أدت حرب أوكرانيا والظروف الجوية القاسية إلى ارتفاع أسعار البصل والخضراوات الأخرى في 10 دول على الأقل في غرب آسيا وشمال أفريقيا وأوروبا، وفقاً لمنصة "ذا فيديرال" الهندية، التي اعتبرت أن أسعار البصل تجعل الناس يبكون في جميع أنحاء العالم.
وفي حين أن أسعار الخضراوات (إلى جانب البطاطس) قد انهارت في الهند، ما وضع المزارعين في مأزق، فإن باكستان المجاورة وما لا يقل عن تسعة بلدان أخرى في جميع أنحاء آسيا وأوروبا وأفريقيا ترزح تحت الأسعار المرتفعة للغاية، وذلك بسبب الحرب في أوكرانيا والتطرف الشديد في الطقس.
بعض الدول الأخرى التي شهدت ارتفاع أسعار البصل هي الفيليبين وأوكرانيا وتركيا وكازاخستان وأوزبكستان وطاجكستان وأذربيجان والمغرب والنمسا، ما يجعلها رمزاً لأزمة الغذاء العالمية. في الفيليبين، ورد أن أسعار البصل أعلى من أسعار اللحوم، ما دفع الناس إلى مقارنة الخضار بالذهب، ويقول الخبراء إن الأسوأ لم يأت بعد.
بدأت المشكلة العام الماضي مع الحرب الروسية الأوكرانية، التي أنهت مؤخراً عاماً. أولاً، أصبح القمح والحبوب الأخرى أكثر تكلفة. الآن، انخفضت هذه الأسعار، لكن سوق الخضار العالمي تأثر. وتقول تقارير إعلامية إن تكلفة البصل تضاعفت أربع مرات خلال الأشهر الأربعة الماضية.
الطقس والحرب
وشهدت أسعار البصل الأحمر في الفيليبين، مثلاً، ارتفاعاً بمقدار عشرة أضعاف في ثمانية أشهر. ولم تكن أوكرانيا العامل الوحيد، فقد دمرت الأعاصير التي ضربت العديد من البلدان، وكذا الطقس المتطرف في أجزاء من أوروبا وأفريقيا ووسط وغرب آسيا، الكثير من المحاصيل، وخوفا من نقص في السوق المحلية، حظرت هذه الدول تصدير البصل. وقد أدى ذلك، إلى جانب أزمات الغذاء والوقود والأسمدة العالمية، إلى ارتفاع معدلات التضخم.
في باكستان، دمرت الفيضانات العام الماضي جزءاً كبيراً من المحصول، وبعد ذلك اضطرت الدولة، التي تصدر البصل في العادة، إلى استيراده من إيران وأوزبكستان وتركيا. الآن، قيدت تركيا تصدير البطاطس والبصل بعد فيضانات متتالية في نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي أثرت على المحاصيل. الآن، ارتفعت الأسعار بشكل صاروخي في البلد الذي يصارع زلزالاً مميتاً، تركيا منعت تصدير البصل وكذلك أذربيجان.
من ناحية أخرى، اضطرت أوكرانيا، التي اعتادت تصدير البصل أيضاً، إلى استيراد الخضار من بولندا ورومانيا ومولدوفا وكازاخستان وتركيا، بعد الحرب التي ضربت إنتاجها. تعفن الكثير من مخزونها بسبب انقطاع التيار الكهربائي المستمر.
وفي أفريقيا، أثر الجفاف الشديد وارتفاع تكاليف البذور والأسمدة على المزارعين. في المغرب، أدت الفيضانات والعواصف إلى تأخير العبارات وإلغائها، ما أثر على نقل المحاصيل. ثم أدت موجة برد، سجلت في البلاد في الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى فبراير/ شباط من هذا العام، إلى تفاقم الوضع.
الأزمة تمتد إلى الدول العربية
وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أنه في فبراير / شباط، أوقف المغرب تصدير البصل والطماطم والبطاطس إلى غرب أفريقيا أثناء محاولته حماية الصادرات إلى أوروبا. ومع ذلك، فإن ذلك لم يحد من ارتفاع أسعار الخضار. لقد خرج البصل والطماطم عن متناول المواطن العادي.
ومما يزيد المشكلة أن الطلب المتزايد من أوروبا يفرض ضغوطاً إضافية على المغرب. تعرضت أجزاء من أوروبا للجفاف العام الماضي، كما تأثرت هولندا، أكبر مصدر للبصل في العالم. أدى هذا إلى ارتفاع أسعار البصل في البلاد، وفي الفترة من يناير إلى فبراير، كانت أسعار الجملة عند مستوى قياسي بلغ 0.70 دولار للكيلوغرام.
وتواجه المملكة المتحدة أيضاً نقصاً حاداً في الخضار، ما يضطر محلات السوبرماركت إلى تقنين بيع الطماطم والخيار ومكونات السلطة الأخرى. في حين انخفض المعروض من البصل من إسبانيا والبرتغال، تراجع المستوردون الأوروبيون عن المنتجات المغربية. الآن، حظرت الدول الأوروبية، مثل النمسا، أيضاً تصدير البصل والخضراوات والفواكه الأخرى مثل الجزر والطماطم والبطاطس والتفاح.
وقفزت أسعار البصل في ليبيا بنسبة 300% خلال فبراير الماضي بالمقارنة مع سعرها خلال شهر يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط للعام الماضي. وأكد عدد من المزارعين وباعة الجملة في سوق الخضراوات بسوق جنزورغرب طرابلس، لـ"العربي الجديد"، أن هناك طلباً متزايداً على البصل مع قرب حلول شهر رمضان و محدودية العرض، كما أن الإنتاج المحلي لا يكفي لتغطية متطلبات السوق، وأن سعر الكيلو وصل إلى ثمانية دنانير، ما يعادل 1.66 دولار.
وفي لبنان، كان لافتاً بلوغ سعر كيلوغرام البصل 70 ألف ليرة، وتجاوز في بعض المناطق اللبنانية 75 ألف ليرة، بينما كان لا يتخطى قبيل اندلاع الأزمة الاقتصادية عام 2019 نحو ألف، و9 آلاف ليرة يوم كان الدولار بـ30 ألف ليرة. وفقدت العملة المحلية في لبنان منذ عام 2019 أكثر من 90% من قيمتها، وسط زيادة مستمرة في أسعار المواد الغذائية، ما جعل الأمن الغذائي مصدر قلق بالغ، مع عدم تمكن معظم الأسر من الحصول على ما يكفيها من المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية.
رتفعت أسعار البصل في الأسواق المصرية متأثرة بزيادة الصادرات إلى الأسواق الخليجية، التي أقبلت على جلب كميات هائلة من البصل المصري، مدفوعة بتدهور الإنتاج في مناطق زراعته التقليدية في الفيليبين والهند وباكستان، وارتفاع أسعاره عالميا في الموسم الحالي. ووصل سعر كيلوغرام البصل الأحمر والأبيض درجة أولى إلى 15 جنيها، وإلى 9 جنيهات للدرجة الثانية، والأبيض الجديد إلى 10 جنيهات لدى تجار الجملة.
حالة غذائية مقلقة
وقد دفع هذا الوضع الأمم المتحدة والبنك الدولي إلى إطلاق تحذير بشأن الأمن الغذائي. ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) التابعة للأمم المتحدة، فإن الوجبات الصحية لا يمكن تحملها بالفعل لثلاثة مليارات شخص، وخاصة بالنسبة لأفقر البلدان، بما في ذلك تلك الموجودة في أفريقيا جنوب الصحراء.
ونقلت وكالة "بلومبيرغ" عن تيم بينتون، مدير الأبحاث في المخاطر الناشئة في تشاتام هاوس بلندن، قوله إن العالم ينتج فائضاً من الحبوب النشوية والسكر والزيوت النباتية مقارنة باحتياجاته الغذائية، في حين ينتج حوالي الثلث فقط من الفواكه والخضراوات المطلوبة.
ويشرح موقع "أرجنبابا" المتخصص بالزراعة في الأرجنتين أن البصل هو العنصر الأساسي في المأكولات في جميع أنحاء العالم، ومن الخضراوات الأكثر استهلاكاً بعد الطماطم (تقنياً فاكهة). يُنتج حوالي 106 ملايين طن سنوياً، تقريباً نفس إنتاج الجزر واللفت والفلفل والثوم مجتمعة.
الآن، في جميع أنحاء العالم، ترتفع الأسعار بشكل كبير، ما يؤدي إلى زيادة التضخم ويدفع البلدان إلى اتخاذ إجراءات لتأمين الإمدادات الغذائية.