الحرارية. ذلك أنّ محتوى البطاطا الحلوة من البروتين لا يزيد على 2 بالمائة في البطاطا، في مقابل 12 بالمائة في دقيق القمح. ونسبة الكربوهيدرات في البطاطا الحلوة 25 بالمائة، في مقابل 72 بالمائة في دقيق القمح.
وبالتالي، فإنّ إضافة درنات البطاطا الحلوة المسلوقة إلى دقيق القمح بنسبة واحد إلى واحد سوف تقلل نسبة البروتين في الخبز بنسبة 50 بالمائة، والسعرات الحرارية بنسبة 30 بالمائة. ما يجعل البطاطا بديلا غير جيد لإنتاج الخبز البلدي المدعم الذي يوفر 70 بالمائة من احتياجات المصريين من البروتين، و50 بالمائة من السعرات الحرارية، وفق دراسة عن الخبز البلدي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في سنة 2014.
الجدوى الاقتصادية
يقارن الباحث بين متوسط إنتاج الفدان من درنات البطاطا وحبوب القمح، فيقول إنّه استطاع أن يصل بإنتاج الأول إلى 20 طناً، في حين أنّ فدان القمح في أفضل حالاته ينتج 20 إردباً، وهو ما يعادل 2 طن من الدقيق. وبالتالي فإنّ إنتاج الفدان الواحد من البطاطا يعادل إنتاج 10 أفدنة من القمح، وفق حواره مع صحيفة الأهرام الحكومية في 24 مارس/آذار هذا العام.
وهي مقارنة غير صحيحة، واستنتاج خاطئ بُني على استدلال خاطئ. فعند مقارنة إنتاج الفدان من البطاطا بالقمح يجب احتساب نسبة الرطوبة في المحصولين. لأنّ متوسط نسبة الرطوبة، في درنات البطاطا يساوي 75 بالمائة، ومتوسط نسبة المادة الجافة، من كربوهيدرات وبروتين ودهون وعناصر معدنية وفيتامينات، هو 25 بالمائة. ويكون الصواب هو أن الفدان الذي ينتج 20 طنا من درنات البطاطا ينتج 5 طن من الدقيق. وقد صرح الباحث في صحيفة اليوم السابع بتاريخ 27 يونيو/حزيران بأنّ الفدان يعطي 4 أطنان فقط من الدقيق عند تجفيف البطاطا وطحنها.
في المقابل، فإنّ متوسط نسبة الرطوبة في القمح المصري لا يزيد عن 9 بالمائة، ونسبة المادة الجافة التي تمثل المكونات الغذائية في الحبة 91 بالمائة. ولذلك يعتبر القمح هو مادة صناعة الخبز الرئيسة في مصر وفي العالم كله ومنذ فجر التاريخ، ولا يوجد بديل كامل له حتى الآن.
والقول إنّ فدان القمح ينتج 20 إردباً وهو يعادل 2 طن من الدقيق، حساب خاطئ، لأنّ القمح يُطحن بنسبة استخلاص 82 بالمائة لإنتاج رغيف الخبز البلدي المدعم. وتبلغ نسبة التصافي في هذه الحالة 2.5 طن من الدقيق في الفدان، وليس 2 طن، ويمكن زيادتها إلى 2.8 طن للفدان برفع نسبة الاستخلاص إلى 93.3 بالمائة. والنسبة المتبقية تسمى النخالة وهي ذات قيمة غذائية عالية، يستخدم جزء منها في عملية الخبز، والباقي في العلف الحيواني. وحالياً يزيد سعرها عن سعر القمح. ما يعني أنّ متوسط إنتاج الفدان من القمح هو 3 أطنان كاملة.
ورغم أنّ متوسط إنتاج الفدان من القمح 3 أطنان في مقابل 4 أطنان من دقيق البطاطا، لكنّه ليس مبرراً لخلط الخبز بالبطاطا، لأنّ إنتاج القمح في مصر تراجع مؤخراً عن بعض الدول مثل أوكرانيا التي تنتج ما يعادل 4 أطنان من الفدان. ويوجد في مصر أصناف قمح تنتج 4.5 أطنان من الفدان لكن لا يجري تعميمها على المزارعين لأهداف غير وطنية بأي حال.
وفي تصريحه لصحيفة الدستور بتاريخ 27 يونيو، يقول الباحث إنّ الطن الواحد من البطاطا الجنداوي المسلوقة يعادل طن دقيق، وأن الفدان ينتج 20 طنا من البطاطا ويعادل 10 أفدنة من إنتاج القمح. وهذا خطأ كبير، لأن الباحث يحتسب نسبة الماء الموجودة في البطاطا المسلوقة كأنها دقيق، وهذا غير صحيح. ذلك أن دقيق القمح المعد لصناعة الخبز البلدي تضاف إليه كمية من المياه تعادل 70 بالمائة من وزنه لإتمام عملية العجين، ثم يتبخر معظمها في فرن الخبيز، وتبقى نسبة 35 بالمائة من الرطوبة في الخبز الناتج.
أخشى أن نكرر تجربة إضافة دقيق الذرة إلى دقيق القمح بنسبة 20% لإنتاج رغيف الخبز المدعم، وهو القرار الذي نفذه في سنة 1997 الدكتور أحمد جويلي، وزير التموين الأسبق، وكانت حجته أنّ سعر الذرة أقل من القمح، وأنّ إضافة الذرة سوف توفر استيراد القمح والعملة الصعبة التي تدفعها الدولة في الاستيراد.
ورغم معارضة المتخصصين في صناعة الطحين القرار في بدايته، لأنّ دقيق الذرة في حد ذاته يفتقر إلى مادة الغلوتين اللازمة لتكوين عرق العجين، الذي يختص به القمح وحده، وهي لازمة لفصل طبقتي الرغيف أثناء التسوية، والمطاحن القائمة غير مجهزة لطحن حبوب الذرة، وحجم حبيبات نشاء الذرة أكبر من مثيلتها في دقيق القمح، واحتمال حدوث خلط غير متجانس للدقيق، طبقت الحكومة القرار.
بعد تنفيذ الفكرة زادت نسبة الخبز التالف أثناء عملية الخبز، وتبين أنّ الخبز المحتوي على دقيق الذرة يفقد طزاجته بعد وقت قصير لا يزيد على ساعتين، ثم يصبح غير مناسب للأكل، وزادت نسبة فقد الخبز في صناديق القمامة في المدن، وحظائر الطيور والمواشي ومزارع السمك في القرى. وقدرت الوزارة نسبة فقد الخبز بأكثر من 30%، وأصبحت إضافة الذرة إهداراً للمال العام.
ورغم معارضة القرار من جانب خبراء الصحة والتغذية بسبب احتواء دقيق الذرة على نسب عالية من السموم الفطرية وغيرها من المواد السامة وتسببها في زيادة نسب أمراض السرطان في مصر، استمرت إضافة الذرة طوال عشر سنوات. وفي أزمة الغذاء العالمية في سنة 2007 زاد سعر الذرة عن سعر القمح ورغم ذلك استمرت الحكومة في إضافة الذرة لسنوات أخرى من دون مبرر. ثم قامت ثورة يناير (كانون الثاني 2011) وأوقف الدكتور باسم عودة، وزير التموين في عهد الرئيس الراحل الدكتور محمد مرسي، إضافة دقيق الذرة إلى الخبز ما أدى إلى تحسين جودة الخبز بشهادة المجتمع المصري كله.
فجوة في الأعلاف
نجاح الباحث المتخصص في تربية الخضر في استنباط سلالة من البطاطا يصل إنتاج الفدان منها إلى 20 طناً هو إنجاز كبير يحسب للباحث وينبغي أن يكافأ عليه، لا سيما أنّ المتوسط العالمي لإنتاج الفدان من السلالات الأخرى في حدود 15 طناً فقط. لكنّ الإصرار على استخدام البطاطا في إنتاج الخبز البلدي المدعّم هو المشكلة. وهنا سؤال مهم ألا وهو، لماذا لا توجه البطاطا إلى الاستخدام في الأعلاف الحيوانية والتي تعاني من فجوة كبيرة في مصر ربما أكبر من فجوة القمح؟!
في العام الماضي بلغت واردات مصر من الأعلاف المتمثلة في الذرة الصفراء وفول الصويا 15.5 مليون طن، بمعدل 11 مليون طن من الذرة الصفراء، ومن الصويا 4.5 ملايين طن، وفق تقرير الإدارة المركزية للحجر الزراعي. وهي كمية كبيرة تفوق واردات مصر من القمح والتي وصلت إلى 13 مليون طن. وتكلفة استيراد الأعلاف بالدولار أعلى من تكلفة استيراد القمح أيضاً.
الصين هي أكبر منتج للبطاطا الحلوة في العالم، بمعدل 50 مليون طن، تمثل 50 بالمائة من الإنتاج العالمي. وتشير الإحصاءات إلى استخدام 65 بالمائة من إنتاج البطاطا الحلوة في الصين وفي دول الإنتاج الأخرى في تغذية الحيوانات. والنسبة الباقية توجه للاستخدامات الصناعية في إنتاج النشاء والكحول الصناعي والوقود الحيوي وتغذية الإنسان.
خلاصة القول إنّه لا بديل للقمح في صناعة الخبز، والعالم لم ينجح بعد في إيجاد بديل كامل يمكن أن يحلّ محل القمح في إنتاج الخبز، وإنّ التركيز نحو الهدف، وهو الاكتفاء الذاتي من القمح، وفق الخطة التي وضعها الرئيس الراحل، الدكتور محمد مرسي، في سنة 2012 وأتت أكلها بنسبة 30 بالمائة في أول سنة بتقديم أسعار مجزية للمزارعين وتشجيعهم على زيادة المساحة المنزرعة بالمحصول الإستراتيجي أصبحت بسبب الأزمة الحالية، ضرورة ملحّة أكثر من أي وقت مضى. ولا أملّ التأكيد على أنّ تطبيق الدورة الزراعية ونشر البذور عالية الإنتاج يمكن أن يضاعفا إنتاج القمح رأسياً قبل زيادة المساحة الأفقية.