الباكستانيون يئنون معيشياً... وتراشق بين الحكومة والمعارضة

23 فبراير 2023
الغلاء يطاول مختلف السلع بعد زيادة أسعار الوقود (فرانس برس)
+ الخط -

تئن غالبية الباكستانيين من الغلاء وتراجع مستويات المعيشة، وسط تنفيذ الحكومة اشتراطات مؤلمة من قبل صندوق النقد الدولي مقابل إقراض الدولة التي تعاني من ضائقة مالية حادة، بينما تتراشق الحكومة والمعارضة حول أسباب الانهيار الاقتصادي الذي وصل إليه البلد الآسيوي الذي يقبع ثلث سكانه البالغ إجماليهم حوالي 231.4 مليون نسمة تحت خط الفقر.

وجرى فرض ضرائب جديدة بقيمة 170 مليار روبية (ما يعادل 630 مليون دولار)، ضمن مشروع قانون المالية التكميلي للعام المالي الحالي، الذي أفصحت عنه الحكومة في العاشر من فبراير/شباط الجاري، ما أدى إلى ارتفاع أسعار كل ما يحتاج إليه المواطن في حياته اليومية، خاصة الوقود والغاز والمواد الغذائية الأولية. كما تدهورت قيمة الروبية الباكستانية إلى مستوى قياسي، لتصل إلى 262 روبية للدولار، ما أثر في حياة المواطن.

وبات من الصعب على الطبقة الفقيرة وحتى المتوسطة أن تحصل على مقومات الحياة الأساسية وسط الغلاء المتصاعد. ويقول المواطن صالح عباس من سكان العاصمة إسلام أباد لـ"العربي الجديد" إن المشكلة الأساسية ليست فقط في ارتفاع أسعار الوقود، بل مختلف السلع والخدمات التي تأثرت بزيادة أسعار الوقود.

ووصل سعر لتر البنزين إلى 272 روبية (1.04 دولار)، والديزل 280 روبية. ويؤكد عباس أن "هناك قفزة كبيرة في أجور سيارات النقل، ومعروف أن المواطن الباكستاني يعتمد كثيراً على وسائل التنقل الجماعية، كما أن هناك ارتفاعا في أسعار الكهرباء والغاز والأغذية، وبالتالي الحياة أصبحت صعبة للغاية، خاصة لأصحاب الدخل المحدود".

كما يقول المواطن ثاقب سعيد، أحد العاملين في شركة محلية في مدينة روالبندي الذي يتقاضى راتباً قدره 20 ألف روبية باكستانية (76 دولارا) إنه كان يأتي إلى مكتبه في السابق على الدراجة النارية، لكن بعد ارتفاع أسعار البترول اضطر إلى الذهاب مترجلا إلى المكتب ما يأخذ منه 40 دقيقة ذهابا وغيرها إيابا يوميا.

علاوة على ذلك يفكر سعيد في ترك المنزل الحالي الذي يقطنه ويستأجر منزلاً آخر أصغر حجماً من غرفة واحدة، لتقليص نفقاته على الإيجار الذي يستحوذ على ستة آلاف روبية حالياً (22 دولاراً)، مؤكدا أنه يحاول أن يجد عملاً إضافيا في الفترة المسائية لتوفير احتياجات أسرته.

وفي مقابل الغلاء الذي يعتصر معيشة معظم المواطنين، تتراشق الحكومة والمعارضة حول أسباب الانهيار الاقتصادي للدولة، والذي أجبرها أخيراً على الرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي مقابل الإفراج عن قرض مصيري متعثر جرى الاتفاق عليه العام الماضي.

وزارت بعثة من صندوق النقد باكستان في الفترة من 31 يناير/كانون الثاني الماضي إلى 9 فبراير/شباط الجاري. وبعد محادثات طويلة طلبت البعثة من الحكومة تنفيذ إجراءات عدة للتوصل إلى اتفاق للإفراج عن القرض. وتشمل شروط الصندوق سحب دعم الكهرباء، ورفع أسعار الغاز لتتماشى مع الأسعار العالمية، وتحرير سعر الصرف، ورفع القيود الحكومية على الاستيراد وزيادة الضرائب.

وكان الصندوق قد صرف دفعة بقيمة 1.1 مليار دولار في أغسطس/ آب الماضي من القرض البالغ إجماله 6 مليارات دولار، لكن المحادثات بين الطرفين تذبذبت منذ ذلك الحين، بسبب تردد باكستان في تنفيذ اشتراطات الصندوق خشية السخط الشعبي، لا سيما في ظل معاناة البلد من ظروف اقتصادية صعبة وترد معيشي خاصة في أعقاب الفيضانات التي ضربت البلاد خلال العام الماضي وعمقت متاعب الكثيرين.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي يغطي ثلاثة أسابيع فقط من الواردات بما لا يتجاوز ثلاثة مليارات دولار. وتواجه الدولة ضغوطاً مالية كبيرة، إذ تشير مؤسسات مالية دولية إلى تزايد مخاطر التخلف عن سداد الديون. والشهر الماضي، وصف رئيس الوزراء شهباز شريف قبول اشتراطات صندوق النقد بتجرع "الدعم المرير" من أجل إنقاذ البلاد اقتصادياً.

وتلقي الحكومة الحالية باللائمة على سابقتها، مشيرة إلى أن الأزمة التي تشهدها البلاد نتيجة سياسات حكومة عمران خان (انهارت في إبريل/نيسان 2022 بعد سحب الثقة عنه من قبل البرلمان).

في هذا الشأن قال وزير الدفاع خواجه آصف، وهو القيادي الأهم في الحزب الحاكم، في كلمة أمام البرلمان، يوم الثلاثاء الماضي، إن "الوضع الاقتصادي منهار، وذلك بسبب سياسات حكومة عمران خان، إنها تباطأت في الوصول إلى توافق مع صندوق النقد، ولم تتمكن من مواجهة الحالة الاقتصادية الصعبة، بينما الحكومة الحالية في مواجهة اتخاذ قرارات صعبة".

بدوره، قال وكيل وزارة الاقتصاد حميد يعقوب شيخ، في كلمة أمام هيئة برلمانية تراقب الوضع الاقتصادي: "الوضع صعب للغاية ونحن بحاجة إلى عدة أشهر كي ترجع الأمور إلى مجراها الصحيح وتخرج البلاد من الأزمة المالية الحادة"، مشيرا إلى أن التوافق مع صندوق النقد سيساعد الدولة كثيراً ويمهد الطريق أمام الحصول على قروض من الدول الصديقة.

في المقابل أعلنت المعارضة الباكستانية، تحديداً حزب حركة الإنصاف التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق عمران خان، الاحتجاج الشعبي الشامل من خلال حملة "ملء السجون" التي بدأتها، أمس الثلاثاء، حيث توجه المئات من أنصار الحزب إلى السجون في مدن مختلفة من البلاد.

وقال عمران خان في كلمة له أمام الشعب، أمس، إن "الحملة جاءت ضد سياسات الحكومة القمعية وفشلها الذريع في مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية الحالية، حيث إن المواطن الباكستاني بات من أكبر الضحايا".

بينما قال محمد عرفان خان من سكان مدينة بشاور لـ"العربي الجديد" إن "كل حزب يأتي ليستغل ملفات الشعب المختلفة، حزب عمران خان الآن يستغل هذا الوضع من أجل الضغط على الحكومة"، مضيفا: "مثل هذه الحملات لن تغير شيئاً".

بدوره، قال الخبير الاقتصادي اعتزاز سعيد لـ"العربي الجديد" إن "المشكلة الأساسية تكمن في أن الحكومة أضحت بين السندان والمطرقة، فإن راعت حالة المواطن وقطاع التجارة والصناعة بالاستمرار في تقديم الدعم وخفض الضرائب فلن تحصل على قرض صندوق النقد، وبالتالي ستنهار الحالة الاقتصادية، بينما إن رضخت لشروط الصندوق ورفعت الضرائب وسحبت الدعم من القطاعات العامة كالوقود والغاز والكهرباء، فسوف ترتفع الأسعار ويدفع المواطن الثمن"، مضيفا: "يبدو أنها فضلت الخيار الثاني إذ هو الأهون"، وفق تعبيره.

في السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي رضا بنكش في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هناك أسبابا كثيرة وراء ارتفاع أسعار الوقود، والتي بدورها تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل عام، منها ارتفاع الأسعار عالمياً، موضحا أن باكستان تستورد الوقود من الخارج، وبالتالي الأسعار العالمية لها تأثير.

المساهمون